“يحيى عياش”.. المقاوم الذي حفر اسمه في ذاكرة محتليه

“يحيى عياش”.. المقاوم الذي حفر اسمه في ذاكرة محتليه

يحيى عياش

يحيى عياش، الذي لا يزال حاضرًا في ذاكرة الشعب الفلسطيني، منذ ما يزيد عن عقدين من استشهاده، يستنهض الأمل ويشحذ الهمم، وكأنه ما زال ضاغطا حتى اليوم على الزناد.

بفعله وتأثيره، وضراوته على المحتل، سطر خلال عمره القصير، ملحمة بطولية، جرّع خلالها الإسرائيليين مرارة أفعالهم، وحفر في ذاكرتهم اسم “المهندس” و”العبقري” و”المطلوب رقم واحد”، منطلقا من عقيدة راسخة وايمان بقضية عادلة وعلم تبعه عمل، وأيادٍ ليس في قاموسها أن تهتزل أو ترتجف. 

أُجيز في حفظ القرآن الكريم، وبرع في هندسة صناعة المتفجرات، واستطاع تدريب العشرات المقاومين، حتى أصبح المطلوب الأول لدى دولة الاحتلال.

فماذا تعرف عن يحيى عياش؟

ولد يحيى عبد اللطيف عياش (الملقب بالمهندس) في السادس من آذار/مارس 1966 ببلدة “رافات” غرب مدينة سلفيت (شمال القدس المحتلة).

تلقى تعليمه الابتدائي بمدارس “سلفيت” حتى الصف السادس، ثم انتقل إلى مدارس بلدة “الزاوية” القريبة ودرس المرحلة الإعدادية، وحصل على شهادة الثانوية العامة بتقدير ممتاز في مدرسة “بديا”.

ونظرا لتقديره الممتاز في الثانوية العامة تأهل لدراسة الهندسة، فالتحق بجامعة بيرزيت قرب رام الله ودرس الهندسة الكهربائية، فعرف لاحقا بلقب “المهندس”.

إضافة إلى الدراسة النظامية درس العلوم الشرعية في سن مبكرة، وحصل على سند في حفظ القرآن الكريم.

تزوّج عام 1991 من ابنة خالته “هيام عيّاش”، وكان له منها براء وعبد اللطيف (يُنادونه باسم والده يحيى، حيث كان عمره ثمانية أيام قبيل استشهاد والده).

تجربته النضالية

نشط سياسيا أثناء دراسته في الجامعة من خلال الكتلة الإسلامية، التي كانت الذراع الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” ثم التحق بالجناح العسكري للحركة “كتائب القسام”.

برع في العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي من خلال عمليات نوعية، مكنته منها خبرته وقدرته العالية على تصنيع المتفجرات بإمكانيات متواضعة، ومن مواد متوفرة في السوق المحلية.

وقد بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تترصده وتطارده في الانتفاضة الأولى، (ما بين عامي 1990 و1991)، حيث استطاع تصنيع مواد متفجّرة من مواد أوّلية.

كما اتُّهم الاحتلال باعداده سلسلة تفجيرات استهدفت حافلات إسرائيلية، بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي بالخليل التي ارتكبها المستوطن اليهودي باروخ غولدشتاين في 15 شباط/فبراير 1994.

مواصفات استثنائية

استطاع يحيى عياش، أن يبتكر نقلة نوعية في العمل المسلح خلال الانتفاضة، وتحدى الظروف رغم صعوبتها ولم يستسلم للواقع، وفرض معادلته الخاصة وسبح عكس تيار التسوية الذي ساد آنذاك، آمن بفكرة المقاومة وفلسفتها وتشرب معانيها وضحى من أجلها، إضافة لهدوئه الذي كان يخفي خلفه إعصارًا.

كان عياش قليل الكلام كثير الفعل، واستطاع الإفلات من قبضة المخابرات الإسرائيلية وجيش الاحتلال عدة مرات، وبقي متواريًا عن الأنظار أكثر من ثلاث سنوات؛ في واحدة من أكبر عمليات المطاردة التي نفذها الاحتلال.

ولم تمنعه المطاردة من مواصلة عمله، رغم أن دولة الاحتلال كلفت كافة وحداتها للبحث عنه في جبال وكهوف الضفة الغربية، حيث تمكن بعد مطاردته بأيام وتحديدًا في 16 نيسان/ أبريل من تجهيز سيارة مفخخة أخرى قادها الفدائي ساهر تمام داخل مقهى “فيلج إن” الذي يرتاده جنود الاحتلال في مستوطنة “ميحولا” القريبة من مدينة بيسان المحتلة، فقتل اثنان وأصيب ثمانية وهي أول عملية استشهادية تنفذها “كتائب القسام”.

أبرز عملياته

ومن أبرز العمليات التي اتُّهم بالوقوف وراءها عملية بسيارة مفخخة في مدينة العفولة داخل الخط الأخضر بتاريخ 6 نيسان/أبريل 1994، نفذها الفلسطيني رائد زكارنة، ردا على مجزرة المسجد الإبراهيمي، أدت إلى مقتل ثمانية إسرائيليين.

كما اتهم بتخطيط عمليتين في مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر في 13 نيسان/أبريل 1994، إحداها بتفجير نفذه عمار عمارنة، والأخرى بتفجير حقيبة في موقف للحافلات أدى إلى مقتل سبعة إسرائيليين وجرح العشرات، وعملية تفجير في شارع “ديزنغوف” في تل أبيب نفذها صالح نزال وقتلت 22 إسرائيليا.

الانتقال إلى غزة

وفي ظل اشتداد ملاحقة عياش والإعلان عن مشاركة الآلاف من جنود الاحتلال بالبحث عنه في كل مكان بالضفة الغربية، نجحت “كتائب القسام” في نقله إلى قطاع غزة أواخر عام 1994، وذلك بعد أن درّب العشرات من المهندسين في الضفة.

خلال وجود عياش في غزة تمكن من عمل عدة مختبرات تصنيع، وذلك بالتعاون مع عدد من مهندسي القطاع وإخراج عدة عمليات فدائية من القطاع.

استشهاده

اغتيل يحيى عياش يوم الجمعة، في الـ 5 من كانون ثاني/ يناير 1996، حيث وضع له جهاز “الشاباك” مادة متفجرة وصلت إلى 50 غرامًا في هاتف محمول كان يستخدمه، حيث كان عياش في انتظار مكالمة من والده، وعن بعد تم تفجير الهاتف من خلال طائرة كانت تحلق في الوقت ذاته، وشارك في تشييع جثمان “أبو البراء” أكثر من 100 ألف فلسطيني.

وقد أعطته هذه العمليات شهرة كبيرة، جعلت بعض الفنانين يستلهمون سيرة حياته في أعمال فنية تروي تجربته، كما وُثِّقَتْ سيرته في كتب بعدة لغات. 

والده في ذكرى استشهاده

ورغم استشهاد يحيى لم تسلم عائلته وعلى رأسهم والده الشيخ عبد اللطيف من اعتداءات الاحتلال، فكان يمنعه من الدخول للقدس أو حتى العلاج بالداخل الفلسطيني المحتل رغم تدهور وضعه الصحي وحاجته للعلاج هناك، فضلا عن اعتقالات عديدة طالته وزوجته وأبناءه وأحفاده.

ظل والده الحاج عبد اللطيف حاضرا بقوة رغم كل تلك المعاناة في الميدان، بل شكَّل – وعبر مشاركاته في الفعاليات الوطنية والإسلامية لا سيما مهرجانات الانطلاق لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” – وقودا لها.

وكان لحضوره الأثر الكبير في حشد الطاقة لدى الجماهير، كما شكَّلت خطاباته حضورا لافتا.

وقبل 20 يوما من ذكرى استشهاد يحيى الـ 24 توفي الشيخ عبد اللطيف عياش، في 15 كانون أول/ديسمبر الفائت، عن عمر (82 عاما)، في قرية “رافات” قرب مدينة سلفيت شمال القدس المحتلة، وصلي عليه في مسجد الشهيد يحيى عياش، ومن ثم دفنه بمقبرة القرية.

الاسرائيليون لا ينسون يحيى

وعلى غير عادتهم وبوقت لا يتزامن والذكرى السنوية للشهيد عياش، كشف الإعلام الإسرائيلي في 25 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، النقاب عن تسجيل صوتي للمكالمة الهاتفية التي دارت بين الشهيد ووالده خلال اللحظات الأخيرة التي كانت سببا في استشهاده بواسطة هاتف نقال.

ومجرد نشر التسجيل صوتي، الذي لم يتعد طوله بضع ثوان، ألا أنه كان كفيلا بتحريك المشاعر، وانتشاره كما النار في الهشيم، لا سيما بعد تداوله وبشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فصوت الشهيد القسامي يحيى عياش يسمع لأول مرة منذ 24 عاما، وكأنه مازال حاضرا معهم.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: