من سيأكل جسدك بعد موتك؟

من سيأكل جسدك بعد موتك؟

نشرة فاعتبروا  (191)

الدكتور عبدالحميد القضاة

عجز علماء الجراثيمِ عن تعدادِ المليارات من جراثيم أمعائك بدقةٍ، جراثيمكَ التي خلقها اللهُ في بطنكَ هي بذرة فنائك ولكنك لا تعلم، فهي التي ستلتهمُ  جسدكَ بعد موتكَ.

 والعجيب أنّ هذه الملياراتِ من الخلايا الجرثوميةِ التي سيتضاعف عددها مليارات المرات في بقايا جسدك، إلاّ أنها تموتُ وتتلاشى في القبرِ بعد قيامها بواجبِها.

ولو قُدّر لي أن أبحثَ عن ما يتبقى من جسمَك بعد تحلُلهِ كاملًا، لوجدت ما وجدهُ مختصو الطبِ الشرعي، فمن كانَ وزنهُ سبعون كيلوغرامًا وتحلل، يتبقى منُه ما يساوي عــلبــــــة من طبـــاشـيـــرٍ كلسيةٍ، وأخرى من الكـبـــريـــــتٍ، وما يُعادلُ المسمار الصغير من الحديدِ، وحـفـنــةٍ  مــــن المــلـــحِ وآثارٍ لبعضِ العناصرِ.

 هذه الجراثيم تقوم بعملها فتحلل كل أجساد الموتى بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الدين أو اللون أو مكان الإقامة، الإستثناء الوحيد من سطوة هذه الجراثيم هي أجساد الأنبياء وأجساد المجاهدين الذينَ حازوا كلَ مقومات الشهادةِ الشرعيةِ، وفوقَ ذلكَ اصطفاءٌ من اللهَ عز وجلَّ.

الجراثيمَ خلق من مخلوقات الله، لا تعصي له أمرًا، فرغم وجودها في أمعاء الأنبياء والشهداء كغيرهم، إلاّ أنها تتوقف بأمر الله ولا تحلل أجسادهم، ورغم صغرها إلاّ أنها بهذا تُظهرُ جنديتها وطاعتها الحقةُ “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.

ذوقيات رفيعة

يقول الشيخ  الطنطاوي: رأيتُ ابنتي البارحة تأخذ قليلا من الفاصوليا والأرز، ثم وضعتْها في صينية نحاس وأضافت إليها الباذنجان والخيار وحبات من المشمش، وهمَّتْ خارجةً.

 سألتُها: لمنْ هذا؟، فقالت: إنه للحارس، فقد أمرتْني جدّتي بذلك فقلتُ: أحضري بعض الصحون، وضعي كل حاجة في صحن ورتّبي الصينية، وأضيفي كأسَ ماء ومعه الملعقة والسكين، ففعلتْ ذلك ثم ذهبتْ.

وعند عوْدتها سألتْني لمَ فعلت ذلك؟، فقلتُ: إنَّ الطعامَ صدقةٌ بالمال، أما الترتيب فهو صدقةٌ بالعاطفة، والأولُ يملأ البطنَ والثاني يملأ القلبَ.

 فالأول يُشعِرُه أنه متسولٌ أرسلْنا له بقايا الأكل، أما الثاني فيُشعره أنه صديقٌ قريب أو ضيفٌ كريم، وهناك فرق كبير بين عطاء المال وعطاء الروح، وهذا أعظمُ عند الله وعند الفقير، ليكنْ إحسانُكم ملفوفًا بكرَمٍ و محبة، لا بذلٍّ ومهانة، “إن الله كتب الإحسان على كل شيء“.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة:

Comments 1

  1. جزاك الله كل الخير دكتور عبد الحميد القضاه . اللهم اغفر له وارحمه واجعل اللهم الجنه مسكنه .