لماذا لم تتدحرج رؤوسٌ حكوميةٌ كبيرة بعد كارثة العقبة؟

لماذا لم تتدحرج رؤوسٌ حكوميةٌ كبيرة بعد كارثة العقبة؟

عمّان – رائد صبيح

في الوقت الذي كانت تتحدث فيه حكوماتٌ بسخطٍ ونبرةٍ شديدة بعد تسريب “كتابٍ” من خزائن المسؤولين لدرجة أن يستدعي “دحرجة الرؤوس”، لا تهتز كراسي الوزراء في حكومة الخصاونة ولا تهتز شعرة في الرؤوس”، حتى وإن تعلق الأمر بـ”إزهاق الأرواق والنفوس”، بحسب مراقبين.

انتقاداتٌ حادة وجهها الشارع الأردني بحنقٍ وغضبٍ لما آلت إليه نتائج التحقيق التي أعلنها وزير الداخلية وما تكشف خلالها من فسادٍ وترهل كبيرين، في الوقت الذي تمّت فيه محاسبة قيادات ومسؤولين حكوميين من الفئة الثانية والثالثة وتقديمهم كأكباش فداء دون أن تتحمّل حكومة بشر الخصاونة المسؤولية أو مسؤولون من الدرجة الأولى المسؤولية الأدبية والأخلاقية عن الحادث المروّع ويقدموا استقالتهم.

استقالة الحكومة تقليد غير مطبق في العالم الثالث

عبّر الخبير الاقتصادي محمّد البشير في تصريحاته لـ “البوصلة” عن عدم استغرابه من مخرجات لجنة التحقيق في حادث العقبة وآلية تعامل الحكومة مع الأمر والتضحية بقياداتٍ من الصف الثاني والثالث كأكباش فداء في القضية، مستهجنًا في الوقت ذاته أنّ استقالة الحكومة لمثل هذا الأمر الجلل والكبير تقليدٌ غير موجودٍ في عالمنا الثالث.

واشار البشير إلى أنّ “المسؤولية الحقيقية” وتحمّلها مختطفة من الشعب الأردني، ولو لم تكن كذلك لكان الإجراء المتبع في مثل هذه الحوادث كما نراه في الدول الديمقراطية التي تجري فيها انتخابات حقيقية لممثلي الشعب بإرادة حرة ونزيهة دون أي تدخلات من أطراف أخرى وتشكيل ممثلي الشعب للحكومة، وهنا فقط يتحمّل هؤلاء مسؤوليتهم الأدبية والأخلاقية والمادية إن كان هناك خسائر مادية كما في مثل هذه الحوادث.

محمد البشير: ندفع ثمًا باهظًا لأسبابٍ مقننة تسمح بالاعتداء على حقوقنا كمواطنين

واستدرك بالقول: أمّا ونحن نأتي بالوزارة من حيث لا يدري الوزير متى يأتي ولا يدري متى يذهب، فالنتيجة واحدة في أنّ أي كارثة تحصل، يتم إحالتها للقدر الذي يتسلح به المسؤولون عن التقصير، ويصبح الموضوع مثله مثل أي مواضيع أخرى كثيرة ذات علاقة بأثر مادي وأضرار تلحق بالمنشآت والمؤسسات والأرواح دون حسيب أو رقيب.

ولفت ساخرًا أنه “عندما تكون هناك أخطاء مباشرة لا يحاسب المسؤول الذي يرتكب خطأ، فما بالك إن ارتبطت هذه الأخطاء بالإهمال”.

وشدد على أنّ “الإهمال في العادة هو نتاج الترهل وغياب المتابعة والرقابة الحثيثة والحرص على المال العام، والأسباب كثيرة ومتعددة، ليست أقلها أنّ الخلل في توزيع الثروة وغياب العدالة بين الناس وخاصة في الوظيفة العامة”.

وقال البشير إنّ “كل هذه الأسباب تساهم في أن يرتفع منسوب الخلل الناتج عن الإهمال، وبالتالي إمكانية أن تستقيل حكومة أو تتدحرج رؤوس تبقى شعاراتٍ آنية وانفعالية لا تتحقق على ارض الواقع، باعتبار هؤلاء لم يأتوا باختيار شعبي، وجاءوا نتيجة مكافآت ونتيجة رضا السلطة السياسية ورأس المال عنهم في مواقع عملهم”.

غياب نيابي كالعادة

وحول غياب مجلس النواب عن التحقيق في حادث العقبة الأليم، قال البشير: كما هو معلوم مجلس النواب يتحرك فقط عندما يراد له أن يتحرك للأسف، لافتًا في الوقت ذاته إلى أننا عندما تحدثنا عن الحكومة وأنّها لم تأت بإرادة شعبية، وفي المستوى ذاته وبالنسق ذاته فإن من يتحكم بصندوق الاقتراع ومخرجاته متمثلة بمجلس النواب على وجه الخصوص لأهميته أكثر من أي صناديق أخرى، فهو نتاج تدخل السلطة السياسية التقليدية ورأس المال، بتحالفهما التاريخي وهما يفرزان مجلس النواب الذي يتحرك بناء على مصلحة هاتين الطبقتين أو دعواتهما.

وختم البشير تصريحاته لـ”البوصلة” بالقول: بالنتيجة نحن ندفع ثمًا باهظًا وأسبابه متعددة منها ما هو مقنن بالقوانين بالاعتداء على حقوقنا ومنه ما هو متعلق بالإهمال والاختيارات غير الموفقة في المواقع التنفيذية في مختلف أجهزة الحكومة.

كارثة لا تتساقط فيها الرؤوس

من جانبه قال الكاتب علي سعادة إنّ اللجنة التي شكلتها الحكومة للتحقيق في حادثة العقبة هي لجنة حكومية لا يوجد فيها مختص واحد بأمور الشحن والنقل واللوجستيات وسلاسل التوريد..لجنة من الحكومة تحقق في تقصير الحكومة.

وعبّر عن أسفه لأنّ قرارات اللجنة لم تسقط ولا رأس كبير من المسؤولين عن كارثة العقبة.

ولفت سعادة إلى أنّه في دول أخرى تستقيل الحكومة وتتم محاسبة كامل طاقم القيادات في مكان الحادث دون استثناء لا أن تكلفهم بالتحقيق في تقصير يطالهم هم أيضا.

وأشار إلى أنّه وبعد أسبوع من المداولات والتحقيق خرجت الحكومة بنتيجة أن السبب المباشر لحادثة العقبة هو عدم ملائمة قدرة السلك المعدني المستخدم لوزن الحمولة مما أدى إلى حدوث استطالة، ومن ثم انقطاعه.

ونوه إلى أنّ العامل البسيط قال من أول ثانية أنه الحبل المهتري هو السبب، ما بدها لجنة. بدها استقالة وإطاحة برؤوس كبيرة أكبر من مدير شركة العقبة للموانئ.

وتابع حديثه بالقول: “طيب وين مجلس النواب العتيد وين دوره الرقابي؟!”.

يا خسارة أين المسؤول الأول؟

‏أمّا الكاتب حسين الرواشدة فلخص ألمه ممّا حصل بالقول: فيما دفع الأردنيون 13 روحا من أرواح أبنائهم وأصدقائهم بحادثة رصيف ميناء العقبة، وذلك ثمنا لإهمال مسؤولين لم يقوموا بواجبهم، دفعت الحكومة، بعد التحقيق الذي أجرته مع نفسها، بحزمة إجراءات إدارية، أطاحت بموجبها بمسؤولين من الطبقة الثانية والثالثة، بعضهم تنتهي عقودهم الشهر القادم، أما المسؤول الأول الذي يترأس إدارة مجلس الشركة المعنية، فقد اختفى تماما من مشهد الفاجعة، لم نسمع صوته، ولم نسمع أنه تحمل المسؤولية الأخلاقية فاستقال، ولم تحمّله لجنة التحقيق أي مسؤولية.

واضاف في مقالته بصحيفة “الغد” إن هذه مفارقة، بالطبع، ضمن سياق مفارقات (فضائح إن شئت)، بعضها تجاهله تقرير اللجنة، وبعضها أشار إليه، كلها تصب في سؤال واحد (لغز: أدق)، وهو: أين المسؤول الأول؟ ولماذا لم يتحمّل مسؤولياته لتصحيح هذه الأخطاء؟

ونو إلى أنّ ما حدث في العقبة، واكتشفناه بعد أن دفعنا ثمنا باهظا، هو جزء مما حدث ويحدث بالعديد من مؤسساتنا العامة، والتشخيص الذي أشار إليه تقرير اللجنة، حول الموظفين الذين لا علاقة لهم بالقيادة، ينطبق تماما على مئات المسؤولين الذين نزلوا على مواقعهم بالواسطة والمحسوبية، لو لم تكن أحوال مؤسساتنا كذلك، لما شاهدنا هكذا أزمات وتراجعات وفواجع، ولما غرق مجتمعنا باليأس والإحباط والسوداوية.

وختم الرواشدة بالقول: بصراحة، للمرة الأولى منذ بدأت الكتابة قبل 40 عاما، أجد نفسي عاجزا عن التعليق على ما حدث، ليس لنقص بالمعلومات، ولا لقلة الكلام، وإنما لتجربة طويلة، وإحساس عميق بعدم جدوى كل ما نكتبه، المسؤولون عندنا لا يسمعون إلا صوتهم، والنتيجة بعد كل أزمة صدمة جديدة، والمحاسبة تتحور مثل “كورونا”، وتنتهي بذر الرماد بالعيون،لا ضمائر تصحو ولا عدالة تنتصب، الخاسرون دوما هم الأردنيون، الذين مازالوا يعضون على قلوبهم بالصبر، لحماية بلدهم من العاديات. يا خسارة.

حسين الرواشدة: بعد كل أزمة صدمة جديدة والمحاسبة تتحور مثل “كورونا” لا ضمائر تصحو ولا عدالة تنتصب، الخاسرون دوما هم الأردنيون

الإفلات من المحاسبة في الدنيا

أمّا النائب تمام الرياطي فقالت في تعليقها على ما جرى بالقول: أبداً ما استغربت وما تفاجأت من نتائج لجنة التحقيق، مضيفة: “شو بتتوقعوا من لجنة اعضاؤها مفوضين !!”

ونوهت بالقول: معقول رح يطلّعوا المعلّم تبعهم مسؤول ! ما ظنيت، وتابعت منشورها على فيسبوك بالقول: وهنا أقول لـ : بشر الخصاونة، نايف بخيت ، نضال المجالي، مُبارك لكم أنكم فلتم من محاسبة الأرض ولكنكم لن تفلتوا من محاسبة رب الأرض وسيبقى دعاء أمهات الشهداء المكلومين تلاحقكم في نومكم وسباتكم وأحلامكم وحياتكم (فعند الله تلتقي الخصوم ).

وطالبت أهالي العقبة بأن لا يسمحوا لرئيس السلطة ومفوّض البيئة بأن يمارسوا أعمالهم في المفوضية “لأنهم لن يكونوا مؤتمنين على أبناءنا بعد ذلك لان الحوادث والموت تكرر في عهدهم وأصبحت دماء شهداءنا من أبناء العقبة تُلطخ حياتهم وسيرتهم” على حد وصفها. وقالت: “حسبي الله ونعم الوكيل ولعنة الله على الكراسي التي تُنسي الإنسان إنسانيته”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: