ماذا وراء احتجاجات الصين على سياسة “صفر كوفيد”؟

ماذا وراء احتجاجات الصين على سياسة “صفر كوفيد”؟

ماذا وراء احتجاجات الصين على سياسة "صفر كوفيد"؟

غّذى الغضب -الناجم عن تشديد قيود مكافحة فيروس كورونا (كوفيد-19) بالصين- الاحتجاجات التي تنتشر في البلد، لكنه كشف أيضا عن إحباط عميق ضد النظام السياسي بشكل عام.

بدأت احتجاجات بمناطق مختلفة، أمس الأحد، للمطالبة بإنهاء الإغلاق العام، وفتح مجالات أوسع للحريات السياسية، في موجة مظاهرات واسعة لم تشهد مثلها البلاد منذ الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية عام 1989.

والأسبوع الماضي، شب حريق في أورومتشي -عاصمة منطقة شينجيانغ (غربي البلاد)- مما أثار غضبا عاما حيث اعتبر كثيرون أن الإغلاق العام بسبب مكافحة كوفيد-19 أعاق مهمة فرق الإنقاذ.

ولا تزال الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد بالعالم المستمر في تطبيق سياسة “صفر كوفيد” الصارمة جدا، مع عمليات إغلاق وحجر متكررة واختبارات شبه يومية للكشف عن فيروس كورونا.

وفي وقت توقع الكثيرون أن تُخفف القيود بعد مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم الشهر الماضي، شددت بكين القيود مما أدى إلى تأجيج الغضب العام الذي يظهر الآن بشوارع بعض أكبر المدن.

نقطة الغليان

ويوضح ألفرد وو مولوان الخبير بالسياسة الصينية في جامعة سنغافورة الوطنية “بلغ الناس الآن نقطة الغليان بسبب غياب توجه واضح للسبيل الذي ينبغي سلوكه بعد انتهاء سياسة صفر كوفيد”.

وكتب الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ياشينغ هوانغ -على تويتر- أن القيادة الجديدة للحزب الشيوعي الصيني، والمؤلفة من موالين للرئيس شي جين بينغ، ملتزمة بسياسة صفر كوفيد.

وقال ياشينغ “قبل المؤتمر العشرين، كان هناك أمل في تغيير السياسات، لكن تشكيلة القيادة بالمؤتمر أبعدت هذه التوقعات بالكامل، وأجبرت الناس على اتخاذ إجراءات بأنفسهم”.

إصلاحات سياسية

وتحول الغضب من الإغلاق العام إلى دعوات لإحداث إصلاحات سياسية أوسع. ومن الشعارات التي هتف بها المحتجون الأحد “لا لفحوصات كوفيد، نحن جياع، شي استقِلْ، الحزب الشيوعي الصيني انسحبْ، لا للحجر.. نريد الحرية”.

واحتج طلاب في جامعة تسينغوا المرموقة، مطالبين بـ “الديمقراطية وسيادة القانون وحرية التعبير” وهتف متظاهرون في بكين مساء الأحد بشعارات للمطالبة بـ “حرية الفن والكتابة”.

وفي مناطق مختلفة، رفع محتجون أوراقا بيضاء ترمز إلى الرقابة.

وكتبت الخبيرة السياسية ماريا ريبنيكوفا على تويتر “لا أتذكر أي احتجاجات عامة دعت مباشرة إلى حرية الصحافة العقدين الماضيين” في الصين.

وأضافت “ما يثير الاهتمام جدا بهذه الاحتجاجات أن التركيز على قضية واحدة هي الإغلاق العام بسبب كوفيد-19 تحول بسرعة إلى قضايا سياسية أوسع”.

ونظم المتظاهرون أنفسهم، معظمهم من الشباب الخبراء بشبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت، واستخدموا وسائل حاذقة للاحتجاج على رقابة الدولة، من حمل الأوراق البيض إلى نشر مقالات فيها كلمات “إيجابية” لا معنى لها من أجل لفت الانتباه إلى النقص في حرية التعبير.

ويقول الخبير ألفرد وو مولوان “إن المتظاهرين يافعون جدا، والغضب بين الناس قوي جدا”.

pastedGraphic.png

محتجون في بكين ينددون بالقيود المفروضة على السكان في إطار مكافحة كورونا (الأناضول)

غضب من كبار المسؤولين

ويوضح خبراء أن ما يثير قلق قيادة الحزب بشكل خاص هو غضب المتظاهرين من كبار المسؤولين في الدولة، معتبرين أن هذا غير مسبوق منذ المسيرات المؤيدة للديمقراطية عام 1989 والتي قُمعت بشدة.

وقال الزميل في مؤسسة جيمس تاون ويلي وو-لاب لام “من حيث الحجم والشدة، هذا أكبر احتجاج من قبل الشباب في الصين منذ الحركة الطلابية عام 1989”.

وأضاف “ذلك العام كان الطلاب حذرين جدا بعدم تسمية قيادة الحزب والتهجم عليها. هذه المرة كانوا محددين جدا (في تعبيرهم عن إرادتهم)”.

ووصف بالملحوظ اتساع الاحتجاجات جغرافيا من جامعات مرموقة في بكين، إلى مدن في الوسط مثل ووهان وتشغندو.

من ناحية أخرى، حذر محللون من مقارنة الاحتجاجات الحالية بأحداث عام 1989 الدامية.

وكتبت الأستاذة المساعدة بجامعة دورهام تشينتشين تسانغ “قد لا يكون هناك طلب شامل للإصلاح السياسي يتجاوز مطلب إنهاء سياسة صفر كوفيد” مضيفة “نشأ الشباب الحضري اليوم مع النمو الاقتصادي وشبكات التواصل والثقافة الشعبية المعولمة”.

وتابعت “يجب ألا يحد الماضي من قدرتنا على التخيل”.

pastedGraphic_1.png

الشرطة في مواجهة مظاهرة بمدينة شنغهاي (رويترز)

كيف سترد الحكومة؟

غالبا ما تركز الاحتجاجات في الصين، وهي نادرة من نوعها بالأساس، على مسؤولين محليين وشركات، مع “إلقاء الضوء على بكين لكي تتحرك وتنقذ الناس من الفساد المحلي”.

تقول ماري غالاغر مديرة مركز الدراسات الصينية بجامعة ميشيغان “في هذه المظاهرات، يتم استهداف الحكومة المركزية الآن لأن الناس يدركون أن صفر كوفيد سياسة مركزية”.

لكن الخبراء منقسمون حول ما إذا كانت بكين سترد بسلمية أو بالعنف على الاحتجاجات. وقال وو “إن الغضب قوي جدا لكن لا يمكن توقيف الجميع”.

ووصف بيتر فرانكوبان الأستاذ بالتاريخ العالمي في جامعة أكسفورد دور الشرطة بأنه حساس، قائلا “سيكون هناك تعاطف كبير، خصوصا مع الضباط الأصغر سنًا. لذا فإن إصدار الأمر بالقمع يجلب مخاطر”.

وقد تُضطر القيادة إلى مواجهة الحركة الاحتجاجية علنا.

ووفق ويلي وو-لاب لام الزميل بمؤسسة جيمس تاون “سيضطر (الرئيس) شي أو غيره من كبار القادة إلى الخروج إلى العلن عاجلا أم آجلا. إذا لم يحدث ذلك، هناك خطر من استمرار الاحتجاجات في وقت لاحق”.

ومع دخول المظاهرات يومها الثالث، يقول الخبراء إنه من المتوقع أن تستمر التعبئة. وقال فرانكوبان “يبدو لي أن الاستياء يزداد بدلا من أن يتراجع”.

الفرنسية

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: