ماذا يمكن أن يقدم الناتو لتركيا لتقبل عضوية السويد وفنلندا؟

ماذا يمكن أن يقدم الناتو لتركيا لتقبل عضوية السويد وفنلندا؟

تركيا - اسطنبول

تواصل تركيا التأكيد على موقفها الرافض لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وسط مساع حثيثة من الدولتين لإقناع أنقرة بالعدول عن موقفها.

وأعلنت وزارة الخارجية التركية الثلاثاء، إن مسؤولين أتراكا سيجتمعون مع وفدين من السويد وفنلندا في أنقرة غدا الأربعاء لمناقشة مسعى البلدين للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.


وقبل يومين، أجرى الرئيس الفنلندي سولي نينيستو، ورئيس وزراء السويد مجدالينا اندرسون، محادثين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن الاتصالين لم يثمرا عن تغيير أنقرة لموقفها.


وقال أردوغان إن التفاهم الذي يتجاهل المنظمات الإرهابية التي تشكل تهديدًا لحليف داخل الناتو يتعارض مع روح الصداقة والتحالف، معتبرا أن “توقع الاحترام والدعم لنضال تركيا المشروع والحازم ضد تهديد واضح لأمنها القومي وشعبها، هو من أكثر الحقوق الطبيعية”، في إشارة إلى دعم الدولتين للمليشيات الكردية الانفصالية.


وأشار أردوغان إلى أن تركيا تدعم دائمًا سياسة الباب المفتوح لحلف الناتو بشكل كامل، وأن التضامن في الحلف هو قيمة أساسية من حيث أمن الدول الأعضاء والأمن الجماعي.


مخاوف أمنية

أردوغان وخلال خطاب مؤخرا، ذكّر بانضمام اليونان إلى الناتو في عام 1980، مشيرا إلى أن بلاده لن تكرر خطأ الموافقة على عودة أثينا للناتو دون قيد أو شرط مع دول أخرى.


بدوره، أشار الخبير التركي والباحث في قناة “TRT WORLD”k يوسف إريم، إلى أن “أنقرة لديها مخاوف أمنيةk وتحديدا تجاه السويد”.


وأوضح أريم “أنه على الرغم من أن تركيا تعترض على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، إلا أن أكثر مخاوفها الأمنية إلحاحًا هي مع ستوكهولم، لذلك لديها 5 مطالب أساسية من السويد”.


وتابع أريم في حديث خاص لـ”عربي21″: “تتوقع أنقرة أن تنهي ستوكهولم دعمها السياسي والعسكري لحزب العمال الكردستاني “بي كي كي”، وحزب الاتحاد الديمقراطي “بي واي دي”k ومنظمة غولن الإرهابية، التي تتمتع بمستويات عالية من الدعم السياسي في السويد”، قائلا إن السويد رصدت دعما بقيمة 376 مليون دولار حتى عام 2023 للمنظمتين الكرديتين، بالإضافة إلى الدعم العسكري لهما.


وقال إن “تركيا تتوقع أن ترفع ستوكهولم جميع عمليات حظر الأسلحة والعقوبات المفروضة عليها، وتريد ضمانات ملموسة بأن السويد ستتخذ خطوات مبدئية لمحاربة الجماعات التي تهدد الأمن القومي التركي”.


وأوضح أن “الاختلاف الرئيسي بين تركيا وأعضاء الحلف الآخرين هو إدراك التهديد، فبالنسبة لأنقرة فإن حزب العمال الكردستاني هو خط أحمر وتهديد رئيسي للأمن القومي، لكن بالنسبة للأعضاء الآخرين، الذين ليسوا هدفًا لهجمات هذا الحزب، فإن هذه المجموعة الإرهابية ليست أولوية في فهمهم للأمن القومي، والحجة الرئيسية لأنقرة هي أنه إذا كان الناتو منظمة دفاع جماعي، فعليه أن يحترم بشكل متبادل مخاوف الأمن القومي لكل من أعضائه”.


فصل في الموقف

 وحول إذا ما كانت أنقرة قد تقبل فقط عضوية فنلندا كون جل مخاوفها الأمنية قادمة من السويد، قال أريم: “أعتقد أن فنلندا قد اتخذت نهجًا أكثر استباقية في معالجة مخاوف تركيا”.

وأضاف أن “علاقات هلسنكي مع الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي لتركيا محدودة للغاية”.


وأضاف: “بالتالي قد تبدو أنقرة أكثر دفئًا مع طلب فنلندا، ولن أتفاجأ إذا طلبت تركيا فصل طلبي عضوية فنلندا والسويد، مع موافقة أنقرة على هلسنكي للعضوية، لكنها تمنع عرض ستوكهولم حتى يتم تلبية مطالبها”.

تقديم تنازلات

لكن ومع استمرار الرفض التركي لطلب عضوية السويد وفنلندا، وفرض أنقرة شروط مسبقة حتى تقبل بدخولهما للحلف، ماذا يمكن للدول الغربية الأعضاء في الناتو أن تقدم لأنقرة حتى تقتنع بالموافقة، وهل ستوافق دول الناتو على تصنيف الحزبين الكرديين الانفصاليين كجماعات إرهابية تنفيذا لطلب أنقرة؟.

أشارت وسائل إعلام غربية إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستغل هذا الملف لحسابات داخلية، بحيث يظهر وكأنه المنقذ المخلص والحامي لأمن تركيا القومي.

حيث نقلت مجلة فورين بوليسي عن مدير مكتب أنقرة في صندوق مارشال الألماني أوزغور أونلوهيسار جيكلي، قوله إنه “على الرغم من ثقتي من أن الأتراك والسويديين و الفنلنديين سيتوصلون إلى اتفاق، فإن حقيقة وقوف أردوغان ضد طلب الدولتين تساعد في إضافة أساطيره كقائد فريد في تاريخ تركيا”.

وقال جيكلي: “يمكنه أن يقول في الماضي إن الحكومات التركية ستوافق دون قيد أو شرط على هذا الطلب، حسنًا ، كقائد قوي، أنا لا أفعل ذلك”.


وأشار إلى أن “أفضل طريقة لفهم موقف أردوغان هي لعبة ذات مستويين، حيث تحتل صورته في الداخل، بعد مرور عام تقريبًا على الانتخابات، مرتبة أعلى من التصورات الغربية، ولكن هل ستُلطخ سمعته دوليًا؟ نعم. لكن هل هي مهمة؟ ليس بنفس أهمية سمعته محليًا”.


بدوره، عبر الكاتب الأمريكي، وأستاذ السياسة في جامعة جورج ميسون، مارك كاتز، عن اعتقاده بأن الحكومات الأمريكية والأوروبية قد تنجح في إقناع تركيا بالتخلي عن اعتراضها على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو؛ من خلال تقديم بعض التنازلات لتركيا”.


وأوضح كاتز، خلال حديثه لـ”عربي21“، أن “هذه التنازلات قد تشمل بيع أنظمة أسلحة معينة لأنقرة لم يكن أعضاء الحلف على استعداد لبيعها لها من قبل، كذلك زيادة الدعم المالي الغربي لتركيا في التعامل مع اللاجئين، وتقليل أو إنهاء الانتقادات الحكومية الغربية لسياساتها في مختلف القضايا”.


وحول الطلب التركي من الدولتين وقف دعم الجماعات الكردية، قال كاتز: “أعتقد أن الحكومتين السويدية والفنلندية ستجادلان بأنهما “لا تدعمان الأكراد”، لكنهما -السويد على وجه الخصوص- توفران فقط ملاذاً للأكراد الباحثين عن ملاذ من نظام أردوغان الاستبدادي”.


وتابع: “ليس ذنبهم أن الحكومة التركية خلقت مشكلة كردية لنفسها من خلال معاملتها أكرادها معاملة سيئة، كما يمكن لتركيا حل مشكلتها الكردية من خلال معاملة سكانها الأكراد بشكل أكثر إنسانية”.


ويرى كاتز أنه “في هذه القضية، لا يجوز للسويد وفنلندا تقديم أكثر من تنازل رمزي لتركيا، والذي يمكن لأردوغان أن يعلنه انتصارًا عظيمًا، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلنكن واضحين، بينما يريد الناتو أن تكون تركيا وكذلك السويد وفنلندا أعضاء، بالتالي إذا كان على الحلف أن يختار بينهم، فإنه يفضل السويد وفنلندا كعضوين في الناتو على تركيا”.

موقف قديم

من جهته، خالف الخبير التركي يوسف أريم كاتز في رأيه أن أردوغان يبحث عن مجد شخصي، وأن السويد تقدم ملاذا آمنا للأكراد، وأنها لا تدعم المسلحين.

وقال أريم: “موقف أردوغان تجاه افتقار الناتو إلى الاحترام المتبادل لمخاوف الأمن القومي التركي ليس بالأمر الجديد، حيث كان يؤكد على هذه القضية لسنوات، والآن بعد أن أراد الناتو ضم السويد وفنلندا بسبب التهديد الروسي المتجدد، يبدو أن أعضاء الحلف بدأوا ينتبهون أخيرًا إلى مخاوف أردوغان”.

وأوضح أنه “لا علاقة لموقف الرئيس بشأن طلب عضوية السويد وفنلندا في الواقع بالسياسة المحلية، ولكن إذا نجح أردوغان في تلبية مطالب تركيا، فقد يكون لذلك تأثير إيجابي محليًا”.

وحول المسألة الكردية، قال أريم: “تركيا فيها أكبر عدد من السكان الأكراد في العالم، ويعيش في إسطنبول أكراد أكثر من أي مدينة أخرى، كذلك يتمتع الأكراد أيضًا بالمزايا الكاملة للجنسية، وتقلدوا أعلى المناصب في البلاد”.

وتابع: “لكن لسوء الحظ، يحاول بعض الناس مساواة حزب العمال الكردستاني بالأكراد، بينما حزب العمال الكردستاني هو جماعة إرهابية ماركسية يسارية راديكالية لا تتلقى سوى القليل من الدعم من الأكراد، كذلك تتمتع تركيا أيضًا بعلاقات قوية جدًا مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق والجماعات الكردية الشرعية في سوريا”.

خيارات دول “الناتو”


بدوره، قال أليستير إدغار أستاذ العلوم السياسية المشارك في كلية بالسيلي للشؤون الدولية في جامعة ويلفريد لورييه في كندا، إن “حكومة أردوغان تقول إنها تركز على حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب وحركة غولن، متهمة الأخيرة بالوقوف وراء محاولة انقلاب، ولكن كما يعلم الجميع كانت وحدات حماية الشعب مهمة في محاربة داعش في سوريا”.


وتابع إدغار خلال حديثه لـ”عربي21“: “كذلك يختلف الكثير في الغرب مع نظرة أردوغان لغولن واعتقالاته الجماعية للأشخاص في تركيا، لذلك فالأمر مُعقد، ويُنظر إليه أيضًا على أنه نوع من “الابتزاز” ضد الناتو من قبل عضو حالي في أثناء أزمة عسكرية كبيرة في أوكرانيا”.


وعبر عن اعتقاده بأنه “يمكن إيجاد طريقة لمعالجة الطلب على العمل لوقف جمع الأموال من حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب في فنلندا والسويد، ولكن لا أعتقد أن أيا من البلدين يمكن أن يوافق على تسليم أعضاء غولن إلى تركيا، خاصة أنه لا يُعتقد أن هؤلاء الأفراد سيحصلون على محاكمات عادلة في تركيا، كذلك لا يزال وضع حركة غولن ودورها في محاولة الانقلاب المزعومة محل نزاع”.


وحول خيارات أعضاء الناتو في حال استمرار الرفض التركي لطلبي السويد وفنلندا، قال إدغار: “إذا رفض أردوغان، يمكن للغرب (باستثناء تركيا في هذه الحالة) تقديم ضمانات أمنية لفنلندا والسويد، مماثلة لتلك الخاصة بعضوية الناتو، عبر الاتحاد الأوروبي وثنائيًا مع الولايات المتحدة”.


وأضاف: “عندها لا تكسب تركيا شيئًا سوى إبعاد نفسها عن الغرب، حتى في أثناء بقائها جزءًا من الناتو، وربما يوافق أردوغان على هذا الإبعاد؛ لأن تركيا أساسا تشعر برفض الاتحاد الأوروبي”.

واستدرك بالقول: “أعتقد أن هناك مجالًا للنقاش حول جمع التبرعات لحزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب من قبل المجتمعات الكردية التي قد تحدث في السويد وفنلندا -إذا كان ذلك يحدث هناك فأنا لا أتابع هذه القضايا في أي من البلدين- لكن لا أرى أنه سيكون هناك قبول لطلبات تسليم الأفراد إلى تركيا، كذلك قد تكون هناك أمور أخرى يمكن أن يقدمها أعضاء الحلف لتركيا، على سبيل المثال المساعدة العسكرية والأمنية لتركيا، وحزم المساعدات المالية، وهذه الأمور مفتوحة للنقاش”.

العلاقة المستقبلية بأعضاء الناتو


يرد الكاتب الأمريكي، مارك كاتز، أستاذ السياسة في جامعة جورج ميسون، على التساؤلات حول علاقة تركيا المستقبلية بأعضاء “الناتو”، بأنه “من الواضح أن الغرب لا يستطيع إجبار تركيا على الموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو”.


وأضاف: “ولكن إذا كانت تنوي بالفعل منع ذلك، فإن النظرة الغربية لتركيا سوف تزداد تعقيدًا، ولن تتلقى أنظمة أسلحة غربية أو أموالاً للاجئين أو أي شيء آخر، وبدلا من ذلك، ستتلقى الكثير من النقد”.


وخلص بالقول: “كذلك ستتصاعد التحركات لطرد تركيا من الناتو كليًا، لكنني لا أعتقد أن الأمر سيصل إلى هذا الحد، كما أنني أعتقد أن تركيا تريد فقط بعض التنازلات مقابل الموافقة على عضوية السويد وفنلندا في الناتو”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: