معهد واشنطن يرصد خسائر حزب الله النيابية ويحذر من “لعبة سياسية” جديدة

معهد واشنطن يرصد خسائر حزب الله النيابية ويحذر من “لعبة سياسية” جديدة

عمّان – البوصلة

حذر معهد واشنطن في ورقة تقدير موقف نشرها حول الانتخابات النيابية من “لعبة سياسية” جديدة سيقدم عليها حزب الله بعد الخسارة الكبيرة التي مني في الانتخابات النيابية الأخيرة، مؤكدًا أن الحزب لجأ عدة مرات إلى استخدام حالات الجمود التي يمر بها لبنان للتأثير على تشكيلة الحكومة والانتخابات الرئاسية

وقالت صاحبة الورقة الباحثة الصحفية في المعهد حنين غدار إنّ نتائج الانتخابات في لبنان توفر أملاً أكبر للتغيير مما قد يبدو للعيان، على الرغم من أن الفائزين فيها سيحتاجون إلى مساعدة دولية لمنع «حزب الله» من عرقلة الخطوات التالية.

وأشارت إلى أن “حزب الله تكبّد في الانتخابات اللبنانية الأخيرة هزيمة كبيرة حيث لم يفقد الأغلبية في المجلس التشريعي فحسب، بل خسر أيضاً جميع حلفائه من غير الشيعة. وعلى الرغم من تدني نسبة الإقبال، والتهديدات بالعنف، والصعوبات المالية، واليأس الوطني المتزايد، صوّت الشعب لصالح التغيير، وآثر الإصلاحات على حزب الله وترسانته العسكرية المتنامية باستمرار”.

ولفتت غدار إلى أنه قد يستنتج المرء من بعيد أن الأحزاب السياسية الرئيسية تمكنت من الاحتفاظ بكتل برلمانية كبيرة. لكن عند إلقاء نظرة عن كثب على التفاصيل، يتبين أن عدداً من التغيرات المهمة ستطبع المشهد السياسي الجديد في لبنان.

مجموع ما خسره حزب الله

وأوضحت مجموعة الخسائر التي مني بها حزب الله وأولها أنه خسر الغطاء المسيحي الذي مكّنه من التلاعب بمختلف أدوات السلطة والاستخفاف بالدستور، بما في ذلك الأسلحة التي تجعله أقوى قوة عسكرية في البلاد. وفي السابق”، مشيرة إلى أن «التيار الوطني الحر» المتحالف مع «حزب الله»، برئاسة جبران باسيل، كان يتمتع بأغلبية التمثيل المسيحي في البرلمان، لكنّ حزب «القوات اللبنانية» الذي يرأسه سمير جعجع سيحمل الآن هذا الامتياز، بعد أن فاز بأكثر من عشرين مقعداً مقابل ثلاثة عشر مقعداً لـ «التيار الوطني الحر». وسوف تؤثر خسارة باسيل أيضاً على طموحاته في الفوز بالانتخابات الرئاسية المرتقبة هذا الخريف.

أما الخسارة الثانية التي مني بها حزب الله فهي بحسب الباحثة ما شهدته المناطق الدرزية في دائرة الشوف وعاليه اختراقات حقيقية من المعارضة، حيث فاز المستقلون بثلاثة مقاعد – وهم مارك ضو ونجاة عون صليبا وحليمة قعقور. في المقابل، حافظ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على تمثيله. والأكثر لافتاً للنظر هو خسارة وئام وهاب وطلال أرسلان، حليفان رئيسيان لـ «حزب الله» ونظام بشار الأسد في سوريا. وفي الواقع، خسر الأسد حلفاءه التقليديين في جميع أنحاء لبنان، أمثال أسعد حردان وإيلي الفرزلي وفيصل كرامي.

ولفت للخسارة الثالثة للحزب في دائرة بيروت الثانية، حينما تحدّى الناخبون السُنة دعوات رئيس الوزراء السابق سعد الحريري إلى مقاطعة الانتخابات، وذهبت العديد من أصواتهم إلى مرشحين مستقلين جدد، من بينهم فوز كبير لابراهيم منيمنة وملحم خلف. وقد كانت أعين «حزب الله» شاخصة نحو هذه الدائرة، حيث عمل جاهداً على دعم مرشحيه السُنة، وأعرب عن أمله في أن تساعد نسبة الإقبال المتدنية بين هذا المجتمع على التعويض عن الخسارة المتوقعة لحلفائه المسيحيين. وفي نهاية المطاف، كان الحزب يهدف إلى تشكيل كتلة سنية مهمة من خلال الانتصارات في بيروت وطرابلس والبقاع الغربي وصيدا-جزين. لكن خطته لاختراق الشارع السني فشلت، ومُني غالبية مرشحيه السنة بالخسارة. أما بالنسبة للحريري، فقد أصبح خروجه من المشهد السياسي اللبناني نهائياً في الوقت الحالي.

أما الخسارة الرابعة للحزب والتي كانت المفاجأة الكبرى بحسب الباحثة، فجاءت من الجنوب،  فللمرة الأولى على الإطلاق، خسرت لائحة «حزب الله» المشتركة مع «حركة أمل» الحليفة مقعدَين لمرشحين خارجيين هما الياس جرادة وفراس حمدان. وقد حدثت هذه الانتكاسة على الرغم من المخالفات العديدة التي ارتكبها ممثلو «حزب الله» و «حركة أمل» داخل مراكز الاقتراع وخارجها.

وتساءلت غدار، ما الذي يعنيه هذا كله؟ لقد سجّل «حزب الله» خسائر في كل مكان تقريباً في لبنان، وعلى الرغم من أنه تمكّن من فرض الحفاظ على كتلته الشيعية المكونة من سبعة وعشرين نائباً، إلّا أن قاعدة دعمه يبدو أنها تتقلص حتى بين ناخبيه الأساسيين. وبالمقارنة مع انتخابات 2018، شهدت جميع الدوائر الشيعية نسبة إقبال منخفضة، مما يشير إلى أن الأغلبية الصامتة الكبيرة غير راضية عن الحزب سياسياً.

واستدركت بالقول: علاوة على ذلك، لا يلتزم النواب المستقلون الجدد عموماً بالهويات الطائفية أو الانتماءات السياسية، وفي هذا ابتعادٌ كبير عن ائتلاف المعارضة السابق المعروف بـ “14 آذار” الذي كان أكبر حجماً ولكنه بالتأكيد أكثر طائفية. وإلى جانب النواب الجدد من المجتمع المدني، تتوفر أمام مجموعة من الأحزاب الفائزة، أي «الكتائب» بزعامة سامي الجميل، والمرشحين المستقلين التقليديين، والكتلة السنية الجديدة المناهضة لـ «حزب الله»، و «القوات اللبنانية» التي حصلت على أكبر تكتلاتها النيابية حتى الآن، فرصةٌ حقيقية بأخذ لبنان في اتجاه جديد. ومن شأن تشكيل الحكومة المقبلة، ونتيجة الانتخابات الرئاسية، والأهم من ذلك اختيار رئيس جديد لمجلس النواب، أن تؤدي دوراً كبيراً في تحديد آفاق هذا التغيير المحتمل.

وشددت على أنه لم يعد بإمكان رئيس مجلس النواب الحالي وزعيم «حركة أمل»، نبيه بري، أن يضمن توليه هذا المنصب للمرة الثامنة، إلا إذا كان، على الأقل، مستعداً للمساومة مع جنبلاط وجعجع.

الأكثرية المتشرذمة

وقالت غدار إنه وعلى الرغم من تشرذم الأكثرية الجديدة، إلا أنها تتشارك في العديد من وجهات النظر نفسها فيما يتعلق بالإصلاحات وسلاح «حزب الله». وإذا تمكنت من التنسيق فيما بينها، فقد تنجح في إثارة نقاش جديد حول الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، مع التركيز على ترسانة «حزب الله» وفي الوقت نفسه مناقشة دور الجيش اللبناني، وتعيين كبار المسؤولين الأمنيين والماليين، والأهم من ذلك تحديد أي نوع من القادة تريده من الانتخابات الرئاسية.

ولكنّها حذرت في الوقت نفسه من أن «حزب الله» المُهان والقلِق سيشكل العقبة الرئيسية أمام هذا الزخم. فبعد أن خسر الحزب هذه الجولة من الانتخابات، سيستخدم بلا شك جميع أدواته للتأثير على الخطوات التالية، ومن بينها التهديدات بالعنف. ومع ذلك، فإن صيغته السابقة القائمة على الرصاص مقابل الأصوات، التي أجدت نفعها بعد انتخابات 2005 و 2009، قد لا تكون ناجحة هذه المرة، وذلك ببساطة لأنه لم يعد بإمكان الحلفاء السياسيين للحزب توفير الغطاء اللازم.

وختمت بالقول: من الممكن أيضاً أن يمارس «حزب الله» لعبة أخرى يتقنها منذ فترة طويلة، وهي: تأخير العمليات الرئيسية من خلال عرقلة القرارات والتسبب بالفراغ في المؤسسات الحكومية. فقد سبق له أن لجأ عدة مرات إلى استخدام مثل هذه الحالات من الجمود للتأثير على تشكيلة الحكومة والانتخابات الرئاسية. وقد يحاول هذه المرة الربط بين هذين الاستحقاقين لفرض حل وسط يضمن وصول مرشحه المفضل إلى رئاسة الجمهورية. وللأسف، قد يعرقل هذا السيناريو الإصلاحات والتغيير السياسي، وبذلك لن تنعكس النتائج الانتخابية الواعدة في مؤسسات الدولة على النحو المناسب. لذلك، تدعو الحاجة فوراً إلى المزيد من الضغوط الدولية لمنع حصول فراغ دستوري والثني عن أي حلول وسط تهدد بإعاقة الحركة نحو التغيير.

حزب الله خسر الأغلبية

يذكر أن حزب الله حصل في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة هو وحلفاؤه على 62 مقعداً من أصل 128، ليخسر بذلك الأغلبية التي كان حققها في الانتخابات النيابية في العام حين حصد 71 مقعداً، هذا فيما عزز معارضو الحزب مواقعهم في المجلس النيابي.

فيما تمكن نوابٌ إصلاحيون من حجز 14 مقعداً تحت قبة البرلمان، وغالبية هؤلاء يتبنون خطاباً يطالب بتطوير النظام السياسي وإصلاح القضاء وبناء مؤسسات الدولية بعيداً عن المحاصصة الطائفية والمناطقية.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: