محادين لـ “البوصلة”: لهذا السبب سخر العَمّانيون من الحظر الشامل

محادين لـ “البوصلة”: لهذا السبب سخر العَمّانيون من الحظر الشامل

محادين: المواطن يشكك بأطروحات الحكومة عبر الدعابة اللاذعة

محادين: الدراسات تؤكد أن نصف الأردنيين لم يعد مقتنعا بـ “كورونا”

محادين: كان الأرشد عندما حظرت العاصمة منع الانتقال إلى المحافظات

محادين: التمرد على قانون الدفاع دليلٌ على انعدام ثقة المواطن بالإجراءات

عمان – رائد الحساسنة

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي “سخرية لاذعة وتندرًا واسعًا” من الأردنيين خاصة “العمّانيين” منهم على إعلان الحكومة تطبيق الحظر الشامل في عمّان والزرقاء يوم الجمعة بسبب كورونا، وما ترافق معه من مغادرة الآلاف للعاصمة قبل بدء الحظر لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في محافظاتٍ أخرى في حالة تشبه “الهروب الجماعي” من الحكومة وقراراتها غير المفهومة التي أفقدت أكثر من نصف الأردنيين الثقة بجميع الإجراءات وإن كانت متعلقة بالصحة العامة وجائحة كورونا وما فيها من مخاطر كبيرة.

“البوصلة” حاورت خبير علم الاجتماع الأستاذ الدكتور حسين محادين، عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة، وعضو اللامركزية في مجلس محافظة الكرك، حول الأسباب التي أدت إلى هذا السلوك وما الذي أوصل الأردنيين إلى حالة من السخرية والتهكم على الإجراءات الصحية بشأن كورونا بعد فقدانهم للثقة بكل ما يصدر عن الحكومة.

أ. د حسين محادين: عمّان نتغنّى بها، ونتغزل بها، وعندما تعطس أو تصاب بالرشح ننفض من حولها ونعود لجذورنا القبلية

تحديات فكرية وسياسية بحاجة إلى انتباه

ويرى المحادين أن الأردنيين سيبقون يمارسون “دعاباتهم اللاذعة” على هذه الحكومة التي طال أمد عمرها وزاد النهش من أطروحاتها؛ لا بل أصبحت اسمًا حركيًا للوخز والتشكيك والتساؤل حول كثيرٍ من القرارات، منوهًا إلى أن الدراسات العلمية تشير إلى أن ما يزيد على نصف الأردنيين لم يعد مقتنعا بأنّ هناك تحديا اسمه كورونا.

ويؤكد أن الأرقام الصادرة عن الحكومة بحاجة لإقناع الرأي العام الأردني لا سيما وأن قرارات كإغلاق المطار وغيرها مقارنة بالدول الأخرى هي أسئلة ما زالت معلقة على احتمال إجابة إجرائية كي يستقر العام الدراسي الجديد على سبيل المثال وتستقر أفئدة الأردنيين أن القرارات المتخذة تتخذ بالتشاور معهم حتى يدافعوا عنها ويمتثلوا إليها.

ويستدرك بالقول: لكن نلاحظ أن التمرد على القرارات الحكومية بما فيها الحظر هنا أو هناك وارتفاع أرقام الذين يخالفون النظام العام وفقًا لقانون الدفاع هي تحديات فكرية وتربوية سياسية بحاجة إلى انتباه، محذرًا من أنه عندما يتمرد بعض الناس النظام العام وقانون الدفاع ويقبلوا أن يدفعوا الغرامات المستحقة في القانون، فهذا يعني أنّهم غير مطمئنين لمبررات اتخاذ بعض الإجراءات كالحظر في العاصمة وبقاء حدودها مفتوحة.

العاصمة والهوية الأردنية الرخوة

وفي تحليله للمشهد من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي يؤكد محادين أن العاصمة عمّان تمثل هوية أردنية رخوة نتيجة لتنوع تشكيلاتها السكانية، منوها إلى أن عمّان لم تنجح للآن للأسف في خلق ضمير جمعي وانتمائي واحد لأبنائها.

ويبرهن على ما ذهب إليه بأن عددًا من الدراسات التي وجهت لقطاع الشباب على سبيل المثال سألتهم لمن يمكن أن تنسب هويتك، فكانت إجابات معظمهم نحو مناطق انحدارهم التاريخي: من إربد، من الكرك، من جرش.. الخ من محافظات المملكة، وكانت غير العاصمة التي يعيش فيها ويعمل بها.

ويتابع بالقول: لاحظنا أثناء إعلان الحظر المسبق أن درجة ارتباط الناس بالمكان هي ضعيفة، وسبب ذلك أن عمّان لم تشكل هوية مدينية جامعة للاردنيين من ختلف المنابت والأصول، وبقيت حيزًا مكانيًا  يشهد نشاطًا اقتصاديًا، قريبًا من الإعلام ومن صناع القرار؛ لا بل ساهمت الحكومات السابقة وآلية تشكيلها في إبقاء العاصمة مركزًا.

ويستدرك، “إذ أن التمثيل الجغرافي السياسي دائما ارتبط بمن يقيمون في عمّان، ولو زعم أنّهم يمثلون محافظة من المحافظات في وطننا الحبيب”، مبينا أن عمّان أصبحت ملتقى الأشياء وعابري السبيل، وثمّة نمطٌ استهلاكي وعلائقي غريب بين الأردني في عمّان وجغرافية المكان.

“عمّان نتغنّى بها، ونتغزل بها، وعندما تعطس أو تصاب بالرشح لسببٍ أو لآخر، أو بسببنا جزئيًا كمواطنين ننفض من حولها ونعود لجذورنا القبلية وانحداراتنا الاقتصادية السابقة”، يقول محادين.

ويتابع، “من هنا قلما تجد شخص يقول إنني عمّاني في المجتمع الأردني، مقابل أن البعض يجد في نفسه الثقة في القول إنه من محافظة ما من محافظات الوطن ويجاهر بذلك، لا بل إن ملامح من الدعابات نسبت في عمّان نسبت لبعض المناطق في المملكة وأن هذه المنطقة الجغرافية يتسم أهلها وبعضها بالدعابة والبساطة، لا بل إن الأردنيين جميعاً عندما يختلون لأنفسهم ضمن تشكيلٍ فرعي في المجتمع نجد أن حديثهم عن الآخر مختلف”.

ويوضح بالقول: “كأن يلتقي مثلا عددٌ من أبناء الكرك في جلسة خاصة ويتناولوا الاردنيين من مختلف المنابت والأصول، وحتى النكات والدعابات نجدها ذات مستويين عند الأردنيين بل إن بعض الأردنيين لا يجاهر بالنكات والدعابة والضحك على افتراض أن هذا الضحك المشهر يمثل انتقاصًا من هيبته، كمواطن ذا جذور بدوية”.

ويؤكد أنه عندما يختلي قسم منا ببعضهم البعض نجدهم قد “فكوا التشفير” وبدأت الدعابة والنكات بشكل أوضح.

العاصمة وتقاسم الفرص

ويقول محادين: “إن لأردنيين عندما غادروا عمّان هم غادروا المكان ولم يغادروا الوجدان، وبالتالي نجد أن ارتباط الأردني في عمّان أقرب إلى الرقمي، والتعبير عن عدم وجود عدالة في توزيع مكتسبات التنمية”.

“عمّان التي نحب علينا أن نعترف أنها قد تورمت بالسكان والخدمات والامتيازات السياسية، وبقيت المحافظات أضعف وأقل تشاركية مما يجب أن يكون عليه الحال في الظروف الطبيعية”، يقول محادين.

ويتابع بالقول: “هذا مرده إلى الواقع الذي لم يخلق حسا جمعيا وانتماء وطنيًا شموليا، ونحن كدولة اردنية نعتز بالمنجزات والشهداء والفلاحين والمعلمين والعاملين والكسبة، ولكننا علينا أن نعترف علميا ما زلنا نشعر بنوعٍ من التردد عندما نشهر هويتنا الأردنية”.

ويرى محادين أن المواطن الأردني عندما يأتي من المحافظات خاصة من الجنوب إلى العاصمة يشعر أنه ليس في عالمٍ مألوفٍ له، ويشعر بأن هناك مسافة بعيدة تنمويا وسلوكيا وخدماتيا وفرص سياسية بين العاصمة والمحافظات.

ويتابع بالقول: “أتمنّى على عمّان الحبيبة مقاسمة شقيقاتها المحافظات تنمويًا وفرص سياسية واقتصادية متنوعة”.

إعادة الاندماج

ويشدد محادين أن “علينا أن نقول أننا بحاجة لإعادة الاندماج الاجتماعي بشكلٍ يزاوج بين عبقرية المكان الأردني بمجمل وتنوع مكوناته وبين الهوية الأردنية العالمية المحببة للآخرين، بدليل أن جواز السفر الأردني الذي نعتز بحمله مقبولٌ في الكثير الكثير من أقطار العالم وسفاراتها، وهذه سمة لم يسلط الضوء عليها”.

ويستدرك بالقول: “لأن الأردن بمكوناته المتنوعة وسياسة قيادته ساهمت في إعطاء تصور متوازن وراشد عن بنية الدولة وتسامحها، وإيمانها المنحاز للتعددية والحوار بالتي هي أحسن”.

ويتابع خبير علم الاجتماع حديثه: “هذه كلها جعلت الأردني يسخر من قرار الحكومة للأسف أنها نقلت أو ساهمت بجعل الحظر في عمان على إطلاقه، ما الذي فعلناه علميا: أننا أتحنا الفرصة لمن كانوا في منطقة وسمت بأن عليها حظر ليوم أو يومين، وانتقل أبناؤنا إلى أصولهم الجغرافية وكأننا ضمنا ونتمنى أن لا يكون كما هو مستنتج منه، وكأننا منحنا الكورونا فرصة للانتقال”.

ويعتقد محادين “أنه كان من الأرشد عندما حظرت عمان الحبيبة بكل وجع أقول: أن يمنع الانتقال إلى المحافظات كي نبقي ولو جزئًيا أن هذا التحدي موقعي، ولكن في انتقال الناس وبحكم بنيتنا التاريخية والتواصلية بين الأهل والأبناء وإن كانوا يقيمون في عمّان يعني أنهم مرتبطون بشكل قوي بجذورهم، لأن المدينة بالنسبة لنا ليست إلا معبرًا نحو أسباب العيش والرزق”.

ويستدرك: “ولو كان هناك توزيع عادل لمكتسبات التنمية ودعم مجالس المحافظات بشكل حقيقي كنموذج أولي للامركزية لكان الضغط في عمّان أضعف وأقل خطورة؛ لكن أما وقد حصل الذي حصل نتمنى أن تكون الأمور دون مضاعفات في هذه الجائحة”.

التشكيك بأطروحات الحكومة بالدعابة اللاذعة

ويقول محادين في تصريحاته إلى “البوصلة”: “سيبقى الأردنيون يمارسون دعاباتهم اللاذعة على هذه الحكومة التي طال أمد عمرها وزاد النهش من أطروحاتها؛ لا بل أصبحت اسمًا حركيًا للوخز والتشكيك والتساؤل حول كثيرٍ من القرارات، دون أن ننسى وبدقة المنصف أنه منذ الشهر الثالث من بداية كورونا شهدت ارتفاعًا واضحًا في شعبية الحكومة وممثليها في مختلف القطاعات”.

ويستدرك بالقول: لكن من الواضح أيضًا أن المواطن ضجر جراء كثيرٍ من القرارات وتباعد الأرقام، ويضاف إلى ذلك ما ترافق معها من قضية نقابة المعلمين ونتائج الثانوية العامة، وغيرها من الأسئلة المفتوحة للحوار والنقاش بما يخدم استقرار البنى الاجتماعية والدهنية للأردنيين.

ويشدد على أن الأردنيين متابعون لكل صغيرة وكبيرة في هذا العالم جراء تواصلهم التقني ووعيهم وارتفاع نسبة التعليم لديهم؛ لا بل وتمتعهم بسقفٍ معقولٍ من الحرية والانتقاد.

ويتابع حديثه بأن الدراسات العلمية تشير رغم كل هذه المؤشرات أن ما يزيد على نصف الأردنيين لم يعد مقتنعا وبأنّ هناك تحديا اسمه كورونا، وأن هذه الأرقام بحاجة لإقناع الرأي العام الأردني وأن قرارات كإغلاق المطار وغيرها مقارنة بالدول الأخرى أسئلة ما زالت معلقة على احتمال إجابة إجرائية كي يستقر العام الدراسي الجديد على سبيل المثال وتستقر أفئدة الأردنيين أن القرارات المتخذة تتخذ بالتشاور معهم ويمتثلوا إليها.

“لكن نلاحظ أن التمرد على القرارات الحكومية بما فيها الحظر هنا أو هناك وارتفاع أرقام الذين يخالفون النظام العام وفقًا لقانون الدفاع هي تحديات فكرية وتربوية سياسية بحاجة إلى انتباه”، يقول محادين.

ويحذر من أنه “عندما يتمرد بعض الناس النظام العام وقانون الدفاع ويقبلوا أن يدفعوا الغرامات المستحقة في القانون، فهذا يعني أنّهم غير مطمئنين لمبررات اتخاذ بعض الإجراءات كالحظر في العاصمة وبقاء حدودها مفتوحة”.

ويضيف: “كأننا نقول للناس اذهبوا خارج العاصمة وسنبقى بانتظار عودتكم حتى نستكمل برنامج الفحص المبكر أو الاستقصاء المبكر كما أرى”.

ويختم حديثه بالقول: عمان برغم كل الملاحظات ستبقى “زهوة الأردنيين” وجامعتهم من كل المنابت والأصول وستبقى أنها ذات السبع أعمدة ودعامات، أي بمعنى قدسية الرقم ودلالات المعنى وآفاق الإنسانية هنا في أردننا الحبيب.

 (البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: