محادين لـ “البوصلة”: أحوج ما نكون اليوم لعودة “الوجدان الشعبي” لقيم التكافل

محادين لـ “البوصلة”: أحوج ما نكون اليوم لعودة “الوجدان الشعبي” لقيم التكافل

عمّان – رائد صبيح

أكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين في تصريحاته لـ “البوصلة” على أنّ الأيام المتبقية من شهر رمضان المبارك تحثنا على أن نرجع إلى “قيم التكافل الجماعي” بدءًا من الأسرة مرورًا بالحيّ، وليس انتهاءً بالمؤسسات الأخرى، مشددًا على ضرورة إزالة “حالة الاغتراب” الدخيلة على مجتمعنا والتي تراجعت بسببها قيم الكرم والجود والعطاء والتكافل بين أبناء المجتمع.

وتابع محادين حديثه بالقول: من خلال رصدنا لطبيعة التغيرات المتسارعة التي يمرّ بها المجتمع الأردني، وهي تغيرات في جوهرها “قيمية واقتصادية” معًا، ويمكن الخلوص إلى عددٍ من المؤشرات التي من شأنها أن تجعلنا مستنتجين “لماذا تراجع عمل الخير، ولماذا تراجعت قيم التكافل في المجتمع الأردني للأسف بالمجمل”.

“نقول إنّ دخول الأردن منذ تسعينيات القرن الماضي وما تلاها مع بداية القرن الذي تلاه أيضًا في موضوعات الخصخصة، وتراجع مستوى الدخل لدى المواطن من جهة، إضافة إلى ارتفاع منسوب (القيم الفردية) بصورة دخيلة وغريبة على مجتمعنا العربي المسلم، الذي اتسم على الدوام بأنّه ذا نسيجٍ اجتماعيٍ وتكافليٍ واضح”، على حد تعبيره.

أ.د.حسين محادين: نحن بحاجة ماسّة لتعزيز قيمة الإنسان بأن يبقى إنسانًا فوق المادة وفوق أدوات التكنولوجيا

وتساءل محادين: لماذا، لأنّ الجذور التاريخية والثقافية لهذا المجتمع بقيمه الدينية، إنّما تحضّ على التكاتف، وقيم الجماعة، وعلى التآزر والتساند، وبالتالي عملت على خلق نوعٍ من “الوجدان الشعبي المتكامل” الذي إذا تأثر نسقٌ فيه هنا انعكس على بقية أنساق البناء الاجتماعي.

واستدرك بالقول: لكنّ الذي يجري عمليًا وبصورة متسارعة أنّ وسائل الإعلام التكنولوجية والتواصلية، وهي واحدة من أدوات العولمة، أي صاحبة الفكر الفردي أو “الفرداني” الذي يضخم الأنا ويقلل النحن، إنّما عملت طوال العقود الماضية على تغيير “أنماط التنشئة الاجتماعية” لنا رجالاً ونساءً.

قبول مجتمعي للسلوكات الخاطئة

ولفت إلى أنّ “الأنا” أصبحت هي العنوان، و”النحن” هي الأقصى، وهذا لم ينطبق فقط على حدود الأسرة، وإنّما للأسف أصبح هناك قبولٌ اجتماعيٌ وثقافيٌ لمثل هذه السلوكات الخاطئة، لماذا، لأنّ المجتمع الأردني مجتمعٌ منفعلٌ بما يأتي إليه من خارج حدوده وأسواره، وأنّ هذا الضخ الإعلامي عبر “ثقافة الصورة” قد ساهمت بشكلٍ قويٍ في تراجع “قيم الكرم والتكافل والعطاء والإيثار” باتجاه “القيمة الرقمية”، وهي جزء من توجهات هذا العالم نحو “رقمنة” أي جعل الأفراد مجرد أرقام هشة تتطاير، وأنّ الأرقام أيضًا هي التي تحدد مكانة الشخص الذاتية في معزلٍ عن محيطه، بدءًا من اسرته وليس مجتمعه.

إقرأ أيضًا: محادين لـ “البوصلة”: ليس من الحكمة فرض غرامات على المواطن في هذه الظروف

وتابع أستاذ علم الاجتماع بالقول: إذن، لماذا نحن بحاجة لإرجاع وإعادة قيم الاسرة العربية النبيلة؟ لأننا شعرنا طوال العقود الماضية بوجود نوعٍ من “الاغتراب الوجداني” فيما بيننا، ونلاحظ ذلك حتى خلال التئام افراد الاسرة على وجبة الطعام.

واستدرك محادين: “فصحيح أنهم مجتمعون بالتجاور جسديًا لكنّ كلاً منهم منشغلٌ عن الآخر وأحاديثه بهاتفه الخلوي الذي وفّر له فرصة أن يرتبط مع آخرين خارج حدود الجغرافيا وبلغاتٍ مختلفة”.

تعميق قيم التكافل ضمن منظومتنا الإنسانية والدينية

وقال محادين: نريد في هذا الشهر الفضيل أن نحيي ونعمّق قيم التكافل التي حظت عليها منظومتنا الإنسانية وفي ذروتها “الدينية” عربًا ومسلمين، ونريد أيضًا أن نعيد التكاتف للنسيج الاجتماعي الذي بدء يتخلخل هو ومؤسسات المجتمع.

ولفت إلى أنّ “ارتفاع نسب الطلاق على سبيل المثال، ما هو إلا مؤشر خطير على التحديات التي تواجهها أسرنا لأنها مصنع التنشئة، هي منجم الأخلاق وهي التي تعلمنا الحلال والحرام والمسموح فيه والمنهي عنه، ومن هنا نفهم لماذا استهدفت الأسرة كي تعمل على إضعاف مرحلي لمنظومة القيم الإنسانية النبيلة التي كانت لعقود بل لقرون حاضرة ومهمة”.

إقرأ أيضًا: محادين لـ “البوصلة”: “الوجدان الشعبي” ينبه صنّاع القرار لخطورة المساس بالأمن المجتمعي

وأضاف، نريد في ظل تراجع المستوى الاقتصادي للناس، وارتفاع المديونية، ان يشعر الإنسان أن له “دورًا إنسانيًا” ينتظر من خلاله الثواب، ويعمل بصمتٍ عليه.

وشدد محادين على ضرورة “أن نرجع إلى “التكافل الجماعي” بدءًا من الأسرة مرورًا بالحيّ، وليس انتهاءً بالمؤسسات الأخرى، فكلها عوامل تساهم في صحوتنا أو إزالة هذا “الاغتراب” الذي وفد علينا مع ارتفاع “قيم الأرقام” والثقافة المادية المجردة”.

وخلص محادين في تصريحاته لـ “البوصلة” إلى القول: “لذلك نحن بحاجة لعودتنا نحو أنفسنا وهويتنا الإنسانية المنفتحة، ونحو تعزيز قيمة الإنسان بأن يبقى إنسانًا فوق المادة وفوق أدوات التكنولوجيا، لأنّه الذي استخلف بكرامةٍ على الأرض لإعمارها من قبل ربّ العالمين”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: