يحوي أسرار عهد صدام.. أرشيف حزب البعث يعود إلى العراق

يحوي أسرار عهد صدام.. أرشيف حزب البعث يعود إلى العراق

صدام حسين

تناول الكاتب مايكل جوردون -في مقال نشر في صحيفة أميركية- إرسال الولايات المتحدة سجلات أرشيفية خاصة بحزب البعث العربي الاشتراكي -الذي كان يحكم العراق قبل غزو واشنطن للبلاد عام 2003- إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وذلك من أجل الحفاظ على أمنها وحمايتها من أي جماعات خارجة عن القانون.

وقال الكاتب في مقال نشره الاثنين بصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية (THE WALL STREET JOURNAL) إنه عندما نهب اللصوص بغداد بعد غزو العراق عام 2003، علِم الأكاديمي والناشط السياسي العراقي المعارض آنذاك كنعان مكية أنه ومن معه كانوا يتجهون نحو نصب تذكاري لمؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي ميشيل عفلق، وهو الحزب ذاته الذي مهد الطريق لصدام حسين لتولي السلطة في العراق، وأصبح قوّة كبيرة مسببة للاضطراب في الشرق الأوسط.

العثور على الأرشيف

هرع مكية والناشط السياسي (آنذاك) مصطفى الكاظمي إلى النصب، حيث اكتشفا مجموعة من السجلات الرسمية في قبو مغمور بالمياه، مما منحهما الفرصة للاطلاع على أرشيف حزب البعث. وقد تمت إعادة هذا الأرشيف إلى بغداد سرا بعد أن أخفته الولايات المتحدة لحفظه في ظل تنامي العنف بالعاصمة العراقية قبل 15 عاما.

وأشار الكاتب إلى أن طائرة شحن عسكرية أميركية محمّلة بأكثر من 6 ملايين صفحة من الوثائق التي تحوي أسرار عهد صدام وحزب البعث، بما في ذلك أسماء أعضاء الحزب والمخبرون، حطت في مطار بغداد يوم الاثنين.

في الواقع، كان يُنظر إلى هذا الأرشيف على أنه مرجع تاريخي للشعب العراقي وسبيل لجسر الهوة في ظل الانقسامات العميقة بالمجتمع. لكن الأرشيف أصبح حاليا قضية حساسة للغاية في ظل الوضع المشحون في بغداد، بالتالي لن تُرفع السرية عنه.

حيال هذا الشأن، قال مسؤول عراقي في بغداد “نأمل أن نتمكن من إنشاء الهيكل المؤسسي المناسب حيث ستكون هذه الوثائق متاحة لعامة الشعب، وخاصة الباحثين للمساعدة في تثقيفنا جميعا حول أهوال النظام البعثي”. وأضاف “نريد أن تكون هذه لحظة تعلم وليس لحظة انتقام. وقد يستغرق تنفيذ هذا المشروع بعض الوقت”.

وذكر الكاتب الأميركي أنه في الأشهر الأولى بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بصدام، كان مكية يأمل في أن تكون لحظة التعلم هذه في المتناول. يُذكر أنه ولد في بغداد، وذهب إلى الولايات المتحدة عام 1967 لدراسة الرياضيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

الذاكرة العراقية

ولكن مكية سرعان ما أصبح أحد أبرز مؤرخي انتهاكات صدام بعد توليه السلطة عام 1979،. وبعد الكتابة تحت اسم مستعار خلال الثمانينيات، غامر بدخول شمال العراق عام 1991 بمساعدة الأكراد لتصوير فيلم وثائقي عن فظائع النظام السابق، معتمدا جزئيا على مجموعة منفصلة من سجلات حزب البعث التي تم الاستيلاء عليها، والتي أُرسلت لاحقا إلى الولايات المتحدة.

بعد ذلك، عاد مكية إلى بغداد في الأسابيع الأولى من الغزو الأميركي برؤية تهدف إلى تأسيس مؤسسة الذاكرة العراقية، والتي من شأنها أن توثّق تجربة البلد مع ما يصفها الكاتب بالدكتاتورية.

وأوضح الكاتب أن مكية كان يعتقد أن ذلك سيمكن العراق الجديد من التحقيق في جرائم الحرب وربما تمديد العفو ليشمل الجناة التائبين، مثلما فعلت لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا بعد نهاية الفصل العنصري. وقد أصبح الكاظمي رئيس مكتب المؤسسة في بغداد.

وقد تأسس حزب البعث في الأربعينيات كحركة عربية قومية علمانية. ثم انضم صدام إلى الحزب عام 1957 واستخدمه لفرض إرادته الحديدية على البلاد بعد توليه السلطة.

وبينما تعرضت العاصمة بغداد للنهب عام 2003، علِم مكية أن حشدا من الناس كانوا يتجمّعون عند نصب تذكاري لمؤسس حزب البعث (عفلق).

وبعد وصوله إلى موقع النصب رفقة الكاظمي، اكتشف مكية أكواما من الوثائق الغامضة في القبو، والتي كانت موجودة أيضا تحت مقر حزب البعث المجاور. وبالنسبة لهما، كان الأمر أشبه بالعثور على سجلات وزارة أمن الدولة بألمانيا الشرقية
(شتازي) بعد انهيار السلطة الشيوعية.

وأضاف الكاتب أن مكية نقل الوثائق بموافقة سلطة الاحتلال الأميركية إلى منزل عائلته السابق في بغداد، والذي كان بمثابة مركز مؤسسته. ومن ثم، تعاون مكية مع الكاظمي ومجموعة صغيرة من المتطوعين لفهرسة ودراسة الأرشيف، والذي احتوى على سجلات موظفي الحزب والمراسلات الداخلية وأسماء المخبرين وحتى سجل للعائلات العراقية التي اعتُقل أبناؤها في الحرب العراقية الإيرانية التي دامت 8 سنوات.

في الحقيقة، كان الأرشيف هائلاً، وتلقى زملاء مكية تهديدات بالقتل. ومع تصاعد أعمال العنف الطائفية في العاصمة، تزايد قلق الباحثين بشأن إمكانية تدمير الأرشيف أو حجزه من قبل أعضاء سابقين في نظام صدام أو مسلحين شيعة مدعومين من إيران أو عناصر من تنظيم القاعدة في العراق.

وفي خطوة منه لحماية الوثائق، توجّه مكية إلى بول ولفويتس، المسؤول السياسي الأعلى في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) وتم التوصل إلى اتفاق في فبراير/شباط 2005 لنقل الوثائق إلى الولايات المتحدة، حيث تم الاحتفاظ بها في البداية بولاية فرجينيا الغربية.

وهناك، قام أحد المتعاقدين مع البنتاغون بتوظيف السكان المحليين لتنظيم الوثائق ورقمنتها بمساعدة باحثي المؤسسة الناطقين بالعربية. واعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أن المستندات قد توفر أدلة عن التمرد الناشئ في العراق آنذاك، في حين اعتبر مكية أن إرسال الوثائق إلى الولايات المتحدة كان بمثابة وسيلة للحفاظ على الأرشيف. ونهاية المطاف، أُرسل الأرشيف إلى مؤسسة هوفر، الفكرية ذات التوجهات المحافظة في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا. وكان الوصول إلى هذه الوثائق يخضع لرقابة صارمة فضلا عن أنه لم ينشر أي وثيقة منها على الإنترنت.

نقل الكاتب عن مايكل بريل، طالب دراسات عليا في جامعة برينستون قوله “الوثائق قيّمة للغاية بالنسبة للباحثين العراقيين، ومن المهم ألا تقع بين أيادي الأطراف الخطأ، بما في ذلك تلك التي يمكن أن تستخدمها للانتقام السياسي”.

وفي بيان صدر عام 2008، حثت جمعية المحفوظات الأميركية ورابطة المحفوظات الكندية على إعادة السجلات إلى الحكومة العراقية، وهو ما سعى مكية إلى دحضه بالقول إن الحكومة العراقية وافقت رسميًا على تولي مؤسسة هوفر مسؤولية الحفاظ على هذا الأرشيف.

عام 2013، أعادت الولايات المتحدة مجموعة مختلفة من الوثائق التي تم الاستيلاء عليها في حرب عام 2003، دون إشعار. وقد أثار ذلك مخاوف في صفوف الباحثين الغرب من احتمال استغلال رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي لهذه الوثائق سياسيا، خاصة وأنه تعرض لانتقادات بسبب سياساته الطائفية، وفقًا لمقال نشره بروس مونتغمري وهو أمين أرشيف سابق في جامعة كولورادو عام 2019.

حسن نية

في الوقت الحالي، تتعامل الولايات المتحدة مع رئيس وزراء عراقي جديد وهو الكاظمي، الذي شغل قبل ذلك منصب رئيس جهاز المخابرات العراقية. وبعد أن قرر المسؤولون الأميركيون إعادة الأرشيف إلى العراق كبادرة على حسن النية للكاظمي، أشارت الولايات المتحدة والعراق في بيان مشترك نُشر يوم 19 أغسطس/آب إلى أن عملية الإعادة ستكون في وقت وشيك. وتحتفظ مؤسسة هوفر بنسخة رقمية لهذه الوثائق.

وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إن العراق طلب إعادة الأرشيف وإن الولايات المتحدة ليس لديها أي دليل على سوء استخدام الوثائق التي أعيدت عام 2013. أما بخصوص الأرشيف الذي أُعيد يوم الاثنين، فقد علَق المصدر ذاته بأنه “يحق للعراقيين حفظه لأنه يمثل تاريخهم” مضيفا أن “العراق دولة ذات سيادة، ويجب أن تتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع إمكانية سوء استخدام لهذه الوثائق”.

وخلص الكاتب إلى أن نقل الوثائق تم في سرية تامة بسبب الخوف من محاولة اعتراض الفصائل المدعومة من إيران أو الجماعات الخارجة عن القانون الأخرى الشحنة، التي أصبحت مؤمنة تماما في الوقت الحالي في مكان غير معروف بالعاصمة العراقية. (وول ستريت جورنال)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: