لماذا ترتفع مديونية الأردنيين ولا تتحسن أوضاعهم المعيشية؟

لماذا ترتفع مديونية الأردنيين ولا تتحسن أوضاعهم المعيشية؟

عمّان – البوصلة

يواصل إجمالي الدين العام للأردن ارتفاعه ليصل إلى 37.137 مليار دينار حتى نهاية تموز/يوليو من العام الحالي، ولكن ما يلمسه المواطن الأردني على الجانب الآخر تزايدٌ في المعاناة والفقر والبطالة، الأمر الذي يدفع مراقبين للتساؤل، لماذا لا تنعكس أرقام المديونية إيجابًا على الواقع الحياتي والمعاشي للأردنيين؟

البوصلة” توجهت بهذا السؤال للخبير الاقتصادي محمد البشير، الذي أكد بدوره أنّ “المديونية الأردنية التي وصلت إلى هذه الأرقام المرتفعة؛ هي نتاج العجز في الموازنة للسنوات المتعددة خلال الفترة الماضية ولم تكن لأغراض ذات علاقة بالنفقات الرأسمالية التي هي بالنتيجة تشكل البنية التحتية لأي اقتصاد”.

ولفت البشير إلى أنّ “النفقات الرأسمالية تم تعطيلها وتم التراجع عن رعايتها، بمعنى أنّ النفقات الجارية استولت على حجم النفقات الكلي وهذا الحجم الكبير الذي تشكل فيه الرواتب وميزاتها ما يزيد عن 65% وخدمة الدين في العام ما يزيد عن 20%، فماذا تبقى لمشتريات مؤسسات الدولة وأجهزتها”.

وأضاف، أنّ هذا يؤكد مرة أخرى على أنّ أزمتنا الاقتصادية هي أزمة مالية بامتياز، وأقصد بالأزمة المالية بأنّ هناك خللًا في النفقات، وخللاً تسببت به الضرائب، وثالث له علاقة بالمديونية، التي هي نتيجة بالمحصلة النهائية لهذا العجز ما بين النفقات والواردات.

الخبير الاقتصادي محمد البشير: حلّ مشكلة الاقتصاد الأردني يكمن في معالجة الاختلالات الحقيقية التي تبدأ بتشجيع الصناعة والزراعة

واستدرك البشيري بالقول: بما أنّ الحكومة عبر السنوات الماضية كانت دائمًا تبحث عن تغطية نفقاتها المتصاعدة نتيجة الفوضى في الإنفاق وعدم السيطرة، والذي يخفي في مضامينه فسادًا حقيقيًا، تم في الوظيفة العامّة تحديدًا، و أدى لهذا الواقع، سواءً كان ذلك مباشرًا ويتمثل في الاعتداء على المال العام، أو كان غير مباشرٍ ومتمثلاً في التشريعات وخلق أدوات ساهمت في هذا الإنفاق العالي متمثلاً في الوحدات المستقلة أو العقود مع الخبراء، أو الإلزامات لكثير من العطاءات الحكومية المختلفة ذات العلاقة في الإنفاق الجاري على وجه الخصوص.

وتابع، بالإضافة إلى الاعتداء على الوظيفة العامّة الذي شكلت فيه الرواتب هذا الرقم الفظيع، وعندما تذهب الحكومة إلى الضريبة غير المباشرة لتغطية ذلك، وتجد هناك معارضة شعبية، فالنتيجة الأخرى كانت الذهاب للمديونية، وهذا السبب الرئيسي فعلاً للذهاب للمديونية، منوهًا بالقول: لذلك لا يشعر المواطن بأنّ هذه المديونية تنعكس فعلاً على تحسين واقعه المعيشي وتحقيق تنمية اقتصادية ملموسة.

ما هو الحل؟

وللإجابة على سؤال ما هو حل مشكلة الاقتصاد الأردني، تابع الخبير الاقتصادي حديثه: قلنا من خلالكم في أكثر من مناسبة أنّ هذا الوضع أدى بشكلٍ مباشر إلى الخلل في هيكل الاقتصاد الوطني، وهذا الخلل متمثل في عدم رعاية الصناعة والزراعة وعدم دعم منتجاتها، والتشجيع أكثر على الخدمات بعناوينها المختلفة وخاصة الخدمات المتعلقة بقطاع البنوك وشركات التأمين والآي تي بشكل أو بآخر رغم عوائده الجيدة.

“نقول من المهم دعم السياحة باعتبار كلفتها الأقل قياسًا بعوائدها، لكن بالنتيجة دون أن يكون هناك بنية تحتية للاقتصاد الوطني المتمثل بالصناعة والتجارة فسنبقى نعاني من مزيد من العجز في الميزان التجاري ومزيد من البطالة ومزيد من العجز في ميزان المدفوعات، وهذا كله يؤدي بالمحصلة النهائية إلى ضعف في قدرة توريد حاجة الخزينة من أموال وهذا يدفع مباشرة للذهاب إلى المديونية”، على حد تعبيره.

اختلالات بحاجة لمعالجة

وخلص إلى القول: “إذن الحلّ يكمن في معالجة الاختلالات الحقيقية التي تبدأ بتشجيع الصناعة والزراعة، وهذا يتم خلال تعديل التشريعات الناظمة لارتفاع كلفة الاقتصاد الوطني”.

وأضاف البشير: عندما نقول إنّ ضريبة المبيعات هي سبب رئيسي في المشكلة، فيجب أن نعيد النسب الضريبية والجداول إلى النواب، وأن لا تبقى الحكومات تعبث فيها كما تريد، وحسب الضغوط المالية التي تتعرض لها سواء كان من صندوق النقد الدولي أو من وزارة المالية التي تشرف على مدفوعات الدولة الأردنية.

وقال البشير: عندما نتحدث عن الطاقة ما هي مشاكل الطاقة، بعنواينها المتعددة التي تبدأ بالكهرباء وتنتهي بالمشتقات النفطية، وهي السبب الثاني في ارتفاع كلفة المنتج الصناعي، وأحد الأسباب الرئيسية لارتفاعها هو ضريبة المبيعات.

وشدد على أننا “إذا استطعنا أن نخفض ذلك سندفع بالاتجاه الآخر، وفي مقابل ذلك سيصبح هناك أرباح ومن حق الخزينة أن تأخذ من أجل أن تكون شريكًا حقيقيًا للمنتج، فعندما يكون هناك إنتاجية عالية، يجب أن تأخذ الخزينة حصتها منها حسب الشرائح، وتكون هناك مراعاة لذوي الدخول المتوسطة والبسيطة، سواءً كانوا أفرادًا أو منشآت، حتى ننمي هذه المنشآت ونساهم في حل مشكلة البطالة التي نعاني”.

وأضاف، “وفي الوقت نفسه فإنّ من المهم تنمية إنتاجية هذه المؤسسات، فنحن لا يكفي أن نقول إن الفوسفات والبوتاس ومصفاة البترول أو شركة الكهرباء التي تأخذ عمولة أو شركة توزيع الكهرباء هي التي تخسر فهذا لا يجوز لا يكفي، ولكن الذي يكفي أن يكون لدى الحكومة القدرة عبر التشريع معالجة أسباب ارتفاع هذه الكلف”.

وتتمثل “المشكلة الثالثة”، بحسب الخبير الاقتصادي بأننّا نعاني من وجود فوائد عالية على الإقراض، وعندما نرى أنّ هناك فوق 30 مليار مديونية الأفراد والمنشآت والشركات، فهذا كله ينعكس مباشرة على كلفة المنتج، والمشكلة الرابعة في ارتفاع كلفة الاقتصاد بالضمان الاجتماعي.

ولفت البشير بالقول: هذا الذي كررته أكثر من مرة من خلالكم، قلنا إنّ الحكومة لا تستمع إلى هكذا طروحات، لأنّها تعبير حقيقي عن قوى المجتمع التي تتمثل بالسلطة السياسية التقليدية التي تدير بلدنا، والمتحالفة مع رأس المال، وبما أنّ هذا الوضع مفيد للغالبية العظمى ممن يتحكم في قرارنا سواء كانوا يتحكمون بالكتلة النقدية الموجودة في البنوك ممثلة بودائع الأردنيين والبنك المركزي ما زال مصرًا على نهجه السابق منذ عام 1990في تعويم نسبة الفائدة.

ولفت البشير إلى أنّ “هذا يساهم بشكل أو بآخر بالوضع الذي نعيش، وإن تحدثنا عن الشق المتعلق بالناس، فنقول إنهم باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية فإنهم غير منظمين، ولا يملكون الأدوات السياسية التي من خلالها يستطيعون فرض أجندتهم ومصالحهم عبر صندوق الاقتارع والشريع فإنّ هذا الحال سيستمر كما هو وسيؤدي إلى مزيد من انعكاساته على الوضع الاجتماعي المتمثل في الجرائم والمشاكل المختلفة سواء كانت ذات علاقة بتجليات الرياضة التي يقتل فيها أبناؤنا عبر أتفه الأسباب”.

“كل ذلك له علاقة بالأسباب الاقتصادية التي نعيشها والتي تسببت به سياسات الحكومات المتعاقبة بشكل عام، يختم البشير حديثه لـ “البوصلة”.

أرقام مقلقة

بدوره قال الكاتب عبدالله المجالي إنّ أرقام المديونية تتحدث عن نفسها، والزيادة في المديونية مقلقة، خصوصا ذلك الميل الحكومي على صندوق أموال الضمان الاجتماعي، وهو الذي يعد صندوق الأجيال في المملكة.

وأكد المجالي في مقالته بصحيفة السبيل أنّ المعادلة غير المفهومة تظل مستمرة، في ظل اطراد سوء الأوضاع المعيشية للمواطنين مع الارتفاع الكبير للمديونية، وهنا يقبع السؤال المهم: ما هي أوجه الصرف لتلك المبالغ الهائلة من المديونية؟ ولماذا لم تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين؟ ولماذا لم تساعد في تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلد بشكل عام؟ لماذا لم تساعد في تنمية الصناعة؟ أو الزراعة؟

وختم بالقول: نحتاج إلى كشف حساب مفصل لا مجرد أرقام صماء عن ازدياد المديونية.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: