هل أعطى ترامب مصر الضوء الأخضر لنسف “سد النهضة” الإثيوبي؟

هل أعطى ترامب مصر الضوء الأخضر لنسف “سد النهضة” الإثيوبي؟

أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وما زال دونالد ترامب، متأخرا عن منافسه جو بايدن، حسب استطلاعات الرأي، ما دفعه للكشف عن آخر أوراقه وأخطرها، عندما تحدث عن احتمال قصف مصر لسد النهضة الإثيوبي. هذه قراءة قسم غير قليل من المحللين لتصريحه الأخير عن السد.


فترامب، كان يأمل أن تكلل الوساطة الأمريكية بين مصر وإثيوبيا والسودان، بالتوقيع على اتفاق بشأن السد النهضة، في فبراير/ شباط الماضي، لكنه حمّل أديس أبابا وحدها مسؤولية هذا الإخفاق، الذي كان يمكن من شأنه رفع أسهمه في انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وقال الرئيس الأمريكي خلال اتصال هاتفي أجراه مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إن الإثيوبيين “توصلوا إلى اتفاق حول السد، لكنهم خرقوا الاتفاق ولا يمكنهم أن يفعلوا ذلك”.

وفيما يشبه الضوء الأخضر للقاهرة للقيام بما يجب، حذر من أن “الوضع خطير جدا، وأن مصر لا تستطيع أن تستمر على هذا الحال وسينتهي بهم المطاف إلى نسف السد”.
ويوضح ترامب أن هذا التحذير ليس الأول من نوعه: “قلت ذلك سابقا، وأقولها الآن بصوت عالٍ: سينتهي المطاف إلى تفجير السد”.

ليس سرا ولكنه مفتاح الحرب
هذا النهر العظيم الذي ينبع من بحيرة فكتوريا في قلب الأدغال الإفريقية، قضية حياة أو موت بالنسبة للشعب المصري منذ قرون خلت.
ولا يخفي مسؤولون مصريون، ولو بشكل ضمني، في تصريحات غير رسمية، حتى قبل الإعلان عن سد النهضة، أن احتمال قصف أي سد تشيده إثيوبيا على نهر النيل الأزرق يظل قائما.


والجمعة، علّق وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام، في صفحته على “فيسبوك”، قائلا: “ترامب يوضح موقف القيادة المصرية من سد النهضة، وعدم قبولها للمطالب الإثيوبية، واستعدادها للتدخل العسكري للحفاظ على أمننا المائي”.

لذلك فتصريحات ترامب لا جديد فيها، إلا من حيث أهمية قائلها وتوقيت إطلاقها، خاصة وأن الرئيس الأمريكي على اتصال مباشر مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وأكيد أنه على اطلاع، بحكم منصبه، على التقارير السرية التي تحررها مختلف المؤسسات السيادية الأمريكية المعنية بهذا الملف.
ويرى الكاتب السوداني عصام الدين محمد صالح، أن تصريحات ترامب، جاءت للتعبير عن غضبه من اعتذار إثيوبيا عن المضي قدما في المباحثات التي كانت قد دعت إليها واشنطن برعاية وزارة الخزانة الأمريكية، والبنك الدولي منتصف هذا العام، بعد أن تم التوافق على نحو 95 في المئة من الخلافات بين الدول الثلاث في المسائل الفنية والقانونية.
لكن أهم من ذلك، أن ترامب أعلن انحيازه بشكل غير موارب للقاهرة في نزاعها مع أديس أبابا حول سد النهضة، بل فرض عليها عقوبات، حيث حجب عنها مساعدات بـ130 مليون دولار، ولكنه الآن يحملها ضمنيا مسؤولية أي هجوم مصري على السد.


وهو ما اعتبرته إثيوبيا تحريضا على الحرب بين البلدين، واستدعت السفير الأمريكي لديها لتوضيح تصريحات ترامب.
إذ يمكن للقاهرة أن تعتبر تلك التصريحات ضوءا أمريكيا لنسف السد، فتسارع إلى القيام بهجوم قد يكون بداية لأزمة أعمق بين البلدين، لن يكون حينها من السهل على واشنطن لعب دور الوسيط المحايد.

لكن لا تبدو القاهرة بأي حال متعجلة للجوء لأي حل عسكري قد يؤزم الوضع أكثر ما يحله، بل قد تتخذ من تصريحات ترامب فرصة لتوسيع ضغوطها على إثيوبيا لتمديد مدة ملء خزان سد النهضة بالشكل الذي لا يؤثر سلبا عليها.
حيث سبق للرئيس المصري، التوضيح “أن هذا الأمر (نسف السد) ليس واردا في السياسية المصرية، وأن المسألة لابد أن تحل سياسيا”.
وهو ما يفسره مشاركته، الثلاثاء، في اجتماع قادة البلدان الثلاثة (إثيوبيا مصر والسودان) لبحث مسألة سد النهضة برعاية الاتحاد الإفريقي، بعد توقف لسبعة أسابيع.

هل تملك المصر القوة لمهاجمة سد النهضة؟
بالنظر إلى أن مصر لا تملك حدودا برية مع إثيوبيا، والأخيرة ليست مفتوحة على البحر، فإن الخيار الأسهل نظريا أمام القاهرة هو تفجير سد النهضة عبر غارات جوية لطائرات هجومية بعيدة المدى تحميها طائرات مقاتلة حديثة.
وسلاح الجو المصري يتفوق بشكل ساحق على نظيره الإثيوبي، فحسب موقع “غلوبل فاير باور” الأمريكي فإن مصر تمتلك 215 طائرة مقاتلة مقابل 24 لإثيوبيا، كما تمتلك القاهرة 88 طائرة هجومية، مقابل لا شيء لأديس أبابا.
كما تتفوق مصر على إثيوبيا من حيث الكيف أيضا، حيث تمتلك القاهرة طائرات رافال الفرنسية و”إف 16″ الأمريكية المتطورة، مقابل طائرات ميغ 25 وسوخوي 27 السوفياتية، التي وإن كانت لا تضاهي الطائرات المصرية الغربية، إلا أنها صممت خصيصا في سبعينيات القرن الماضي لمواجهة الطائرات الأمريكية مثل “إف 16 فالكون” و”إف15 إيغل”.
ولكن أول عائق تواجهه الطائرات الحربية المصرية للوصول إلى سد النهضة وتدميره، يتمثل في بعد المسافة والتي لا تقل عن 1500 كلم من أقرب قاعدة جوية مصرية.
وقلة من الطائرات المقاتلة والهجومية المصرية التي تملك القدرة على قطع 3 آلاف كلم ذهابا وإيابا، دون التزود بالوقود في السماء، وهي تقنية إلى وقت قريب لم تكن تمتلكها القاهرة.
لكن في يناير/ كانون الثاني 2020، أظهرت فيديوهات لوزارة الدفاع المصري طائرة رافال تزود طائرة مصرية أخرى (لم يكشف عن نوعها) بالوقود جوا.
وإلى جانب الطائرات المقاتلة، تمتلك إثيوبيا منظومة دفاع جوي روسية من نوع “بانتسير إس”، والتي اقتنتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ويعتقد أنها تمكنت من تنصيبها قرب سد النهضة في مايو/أيار 2020.
وتعتبر بانتسير من المنظومات المتطورة متوسطة المدى، لكن سمعتها تعرضت للخدش بعد أن تمكنت طائرات “بيرقدار” المسيّرة التركية من تدمير عدد منها في ليبيا وسوريا.
العائق الثالث أمام الطائرات المصرية، يتمثل في القدرة التدميرية للقنابل التي ستطلقها على السد العملاق الذي يبلغ علوه 170 مترا وطوله يتجاوز 1800 متر. إذ تحتاج مصر إلى قنابل تعادل قوتها القنبلة النووية لتدمير هذه الكتلة الإسمنتية الهائلة، وقد لا يحدث أي غارة جوية تقليدية الهدف المرجو منها سوى تأخير بناء السد، لكنه لن ينهي المشكلة من أساسها.
كما أن السودان من المستبعد أن يسمح للطائرات المصرية بخرق أجوائه لضرب السد، لاعتبارات كثيرة أهمها أنه سيكون أول المتضررين من انهيار السد، الذي يبلغ خزانه عند الملأ أكثر من 65 مليار متر مكعب، وهي كمية تعادل التدفق السنوي لمياه النيل في السودان ومصر، وبإمكانها إغراق مدن بأكملها شرقي السودان.
لذلك قد تلجأ مصر إلى عمليات نوعية أخرى لتفجير السد أو تعطيله، لكن هذه المسائل معقدة وصعبة، وتأثيرها قد يكون محدودا على وقف المشروع.
لذلك فالخيار العسكري، وإن أجبرت مصر على اللجوء إليه، لن يحقق لها بالكامل هدفها المتمثل في الحفاظ على حصتها التاريخية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب سنويا)، إلا إذ تلقت دعما عسكريا من الولايات المتحدة الأمريكية أو دولة عظمى، وهنا تكمن أهمية تصريحات ترامب.
(الأناضول)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: