يهود الدونمة.. أظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية وساهموا بإسقاط الدولة العثمانية

يهود الدونمة.. أظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية وساهموا بإسقاط الدولة العثمانية

يهود الدونمة، طائفة دينية ظهرت في القرن الـ17 بمدينة إزمير التركية، تمارس الطقوس الإسلامية ظاهريا وتبطن اليهودية، مهدت للحركة الصهيونية وكانت أول من دعى إلى خلاص اليهود وإقامة دولة لهم، عاصمتها القدس.

سيطرت هذه الطائفة على الاقتصاد والإعلام في الدولة العثمانية ونشرت الأفكار الهدامة في المجتمع التركي، وعملت على الإطاحة بالخلافة.

التسمية

يعود اسم الدونمة إلى اللفظ التركي “دونمِك” (Dönmek)، والذي يعني العودة أو الرجوع، وذلك لأن أتباع هذه الفرقة تظاهروا بتركهم اليهودية وتحولوا إلى الإسلام، فأطلق عليهم الناس هذا الاسم للدلالة على الهداية بالعودة للدين الحق، أو لأنهم ليسوا مسلمين حقيقيين؛ مما يعني الارتداد.

ووفق الثقافة التركية من دخل في الإسلام حقيقة يسمى “المهتدي”، ومن أسلم ظاهرا يدعى منافق، أما هذه الفرقة فهي الوحيدة التي انفردت بهذا اللفظ.

ويطلق عليها أيضا اسم “السبتية” نسبة إلى مؤسسها “سبتاي زيفي” الذي وضع أصول هذا المذهب وقواعده وفروعه.

سبتاي زيفي مؤسس الطائفة الدونمية ولد لأبوين يهوديين هاجرا من إسبانيا (مواقع التواصل)

المؤسس والأب الروحي

نشأت فرقة الدونمة على يد “سبتاي زيفي” (Sabatay Sevi) أو “شبتاي بن صبي”، وفق المراجع العبرية، وقد ولد في يوليو/تموز 1626 في مدينة إزمير التركية، لأبوين يهوديين هاجرا من إسبانيا إثر الاضطهاد الديني ومحاكم التفتيش، التي قامت في أواخر القرن الـ15 بعد سقوط آخر معقل للدولة الإسلامية في الأندلس.

وكان سبتاي الابن الأصغر بين 3 أولاد لموردخاي زيفي، وكان تاجرا ميسورا، امتهن أولاده التجارة سوى سبتاي الذي توجه منذ صغره إلى الدراسة الدينية.

وقد تشرب اليهودية منذ ولادته، وربته أمه على عينها وهي ترقب فيه حاخاما كبيرا، وكان شغوفا منذ حداثة سنه بمطالعة الكتب الدينية، وكان ذكيا نبيها وواعيا ومتأثرا بالأحداث التي مر بها أهله وأبناء ديانته من “اضطهاد وهجرة وشقاء على مر العصور”.

قرأ التوراة والتلمود واستوعبهما، كما برع في التفسير الإشاري، وهو رموز وإشارات مضامين المعاني للكلمات. واستغرق في دراسة كتابات ما يعرف بالقبّالة، وهي معتقدات وتعاليم روحانية فلسفية تعتمد التفسير الباطني للتوراة، وهذه العقيدة هي التي يتبناها سبتاي وأتباعه.

وقد أصبح حاخاما وحصل على درجة الأستاذية، وكان يعبر عن آراء وأقوال دعت إلى إعجاب المحيطين به وتقديره.

الأصل والنشأة

كان سبتاي طموحا فاستطاع أن يستغل الأفكار الرائجة عند بعض الكهنة من أن ظهور المسيح المخلص سيكون عام 1648، فبدأ يجهز نفسه، وأخذ يقوم بطقوس خاصة لا علاقة لها باليهودية، فيواصل الصوم ويكثر من الاستحمام والتطهر حتى يضفي على نفسه قدسية خاصة، وتزوج امرأة وهو في سن الـ22 ولم يمسها استعدادا لإعلانه المسيح المنتظر.

كما استغلّ بعض النصوص الدينية العبرانية التي تبشر بظهور مسيح جديد يحكم العالم، وساعدته شخصيته القوية على جذب عدد من التلاميذ حوله وهو في ريعان شبابه، حتى ادعى عام 1648 أنه المسيح المنتظر الذي يتخذ من القدس عاصمة للدولة اليهودية، وقد كان بالكاد بلغ 22 عاما.

وكان يضفي على نفسه ألقابا مثل “ابن الله البكر” و”الابن الوحيد الأول ليهوه”، كما أباح الكثير من المحظورات التي كانت ممنوعة وفقا للشريعة التي يسير عليها اليهود، وقلب الشريعة اليهودية، فأعلن الحبر “جوزيف سكابا” رئيس الطائفة اليهودية في إزمير أن سبتاي خارج عن الشريعة اليهودية، وحكم الحاخامات عليه بالإعدام.

يهود الدونمة Dönmeh
طائفة الدونمة اليهودية يطلق عليها أيضا اسم “السبتية” نسبة إلى مؤسسها “سبتاي زيفي” (مواقع التواصل الاجتماعي)

وعندما أحس بالخطر رحل إلى إسطنبول، وبدأ يبشر اليهود بالخلاص، فصدقه عدد كبير منهم، وانهالت عليه الوفود من إزمير ورودس وبروسيا وصوفيا وأدرنة واليونان وألمانيا، وأطلق عليه اسم “ملك الملوك”.

وبدأ اليهود الذين صدقوا ادعاءاته ينتظرون يوم الخلاص الموعود، فتركوا الدنيا وملذاتها لتطهير أنفسهم، حتى أصاب حياتهم العامة الشلل، إذ تركوا أعمالهم وتجارتهم، وبدؤوا يخرجون ليلا حاملين الشموع وينادون باسم سبتاي.

وقد استغل سبتاي الوضع العام لليهود الذين عانوا حياة التشرذم والشتات والاضطهاد، فحاول كسب تأييدهم في جميع أنحاء العالم، مدعيا أنه سيقوم بالثأر لليهود من كل أعدائهم، وأنه سوف يحكم العالم من دولته.

فدغدغت دعوته أحلام اليهود في جمع شتاتهم في القدس، منها إحياء معبد سليمان، فاحتفل اليهود في شوارع هامبورغ وأمستردام وبولندا مستبشرين بظهور المسيح وقرب الخلاص.

وفي ذلك الوقت أرسل رجال الدين وحاخامات اليهود في إزمير يحذرون الدولة العثمانية منه، ففر هو وأتباعه إلى مدينة سالونيك، حيث عاش 8 سنوات، ولما أعلن زفافه بالتوراة أصدرت المحكمة الملية اليهودية حكما بكفره واستحلال دمه، فهرب إلى أثينا ثم عاد إلى إزمير ومنها مرة أخرى إلى إسطنبول.

وقد زار القدس عام 1663، وطاف على صهوة حصانه 7 مرات حول المدينة، معلنا قدوم الخلاص على يديه، وقد آمن به رئيس الطائفة اليهودية في مصر “رفائيل يوسف جلبي”، وأغدق عليه الأموال لمساعدة أهالي القدس، كما آمن به في غزة “ناثان هاليفي”، وهو يهودي من أصل ألماني، فادعى سبتاي النبوة، وأصبح يسمي نفسه “رسول سبتاي” إلى الناس.

وكذلك استغل سبتاي ما شاع عند بعض الطوائف المسيحية من أن ظهور المسيح سيكون عام 1666، وتعرف إلى فتاة بولندية اسمها سارة اختلقت رؤيا أشاعتها بين اليهود، مضمونها أنها رأت نورا سيسطع عام 1666، وأنها ستتزوج بصاحب هذا النور.

وحينما سمع سبتاي دعواها زعم أنه أوحي إليه بالزواج منها، فتزوج بها عام 1664، وانطلت حيلته على كثير من أتباعه البسطاء، إلا أنه لم يمسها أيضا.

ثورة تركيا الفتاة عام 1908
يهود الدونمة ساهموا في ثورة 1908 وبدؤوا بتحريض الجيش للقيام بثورة على السلطان (مواقع التواصل الاجتماعي)

تحولهم إلى الإسلام

اشتد الصراع بين سبتاي وحاخامات اليهود بسبب تطاوله على المعتقدات المتوارثة لديهم، وإشاعته القصص الخيالية التي يدعي فيها أن له “معجزات”، والتغييرات التي أدخلها على الشريعة اليهودية، وإحداثه الفوضى بين اليهود، فقام الحاخام “نحيما كوهين” بإبلاغ السلطان العثماني أن سبتاي يقوم بمحاولة تمرد على الدولة العثمانية، وإقامة دولة لليهود على حسابها.

فقامت السلطات العثمانية بسجنه، وقُدم للمحاكمة حيث حُكم عليه بالإعدام بتهمة ادعاء النبوة، فقرر سبتاي إنقاذ نفسه ومريديه فأعلن إسلامه في 15 سبتمبر/أيلول 1666، فعفى عنه السلطان محمد الرابع، وعينه رئيس الحجاب في القصر السلطاني، وغير سبتاي اسمه إلى “محمد عزيز أفندي” ولبس الجبة والعمامة، فتحول سبتاي من مسيح مزيف إلى مسلم مزيف.

ويقال إنه لم يكن يتقن اللغة التركية، وقد قام طبيب السلطان مصطفى حياتي، الذي كان يهوديا سابقا، بالترجمة بين لجنة المحاكمة وسبتاي الذي كان يتكلم الإسبانية، وحينما رأى الطبيب أن المحاكمة تسير باتجاه إدانة سبتاي وقتله، اقترح عليه أن يعلن إسلامه، ففعل.

وقد أصيب كثير من اليهود بالإحباط لاعتناق مخلصهم الإسلام بدل تحقيقه الحلم اليهودي المنشود، فأرسل سبتاي توضيحا لهم بأن إسلامه شكلي، وأعلن أن “كيان سبتاي القديم صعد إلى السماء، وبأمر من يهوه ترك ملكا يستمر في كونه المسيح، ولكن تحت جبة وعمامة”، وكانت هذه خطته لاستئناف دعوته السابقة، وأشاع أتباعه أنه عرج إلى السماء، وحل محله بأمر الله مسيح يرتدي ثوب مسلم.

وبناء على موافقة الحكومة العثمانية على طلب سبتاي للقيام بدعوة اليهود إلى الإسلام، أدخل سبتاي عددا كبيرا منهم إلى الإسلام مبطنين باليهودية، فكانوا يؤدون الشعائر الدينية الإسلامية ظاهريا، كما قاموا بتغيير أسمائهم الرسمية، بينما احتفظ كل واحد منهم باسم يهودي خاص، واستمروا في المحافظة على عاداتهم الخاصة من لباس وأعياد وشعائر تقام باللغة الإسبانية، كما كانت لهم مدارس ومقابر خاصة بهم.

وانصرف “عزيز أفندي”، وهو الاسم الجديد الذي اتخذه لنفسه، إلى تنظيم ورسم معالم مذهبه الجديد، وكتب ذلك في وثائق نص بعض موادها على أن أتباعه يجب أن يطبقوا عادات وشعائر الأتراك المسلمين بدقة لصرف الأنظار عنهم، كما حرّم عليهم التزاوج مع المسلمين.

أخذت حركة زيفي زخما جماهيريا امتد إلى دول أوروبا وشمال أفريقيا، ولم تكن الدولة العثمانية تحد من نشاطهم نظرا للحرية الدينية التي كانت تمنحها لرعاياها في ممارسة طقوسهم وشعائرهم، بالإضافة إلى انشغال الدولة بمشاكلها الداخلية والخارجية.

عمانوئيل قره صو (إيمانويل)‏ هو يهودي من السفارديم الأتراك Emanuel Karasu
إيمانويل قره صو يهودي تركي وعضو جمعية الاتحاد والترقي ساهم في إسقاط الدولة العثمانية (مواقع التواصل الاجتماعي)

وقد بدأ يتنبه بعض أركان الدولة إلى الخطر القادم، حيث كثرت التقارير التي كانت تُرفع من إدارة الأمن العثماني حول الأفكار الخطيرة التي كان يحملها هؤلاء وكيدهم للإسلام.

وأضحى واضحا بعد أكثر من 10 سنوات من إسلام سبتاي أنه إنما يجمع أنصاره على طقوس وعقائد خاصة، وأن إسلامه إنما كان تقية، والهدف منه ضرب الإسلام من الداخل، فقُبض عليه مع بعض أتباعه ونُفوا إلى ألبانيا، وبقي هناك 5 سنوات يتواصل مع أتباعه عن بعد بالرسائل أو المندوبين حتى توفي في 30 سبتمبر/أيلول 1675.

المعتقدات والشرائع

قدم سبتاي قائمة تتضمن عقائد الدونمة وأسس دعوتها، ومن أهمها: الإيمان بإله إسرائيل الإله الحقيقي، والإيمان بأن مسيح الله هو المسيح الحق، ولا مخلص غيره، وهو سيدهم وملكهم سبتاي وهو من نسل داود.

كما أوجب تناقل وشرح ودراسة سر المسيح من مجتمع إلى آخر، والاعتقاد أن التوراة هي توراة الحق وأنها لم تتغير وهي سارية المفعول، وقراءة مزامير داود سرا كل يوم، والإيمان بقيامة الأموات، وتكفين ودفن موتاهم في مقابر خاصة بهم.

ومنها أيضا ضرورة اجتماع كل الأتباع في بيت من البيوت في اليوم الـ16 من شهر كيلسف (الشهر التاسع من السنة اليهودية)، على أن يتداولوا فيما بينهم ما سمعوه عن المسيح، وعن سر الإيمان بالمسيح، وأن يتم الاحتفال بسرور بالغ بالعيد الواقع في هذا اليوم من كل عام، وهو اليوم الذي أسلم فيه سبتاي.

وكذلك الاعتقاد أن إله إسرائيل سيرسل هيكل سليمان المبني من الأعلى إلى الأسفل، ومنعهم من القسم بالله أو المسيح كذبا، بدعوى أن اسم الله مندمج فيه أيضا.

كما أكد سبتاي على منع الزواج من المسلمين، ومنع تعدد الزوجات، مع مراعاة عادات الأتراك المسلمين ذرا للرماد في أعينهم، وعدم إظهار الضيق بصوم رمضان، أو عند تقديم الأضحية، والتنبيه أن الختان فرض، عليهم تطبيقه في اليوم الثامن من مولد الطفل، ويمكن تأخيره لعدم لفت أنظار المسلمين.

يهود الدونمة Dönmeh
يعود اسم الدونمة إلى اللفظ التركي “دونمِك” (Dönmek) والذي يعني العودة أو الرجوع (مواقع التواصل الاجتماعي)

استمرار الطائفة وتعرضها للانقسام

بعد وفاة سبتاي انتقل مركز أنشطة الدونمة إلى سالونيك حتى عام 1924، إذ استقر معظمهم بعد ذلك في إسطنبول، وتوجه بعضهم إلى مدن أخرى مثل إزمير وأنقرة وبورصة، حيث أكملوا المسيرة، إلا أنهم انقسموا فيما بينهم إلى 3 فرق رئيسية:

اليعقوبيون

أخذ سبتاي قبل وفاته العهد من شقيق زوجته يعقوب جلبي على خلافته في الرئاسة، وفُسر موت سبتاي على أنه تغيير جسدي، وأن روحه ظهرت في يعقوب، الذي جمع محبيه بعد موت سبتاي الذين تجاوزوا 200 أسرة، وسميت جماعته باليعقوبيين.

وقد قاموا بمخالفة بعض تعاليم السبتية مثل إباحة الطلاق الذي كان ممنوعا سابقا، وتولى جماعة منهم مناصب مهمة في الدولة العثمانية.

القره قاشية

أظهرت جماعة من اليعقوبيين عدم رغبتهم بالتقيد ببعض أحكام الإسلام الظاهرة، وقاموا عام 1689 بالانفصال عن اليعقوبيين بسبب ذلك.

وادعوا أن روح سبتاي قد حلت في عثمان (بايروخ أو باروخا)، الذي ولد بعد 9 أشهر من وفات سبتاي، وحين بلغ عثمان الـ40 أعلنوه مسيحا وأوصلوه إلى درجة الألوهية.

القبانجية

وهم جماعة أرادوا تطبيق مبادئ سبتاي كما هي، ورفضوا يعقوب وعثمان، فانفصلوا عام 1820 وكان لأتباع هذه الفرقة نشاط ملحوظ في المراكز الأوروبية بمختلف النواحي الصناعية والتجارية وأعمال المصارف، وأولوا اهتماما كبيرا في مجال التعليم، وأنشؤوا المدارس لتعليم أولادهم.

وقد اندسوا في خلايا حزب الاتحاد والترقي، وأدوا دورا كبيرا في انقلاب حزب تركيا الفتاة الذي أسقط السلطان عبد الحميد عن عرشه.

ميدان - مدحت باشا
الصدر الأعظم مدحت باشا أحد يهود الدونمة الذين عملوا على إسقاط الدولة العثمانية (مواقع التواصل الاجتماعي)

خطرها وأثرها في الدولة العثمانية

تسلل يهود الدونمة داخل المجتمع التركي وتغلغلوا فيه، وكان لهم أثر بارز في جميع المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

التأثير الاقتصادي

كان يهود الدونمة أصحاب مهن وخبرة في شؤون المال والتجارة والصيرفة، كما تلقوا الدعم المالي من الشركات اليهودية الأوروبية والأميركية، فتمتعوا بهيمنة اقتصادية في الدولة العثمانية، وشكلوا قوة اقتصادية ضاغطة في اتجاه تحقيق أهدافهم ومساعيهم.

وقد برزت منهم شخصيات لعبت دورا أساسيا في الاقتصاد التركي، وعلى رأسهم محمد جاويد بيك، الذي كان وزيرا للمالية في الدولة العثمانية، وكان يعقد الصفقات التجارية ويوفر المال اللازم لتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين.

ومارس ضغوطا عديدة على الدولة العثمانية من أجل تحقيق أهداف اليهود، كما كان لموشيه الآتيني دور بارز في الاقتصاد، وكان متحكما في تجارة التبغ والخمر والأفيون، وسيطر على العديد من الشركات في الدولة.

التأثير السياسي

شكل يهود الدونمة قوة سياسية ضاربة في عمق الدولة العثمانية، أدت إلى ضعفها ثم انهيارها، وقد شغل العديد منهم مناصب سياسية رفيعة، عملوا من خلالها على تقويض الحكم العثماني.

وقد ثبتوا نفوذهم السياسي من خلال انخراطهم في الحركات التي كانت تسعى للإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني، وإقامة دولة علمانية على أنقاض الخلافة العثمانية، مثل: حركة تركيا الفتاة، وجمعية الاتحاد والترقي التي قامت بعزل السلطان عبد الحميد، وقد كانت الدونمة العقل المدبر والممول لنشاطاتها.

كما أسسوا المحافل الماسونية داخل الدولة العثمانية وكانوا أبرز رجالها، واستخدموا شعارات خادعة مثل الحرية ومكافحة الاستبداد ونشر الديمقراطية لاجتذاب الناس وترويج الأفكار الهدامة.

وقد شكلت هذه المحافل مراكز قوة في الدولة وخرج منها الوزراء والنواب وقادة الجيش وكبار الموظفين والمسؤولين، الذين كانوا خاضعين لتأثير يهود الدونمة.

وقد مثل مدحت باشا -وهو ماسوني من يهود الدونمة- نموذجا للكيد بالدولة من الداخل، فقد كان واليا على بغداد عام 1868، وأصبح وزيرا للعدل في وزارة محمد رشدي باشا، وترقى في المناصب حتى أصبح الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، واستطاع الإطاحة بالسلطان عبد العزيز بمساعدة بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني حين تبين للسلطان علاقة مدحت باشا المشبوهة بإنجلترا، أقاله وحُكم عليه بالإعدام للخيانة العظمى، إلا أن التنفيذ اقتصر على النفي لتدخل السفراء الأجانب، وهذه الحادثة استغلتها اليهودية العالمية للتأليب على السلطان.

وقد ساهم يهود الدونمة في ثورة 1908، حيث تخفوا في زي الجنود، وتسللوا في صفوف الجيش، وبدؤوا بتحريضهم للقيام بثورة على السلطان.

وكان إيمانويل قره صو (أحد الدونمة) عضوا بارزا في جمعية الاتحاد والترقي، وعضو المجلس النيابي عن سالونيك، ونائبا لفرقة التجارة بها، ثم عضوا للمجلس النيابي عن إسطنبول، وقد كان أحد أفراد الوفد الثلاثة الذين أبلغوا السلطان عبد الحميد خبر عزله عام 1909.

وكان سجن السلطان بعد ذلك في منزل موشيه الأتيني من الدونمة أيضا، ولا يخفى دور وزير المالية محمد جاويد بيك، الذي كان أحد أبرز رجال جمعية الاتحاد والترقي في الكيد للدولة.

وفي عام 1923 أعلنت الجمعية الوطنية التركية قيام الجمهورية في تركيا، وانتخبت مصطفى كمال أتاتورك، وكان يهود الدونمة من أشد مسانديه في الوصول إلى الحكم.

يهود الدونمة Dönmeh
يهود الدونمة سيطروا على الصحف الكبرى والمجلات في الدولة العثمانية لإسقاط الخلافة (مواقع التواصل الاجتماعي)

التأثير الإعلامي وإفساد المجتمع

سيطر يهود الدونمة على الصحف الكبرى والمجلات في الدولة العثمانية عن طريق تمويلها أو امتلاكها، كمجلة “اجتهاد” المعادية للإسلام، وصحيفة “تركيا الفتاة” الناطقة باسم الاتحاديين، وصحيفة “اللونار” أهم صحف سالونيك.

واشتهرت العائلات اليهودية بتأثيرها الواسع في الميدان الإعلامي كعائلة “قبانجي” و”كبار” و”إيبكجي”، ومن خلال الدعم المادي، استطاعوا التحكم بالإعلام التركي وتوجيهه وفقا لأهدافهم.

ومع ظهور الجمهورية الحديثة زادت السيطرة اليهودية على الإعلام، فامتلكت أكثر المجلات والصحف انتشارا مثل مؤسسة جريدة “حريت”، التي أسسها “سداد سيماوي” وهو أحد يهود الدونمة، وهي الجريدة الأكثر انتشارا على مستوى تركيا، وقد وصل توزيعها إلى مليون نسخة يوميا.

وتمتلك هذه المؤسسة دار نشر وعدة مجلات دورية، وقد هاجم سيماوي عبر هذه القنوات الإعلامية الحجاب، كما هيأت الصحيفة الرأي العام التركي لقبول دولة صهيونية على أرض فلسطين.

وامتلك يهود الدونمة صحيفة “كوان آيدن”، ثاني صحف تركيا توزيعا، وجريدة “ترجمان” التي تحتل المرتبة الثالثة انتشارا في تركيا، وجريدة “ملليت” وتأتي الرابعة في الترتيب، والتي اشتهرت بمقالات سامي كوهين الموجهة لخدمة اليهودية العالمية.

ولم يقتصر تأثيرهم على وسائل الإعلام المكتوبة، بل تعداها إلى المرئية والمسموعة، فسيطروا على الإذاعة والتلفزيون، فقد تولى إدارتهما إسماعيل جم، وهو يهودي من “الدونمة”، فكان يعمل من خلالهما على نشر أفكار اليسار المتطرف في المجتمع.

وقد برز الكثير من الكتّاب والإعلاميين الذين ينتمون إلى الدونمة، كخالدة أديب وأحمد أمين يلمان وعبدي إيبكجي وإسماعيل جم وغيرهم، الذين استطاعوا من خلال القنوات الإعلامية التي تمتلكها أو تديرها “الدونمة” بث الفكر الغربي والماركسي والدعوة إلى السفور والانحلال الخلقي.

كما ساهموا في إذكاء روح القومية التركية، وتشويه صورة الدولة العثمانية ورجالاتها، كما روجوا للدولة التركية العلمانية، وعملوا على تحسين صورة اليهود وبث الكراهية للعرب، وغير ذلك من المبادئ الهدامة.

الجزيرة نت

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: