هل بدأ قيس سعيد تصفية خصومه السياسيين؟

هل بدأ قيس سعيد تصفية خصومه السياسيين؟

البوصلة – يرى البعض أن الرئيس التونسي قيس سعيد تمكن، من كسب تأييد جزء من الشعب التونسي في إجراءاته الاستثنائية التي أعلن عنها يوم 25 يوليو/تموز الماضي، نتيجة الوعود التي التزم فيها بمحاسبة جميع الأطراف، الذين تشوبهم تهم فساد أو كانوا طرفاً وسبباً رئيسياً في تدهور ظروف البلاد على كافة مستوياتها، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والحقوقية وغيرها.

واستفاد سعيد في تلك اللحظة لتمرير أجندته، كما يرى محللون وناشطون، من حالة الاحتقان والغضب السائد في الشارع التونسي، نتيجة الإخفاقات التي تسبب فيها عديد من الأطراف الحزبية والسياسية في إدارة المشهد السياسي، والتجاذبات التي قدمت المصلحة السياسية وفي بعض الأحيان الآيديولجية، على الاستحقاقات التي كانت تمليها المرحلة.

وبعد انقضاء بضعة شهور، لا يزال التونسيون اليوم يتطلعون إلى الملفات التي ستعرض على القضاء والمحاكمات التي ستترتب عنها، والتي طالما تحدث عنها الرئيس التونسي وأشار بها إلى خصومه.

لكن في الواقع يبدو أنه يوجد اتجاهُ لتصفية الخصوم بدلاً من ذلك، كما تصف ذلك جهات سياسية وحقوقية. إذ وُجهت مذكرات اعتقال مؤخراً لمسؤولين سابقين على غرار الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي، كما تعرض وزير العدل الأسبق والنائب بالبرلمان نورد الدين البحيري إلى الاختطاف من أعوان أمن. في مشهد يحيل إلى دخول البلاد إلى منعطف خطير يهدد الحقوق والحريات، لا يُعلم أفقه.

اختطاف واعتقال وتعذيب.. من المسؤول؟

بعد الجدل الأخير الذي أثاره إصدار القضاء التونسي مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي، على خلفية تصريحات له حول “إفشال عقد القمة الفرنكوفونية في تونس”. واعتبرها سياسيون وحقوقيون، خطوة “سياسية وغير قانونية”، وشبهها المرزوقي بالعودة إلى نظام الاستبداد. يفاجَأ الجميع بعدها باختطاف عناصر من قوات الأمن بالزي المدني، وزير العدل الأسبق والنائب بالبرلمان ونائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، صباح يوم الجمعة 31 ديسمبر/كانون الأول المنقضي، واقتياده إلى جهة غير معلومة.

وأكدت حركة النهضة، في بيان رسمي أنه “تم خلال عملية الخطف تعنيف الأستاذة المحامية سعيدة العكرمي زوجة نور الدين البحيري التي كانت برفقته”. وعبرت عن إدانتها الشديدة لما وصفته بـ”السابقة الخطيرة التي تنبئ بدخول البلاد في نفق الاستبداد وتصفية الخصوم السياسيين خارج إطار القانون من طرف منظومة الانقلاب”.

وتصاعدت في الأُثناء ردود الأفعال من طرف محاميين وحقوقيين وسياسيين، دعوا للكشف عن مكان احتجاز البحيري، متهمين الرئيس التونسي بالمسؤولية المباشرة في ذلك.

وقال في ذلك العميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني، في تصريح إعلامي :” “الاحتجاز جريمة! في أيّ بلد نعيش حتى نشهد مثل هذه الممارسات؟ تونس أصبحت تحت قانون الغاب والماسكون بحكمها يقومون بممارسات عصابات”.

ودخل في الأثناء عدد كبير من المحاميين في اعتصام مفتوح، حتى معرفة مصير البحيري، مؤكدين أن الحادثة التي لم تتحمل أي جهة حكومية المسؤولية فيها إلى الآن بشكل مباشر، لا تعد خطوة قانونية بل انتهاكاً حقوقياً جسيماً.

وبعد مرور يومين على اختطاف البحيري، كتب القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي في تدوينة على صفحته في فيسبوك أن: ” تم نقل نور الدين البحيري إلى المستشفى. وهو في حالة خطرة جداً”. وأضاف: “البحيري يواجه الموت.. جريمة قتل متعمد.. ثلاثة أيام دون طعام.. ثلاثة أيام دون ماء.. ثلاثة أيام دون دواء.. قيس سعيّد يتحمّل المسؤولية كاملة عن حياة الأستاذ نور الدين البحيري”.

فيما وجه رئيس حركة النهضة، ورئيس البرلمان المجمد، راشد الغنوشي رسالة إلى رئيس الجمهورية، دعا فيها الأخير للكشف عن مصير البحيري والتعجيل بإطلاق سراحه.

وفي المقابل، وتحت الضغط الشديد، أصدرت وزارة الداخلية بلاغاً رسمياً أعلنت فيه: “وضع كل من البحيري وفتحي البلدي، المسؤول السابق بوزارة الداخلية الذي اختطف أيضاً في نفس اليوم مع البحيري، تحت الإقامة الجبرية، باعتباره إجراءً تحفظياً، أملته الضرورة في إطار حماية الأمن العام”، كما ورد في البلاغ.

الحريات تدخل في منعرج خطير

اعتبر الشعيبي أن البيان الصادر عن وزيرة الداخلية “يبيّن بوضوح أنه لا جهة قضائية أمرت بوضع البحيري قيد الإقامة الجبرية، وهذا العمل لا يمكن إلا أن يكون صادراً عن وزارة الداخلية وعن رئيس الجمهورية، وهو قانون غير دستوري ناضلت الحركة الديمقراطية في تونس من أجل إسقاطه، وجاء دستور 2014 الذي ألغاه ضمنياً، لكن تفعيله الآن هو تكريس للخروج عن دستور 2014 وعلى الضمانات التي قدمها لكل المواطنين”، على حد تعبيره.

فيما اعتبر محللون أن عدم تحديد المسؤولية القانونية للانتهاكات تعد من أكثر الوضعيات خطورة على الحريات الأساسية الفردية والعامة والسلم الأهلي. كما أن اختطاف المواطنين وإخفاءهم قسرياً، دون تهم معلنة، وبعيداً عن رقابة القضاء ودون ضمان الدفاع عنهم، خرق قانوني خطير، ينذر بدخول البلاد إلى منزلق خطير جداً.

ومن جانبها اعتبرت حركة النهضة في بيان رسمي أن “سلطة الانقلاب بعد فشلها في إدارة شؤون الحكم وعجزها عن تحقيق وعودها الزائفة ذهبت إلى اعتماد سياسة التعمية عن هذا الفشل، والذي كانت آخر محطاته قانون المالية لسنة 2022 الذي أثقل كاهل المواطنين بالجباية والضرائب، بإثارة قضايا وهمية وإلهاء الرأي العام عبر تصفية الخصوم السياسيين”.

ولم تكن حادثة اختطاف البحيري الأولى، إذ إنه منذ إعلان إجراءات 25 يوليو/تموز الماضي، شهدت الساحة التونسية الكثير من الاعتقالات في صفوف النواب، المعارضين لإجراءات سعيد، وجرت عديد من المحاكمات العسكرية.

وكان من بينهم رئيس حركة أمل وعمل ونائبها بالبرلمان، ياسين العياري، الذي اختُطف من أمام منزله دون الاستظهار ببطاقة جلب واقتياده إلى وجهة غير معلومة، وأحيل إلى المحاكمة العسكرية.

كما شملت الإيقافات كلاً من المحامي المهدي زقروبة ونواب من كتلة ائتلاف الكرامة وهم كل من سيف الدين مخلوف ونضال سعودي ومحمد العفاس وعبد اللطيف العلوي.

TRT عربي

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: