ميديابارت: طائرات فرنسية لا تُرى تقصف قرى مالي دون حسيب ولا رقيب

ميديابارت: طائرات فرنسية لا تُرى تقصف قرى مالي دون حسيب ولا رقيب

طائرات فرنسية بدون طيار تقصف مالي

لا أحد في قرى مالي النائية المحرومة من الكهرباء وشبكات الهاتف يجهل أن طائرات الجيش الفرنسي المسيرة تحلق دون توقف في سمائهم منذ ديسمبر/كانون الأول 2019؛ لكنها لم تعد تكتفي بمراقبة تحركات الجهاديين، بل أصبحت تضرب دون أن يعرف أحد أبدا الأهداف ولا النتائج الدقيقة لضرباتها.

كانت تلك مقدمة تحقيق لموقع “ميديابارت” (Mediapart) الفرنسي بقلم ريمي كارايول، قال فيه إن هذه الطائرات المسيرة الموجهة من قاعدة في نيامي بالنيجر، تلقي بصمت ودون أي تنبيه للسكان على الأرض، قنابل بزنة 250 كيلوغراما، موجهة بالليزر وقادرة على قتل أي شيء في نطاق 10 أمتار حول الهدف.

وتساءل الكاتب هل يوجد في فرنسا من يهتم بهذا الموضوع؟ مشيرا إلى أن قليلين هم من يعلمون أن جيش فرنسا انضم منذ أكثر من 6 أشهر إلى النادي المحدود للدول، التي تمتلك طائرات دون طيار قاتلة، وأنه يستخدمها في الساحل الأفريقي باسم مكافحة الإرهاب.

ونبه التحقيق إلى أن الدعاية أثناء الإعلان الرسمي لتسليح الطائرات بدون طيار في 19 ديسمبر/كانون الأول الأخير، جاءت وسط موسم الأعياد وكانت ضئيلة، لم تزد على بيان صحفي من وزيرة القوات المسلحة فلورنس بارلي، تلته بضع مقالات على موقع الوزارة، وفي الصحافة المتخصصة.

لا نعرف من تقتل ولا لماذا

ومنذ ذلك الحين -حسب الكاتب- فإن الشفافية حول استخدام الطائرات المسيرة منعدمة، لا تزيد على الإشادة بدورها في البيان الأسبوعي، الذي يلخص عمليات قوة برخان التي تعمل في الساحل، علما أن طائرة مسيرة فرنسية قصفت لأول مرة في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي وسط مالي، في عملية قيل إنها قتلت 33 شخصا صوروا على أنهم جهاديون.

يقول الصحفي جان مارك تانغي المتخصص في القضايا العسكرية، إن الطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة المنتشرة في منطقة الساحل، أسقطت خلال الأشهر 4 الأولى من هذا العام من القنابل أكثر مما أسقطت في العام الماضي بكامله، “لكننا لم نعرف أبدا الأهداف ولا الخسائر الدقيقة لهذه الضربات أو حتى هوية ضحاياها، فهي تقتل، ولكننا لا نعرف من تقتل ولا لماذا”.

وهذا الغموض -كما يقول التحقيق- هو القاسم المشترك في تاريخ الطائرات المسيرة في فرنسا منذ بدء النقاش حول تسليحها، يقول المندوب العام للتسلح لوران كوليت بيلون، أمام أعضاء مجلس الشيوخ “دعونا من فتح النقاش.. المهم هو الحصول عليها بسرعة. سنرى الباقي فيما بعد”.

ويقول إيمريك إيلوين، مسؤول الدفاع والأسلحة والعدالة الدولية في القسم الفرنسي لمنظمة العفو الدولية، إن “هذا يمثل تقليدا فرنسيا عريقا، وهو غياب الشفافية فيما يتعلق بمسائل الدفاع، لا سيما العمليات الخارجية”.

ويقول كريس وودز، وهو صحفي أنشأ منصة “إيروور” التي تسرد جميع هجمات الطائرات المسيرة المسلحة وضحاياها في جميع أنحاء العالم، “إن عملية فرنسا مشابهة لتلك التي تقوم بها وكالة المخابرات المركزية، التي لا تنشر أي شيء ولا تؤكد أو تنفي أي هجوم. هذه مشكلة متأصلة في الجيش الفرنسي وتتطلب وعيا حقيقيا”.

وأشار الكاتب إلى أن فرنسا اشترت من الولايات المتحدة طائرات مسيرة عام 2013 بعد تردد لا نهاية له، لإرسالها إلى منطقة الساحل، حيث يقاتل الجيش الفرنسي منذ بداية العام؛ لكن دون القبول بتسليحها علنا على الأقل، خوفا من ردود فعل اليسار؛ لأن الجميع في فرنسا مقتنع بأن استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار أمر مرفوض.

وقد أصدر الفيلسوف الفرنسي غريغوار شامايو كتابا أصبح فزاعة للفرنسيين، انتقد فيه الفيلم الأمريكي “القاتل الجيد” الذي يروج للطائرات المسيرة المسلحة، التي جعل منها الأمريكيون سلاحهم المفضل، الذي يحلق باستمرار فوق أفغانستان وباكستان واليمن والصومال ويضرب في كثير من الأحيان، بما في ذلك المدنيين.

وقد قُتل ما بين 910 و2200 مدني بهجمات بطائرات مسيرة في هذه البلدان الأربعة على مدار 15 عاما الماضية، حسب مكتب الصحافة الاستقصائية، الذي يسجل جميع ضربات الطائرات الأمريكية المسيرة.

حماية أفضل للقوات

وذكر الكاتب بأن انتخاب إيمانويل ماكرون عام 2017 غير كل شيء فيما يتعلق بسياسة تسليح الطائرات المسيرة، وقال عنها السناتور سيدريك بيرين “إنها فعالة واقتصادية وتتيح حماية أفضل للقوات”، مضيفا “بطائرة مقاتلة لا يمكن أن تقوم بعملية اغتيال، ولكن بطائرة مسيرة”.

وعلى إثر ذلك، أعلنت بارلي أن “الطائرات المسيرة أصبحت وسيلة أساسية في العمليات، التي نقوم بها في منطقة الساحل”، وأشار العسكريون والسياسيون إلى أن فرنسا ليست الولايات المتحدة، ولن تكرر التجاوزات التي شوهدت في باكستان واليمن.

ولكن إيمريك إيلوين يقول “نحن نخشى الانجراف في منطقة الساحل نحو الممارسات المشينة، التي لا تحترم قواعد حقوق الإنسان، مثل الإعدام خارج نطاق القضاء”، خاصة أن فرنسا مارسته، ولم يخفه الرئيس السابق فرانسوا هولاند أبدا، ولم تنكره بارلي.

ونبه الكاتب إلى دراسة نشرها معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ووزارة الدفاع، حول “الجوانب القانونية والأخلاقية للضربات عن بُعد على أهداف بشرية إستراتيجية”، ولا سيما “مستوى مقبولية هذا النوع من الإجراءات”.

وفي هذه الدراسة لم يُجرَ أي استطلاع للرأي بين السكان الفرنسيين حول موضوع الطائرات المسيرة المسلحة، وذلك لسببين مفاجئين -كما يقول الكاتب- أولا “لأنه غير ممكن خلال 6 أشهر”، وثانيا لأن “الموضوع حساس للغاية بحيث لا تمكن المخاطرة بجمع الآراء من المواطنين دون إثارة ردود فعل عدائية محتملة”.

ولذلك فضل مؤلفو الدراسة استطلاع آراء “قادة الرأي”، كالأحزاب السياسية وصحفيي الدفاع والزعماء الدينيين ومنظمات حقوق الإنسان، الذين رفض معظمهم التعليق.

ومع ذلك أثارت الدراسة نقطة مهمة تفيد “أن العمليات التي يمكن أن تنفذها القوات المسلحة الفرنسية في المستقبل بأدوات مماثلة لتلك المستخدمة في السياسة الأميركية المدانة في وسائل الإعلام، تنطوي على مخاطر التعرض لنفس العار إذا لم تتخذ الجيوش عددا معينا من الإجراءات”.

من بين هذه الإجراءات، اقترحت الدراسة التي تحدثت عن الحاجة إلى الشفافية، تعزيز الرقابة على صنع القرار فيما يتعلق باستخدام الطائرات المسيرة المسلحة، كما أوصت “بتقديم المعلومات إلى البرلمان بشكل لاحق، مع اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة من حيث السلطة التقديرية”؛ لكن لم يُعتمد أي من هذه الاقتراحات.

وختم الكاتب بأن تقرير مجلس الشيوخ، الذي مهد الطريق للوزارة لتسليح الطائرات المسيرة، دافع عن “الحاجة إلى شفافية معينة”، واقترح أعضاء مجلس الشيوخ تنظيم نقاش في البرلمان حول هذه القضية -لم يحدث هذا أبدا- ودعوا إلى “معلومات منتظمة عن التمثيل الوطني”، ولم يحدث هو الآخر.

ومن أجل “منع بعض الانتقادات التي لا أساس لها”، عد الشيوخ أنه من المفيد “اتخاذ تدابير الشفافية، والتواصل بشأن الضربات التي نُفذت أثناء النزاعات، وإعلان نتائج التحقيقات التي تجري” في الميدان.

ومع ذلك، ومنذ 8 أشهر، ترفض وزارة القوات المسلحة وهيئة الأركان العامة إعطاء هذه المعلومات، حتى عندما يكون هناك اشتباه في وقوع ضحايا مدنيين، كما كان الحال في مالي في فبراير/شباط الماضي.

ميديابارت

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: