محادين لـ “البوصلة”: لهذا تخاف الحكومة و”النواب” من نجاح مجالس المحافظات

محادين لـ “البوصلة”: لهذا تخاف الحكومة و”النواب” من نجاح مجالس المحافظات

عمّان – رائد صبيح

أثارت شكاوى عدة من مجالس المحافظات المنتخبة من عدم توفير المقرات الملائمة أو صدور التعليمات المنظمة لعملها رغم مرور عامٍ على إقرار القانون الجديد، أسئلة كثيرة وتكهنات عن سبب ذلك؛ بل أكثر من ذلك توجيه أصابع الاتهام للحكومة بمحاربة هذه المجالس وتعطيل عملها مع سبق الإصرار.

كما حمّل رؤساء مجالس محافظات مسؤولية التقصير والتخبط الحاصلة في مجالسهم لوزارة الإدارة المحلية، لا سيما وأن تبعية هذه المجالس انتقلت بحسب القانون الجديد من وزارة الداخلية لها.

تجربة مريرة مليئة بالعقبات والتحديات

وعبّر أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة مؤتة الدكتور حسين محادين في تصريحاته إلى “البوصلة” عن أسفه من ارتجاف الحكومة في إنجاح تجربة اللامركزية ودعم مجالس المحافظات خوفًا من ظهور قيادات شبابية جديدة تنتزع بعض الصلاحيات التي كانت في المركز لصالح أبناء المحافظات، مشيرًا إلى أنّ انحياز الحكومة لإنجاح “تجربة اللامركزية” ما زال متأرجحًا مترددًا أو غامضًا على أقل تعبير.

وقال محادين: إن فكرة اللامركزية جاءت كرؤية ملكية متقدمة لتحقيق عدد من الأهداف من حيث المبدأ، أولها السعي لزيادة المشاركة الشعبية في صنع قرارات التنمية المختلفة، وإعطاء أبناء المحافظات المنتخبين فرصة ليكونوا أصحاب رؤية وتطبيق ميداني لهذه الفكرة بالمجمل.

أ. د. حسين محادين: نجد نوعًا من التناغم لإضعاف دور مجالس المحافظات بين الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب

وأشار إلى أن فكرة اللامركزية جاءت أيضًا وبمعنى ضمني “لتقليص تأثير النواب على الحكومات المتعاقبة والتي تصل أحياناً لابتزاز الوزراء  في سبيل الحصول على مكتسبات أو مشاريع مناطقية ضيقة ترضي الناخبين الذين انتخبوا النواب كلٌ في منطقته”.

ونوه إلى أن الحكومات بطبعها استرضائية، وتطمح إلى كسب ودّ النواب، وتصبح تبادلية المنفعة على حساب المنظور الشمولي للتنمية في المحافظات، والدليل على هذا، أنّ هناك فجوة تنموية كبيرة بين العاصمة الحبيبة عمّان وبين المحافظات من جهة، وبين مراكز المحافظات والقصبات والألوية التابعة لها بالضرورة.

وتابع محادين بالقول: من هنا جاءت فكرة اللامركزية وتخفيف انتقال الناس وتبسيط إجراءات إنجاز المعاملات وإنجاز المشاريع، بين العاصمة وبين المحافظات، لأنها تمثل أيضًا اقتصادًا في الكلف، لأن المواطن في المحافظة عندما يستطيع إنجاز معاملته من خلال محافظته في ظل تطور التكنولوجيا والمعارف وسرعة الاتصال، كلها عوامل تساهم على تخفيف الاكتظاظ في العاصمة والمدن الكبرى.

رؤية استشرافية تمّ إضعافها

وقال محادين وهو عضو سابق في مجلس اللامركزية بمحافظة الكرك: إذن نحن أمام هذه المنظومة والرؤية، المهم فيها بالأساس أنها رؤية استشرافية، أي أنّ مجلس المحافظة كفلسفة يمثل العقل التنموي المتقدم في المحافظة، وهذا العقل أكبر من البلديات أو المجالس القروية أو ما شابه ذلك، لأنه ينظر للمحافظة نظرة شمولية.

واستدرك بالقول: لذلك نجد أن هناك تكاملاً بين دور البلديات الكبرى وبين مجالس المحافظات.

وأشار إلى أن دمج هذه المجالس مع المحافظات قاد إلى إضعاف كلٍ منهما وبالتالي نحن أمام مشروع تنموي قد يكون من المبكر الحكم عليه بعد ظهور قانون الإدارة المحلية؛ لكن من الواضح أنّ رؤساء البلديات تاريخيًا هم أسرى لناخبيهم، فما بالك أن تمنحهم صلاحيات إضافية من خلال التحكم بميزانية وأولويات مشاريع المحافظة المقرة من قبل الموازنة العامّة للدولة مع ملاحظة أنه طوال الأربع سنوات الماضية كلما خصص رقم مالي لهذه المحافظة أو تلك، عادت الحكومة عنه وضيقته لأبعد الحدود حتى بعد توشيح الموازنات بالإرادة الملكية.

تناغم حكومي نيابي لإضعاف مجالس المحافظات

وحذر محادين من “أننا عمليًا نجد أن هناك نوعًا من التناغم لإضعاف دور مجالس المحافظات بين الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب لصالح كلٍ منهما باختلاف أهدافهما، وهذا كل يتأتي على حساب تنمية المحافظات”.

وتابع بالقول: إنّ من أبرز التحديات التي تواجه هذه المجالس غياب المباني المستقلة التي تعطي لهذه المجالس هوية إضافة لهويتها القانونية إضافة لضعف التشريع أصلاً في التجربة الأولى، الذي لم يمنح هذه المجالس صلاحية المحاسبة للإدارة التنفيذية، فبقيت الإشكالية معلقة ما بين دور المحافظ كرئيس للمجلس التنفيذي، وبين دور هذه المجالس، فهذه الإشكالية كانت قائمة إذ أنّ القانون قبل التعديل منح أعضاء مجالس المحافظات فرصة المتابعة.

ولفت إلى أنّ “المتابعة كلمة مطاطة، في ظل غياب المقرات المستقلة، وغياب الأدوات المساندة والمتخصصة، وغياب المستشارين المتخصصين، والدعم المالي”.

واستدرك بالقول: بالتالي هناك نوع من الإضعاف لبنية وأفكار هذه المبادرة وتوجت باعتقادي بدمج هذه المجالس وتبعيتها لوزارة الحكم المحلي، وبالتالي على المدى المنظور نأمل أن يكون هناك رؤية جديدة لكن في ظل البنود القانونية الواردة في هذا القانون نجد أن هناك إضعافًا واضحا لهذه الممارسة.

وأضاف: لا ننسى أن المسؤولين الذين تكرست أسماؤهم لتمثيل المحافظات، لم يكونوا راضين عن ظهور قادات نسوية وشبابية جديدة من المحافظات خارج الدائرة التقليدية، والتقت مجموعة المصالح للحيلولة دون تعديل المزاج العام أو الميزان العام للتنمية وتوزيع مكتسباتها، مع التفكير بأنّ هذه الفكرة في مجالس المحافظات في القانون السابق تصل لأبعد نقطة في هذه المحافظة أو تلك.

وقال محادين: من هنا، نجد أن التحديات متراكمة، وأنّ انحياز الحكومة لإنجاح مثل هذ التجارب ما زال متأرجحًا مترددًا أو غامضًا على أقل تعبير، ونحن بحاجة إلى وضوح تطبيقي ورؤيوي يحترم المبادرة الملكية ويتمثل لها ويعيد الأمور لنصابها وأن يعيد القول مجددًا أن مجالس المحافظات ليست البلديات وأنّ ممثلي المؤسسات التي تمّ اختيار أعضائها ليكونوا ضمن مجالس المحافظات، قد تم انتخابهم لأعمالٍ وصفاتٍ مهنية وحرفية متخصصة، ولم يعد هناك مبرر لما تسمّيه الحكومة الانتخاب غير المباشر في انتقاء الأعضاء.

وشدد على أن هذا كلامٌ فيه نوع من التسويف وعدم الدقة في الوصف الحقيقي لريادة جلالة الملك في هذه المبادرة، كما دّلت التجارب وكما ساهمت، منوهًا إلى أنه لا بد من القول أن المجالس في الدورة السابقة لأنها بداية أولى، قد أنجزت الكثير مما كانت المجتمعات المحلية بحاجة له ولكنّها لم تمنح الفرصة الحقيقية وسورع بتعديل القانون بصورة بانها لا تخدم المصلحة الشعبية والتنموية وإفراز قيادات جديدة.

ولفت إلى أن “الأهم من ذلك زيادة الانتماء والإحساس العميق لدى المواطن في المحافظات أن من حقه أن يكون شريكًا في صياغة أولوياته وإنجاز ما يطمح إلى تحقيقية سلوكًا تفكيرًا والأهمّ تنمويًا، في ظل ارتفاع نسب البطالة، وفي ظل الضغوط الاقتصادية”.

مصالح متبادلة بانتظار تطبيق القانون الجديد

وقال محادين إننا ننتظر النتائج ونعطي فسحة من الوقت للحكم على النتائج المترتبة على تعديل هذا القانون، مع ضرورة أن تؤمن الحكومة أنّ هذه المجالس ليست ترفًا فكريًا ولا رياضة لغوية، بل هي مساس لأوجاع الناس في المحافظات وتعبير عن تطلعاتهم الحقة بذلك.

ولفت أستاذ علم الاجتماع إلى أنّ المصلحة المتبادلة بين الحكومة ومجلس النواب في جني ثمار ومكتسبات التنمية على حساب المحافظات ومجالسها يُعدّ مخالفة دستورية صريحة، لا سيما وأن قانون اللامركزية السابق حصر أوجه الإنفاق فقط بمجلس المحافظة، وبالتالي ليس من صلاحيات الوزير أو غيره أن يرضي النواب أثناء قيام هذه المجالس.

وعبر عن أسفه الشديد لا سيما وأن النواب والحكومة لم يريدوا ضمنًا التقيد بهذا الغطاء القانوني ولذلك أقدموا على تعديل القانون لوأد فكرة اللامركزية ومجالس المحافظات، وأعادونا لمرحلة ما قبل الأربع سنوات الماضية خوفًا من ظهور قيادات شابة تنتزع الصلاحيات من المركز لصالح أبناء المحافظات.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: