ﺍﻟﻠﻬمَّ اﻋﻒُ ﻋﻣﻦ ﻇﻠﻤﻨﻲ

ﺍﻟﻠﻬمَّ اﻋﻒُ ﻋﻣﻦ ﻇﻠﻤﻨﻲ

نشرة فاعتبروا  (193)

الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)

      هنيئًا للمؤمن الذي يعيشُ بين الناسِ، يدعوهم ويصبرُ على أذاهم، ويعفو عنهم، ويبيتُ وقلبه لا غلّ فيه ولا حقدٍ على أحد، يعلمُ أنّ الصابرَ يوفى أجره يوم القيامة بغير حساب، لا يُوزن لمثله ولا يُكال، إنما يُغرف له غرفًا. فليرجع كل منا إلى قلبه، قبل فوات الأوان.

      يصبر ويُسامح، ويُهذّب قلبه بتهذّيب الإيمان، ويصفيه من كدره، علّ اللهَ يُخلّصه من شوائبه؟ ورب العزة يقول: “وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”، ورَسُوله يقَولَ: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ”.

      ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﻱ ﻳﺪﻋﻮ ﺫﺍﺕ ﻟﻴﻠﺔ “ﺍﻟﻠﻬﻢ اﻋﻒُ ﻋﻣﻦ ﻇﻠﻤﻨﻲ، ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺭﺟﻞ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺳﻌﻴﺪ، ﺳﻤﻌﺘﻚ ﺍﻟﻠﻴلة ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻤﻦ ﻇﻠﻤﻚ، ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻨﻴﺖ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ منهم، ﻓﻤﺎ ﺩﻋﺎﻙ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ؟، ﻗﺎﻝ: ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ”ﻓَﻤَﻦْ ﻋَﻔَﺎ ﻭَﺃَﺻْﻠَﺢَ ﻓَﺄَﺟْﺮُﻩُ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ”.

      ﺇﻧﻬﺎ ﻗﻠﻮﺏ ﺃﺻﻠﺤﻬﺎ ﻭﺭﺑّﺎﻫﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ الكريم، ونفوس طوعها الإسلام العظيم، ﻓﻬﻨﻴﺌًﺎ ﻟﻬﺎ، فلنحاول أن نعفو ونصفح ونتغافل، وليقل عنا الناس ما قالوا، فلاﺗَﺤﺰﻥْ ﻋَﻠﻰ ﻃَﻴﺒﺘﻚ؛ ﻓَﺈﻥَ ﻟَﻢ ﻳُﻮﺟَﺪ ﻣَﻦ ﻳَﻘﺪﺭﻫَﺎ  ﻓِﻲ ﺍلأﺭَﺽ؛ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺴَﻤﺎﺀ ﻣَﻦ ﻳَﺒﺎﺭﻛﻬَﺎ ويؤجرك عليها.

      قيل “تسعةُ أعشار حُسن الخلق في التغافل”، و”ما زال التغافلُ من فعل الكرام”، ويُذكر أنّ امرأةً سألت حاتمًا عن مسألةٍ، ثم خرج منها صوتًا في تلك اللحظة فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك، فأوهمها أنه أصمٌّ، فسرّت المرأةُ وقالت: إنه لم يسمع الصوت، فلُقّب بحاتمٍ الأصم.

الآيةالتي يُقالُ أنّها أبكت إبليس

      إنّ من أوسع الأبواب عند الله تبارك وتعالى باب التوبة، فهو مشرعٌ للتائبين ليلًا ونهارًا، ينتظرُ من يلجهُ، ويفرح اللهُ بتوبة عبدهِ، وفوق ذلك يعدهُ ويرغّبهُ  بل ويُغريه بجنةٍ بل جناتٍ.

      يقولُ الله في الآية التي أبكت إبليس: “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، ذَكَرُوا اللَّهَ، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ  يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ، وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ”.

      فأين التائبين الذين خلطوا عملا صالحا بآخر سيئًا، الذين تراكمت ذنوبهم وهم لا يشعرون؟، ثبت عن الرسول أنه قال: “للهُ أشدُ فرحًا بتوبةِ عبدهِ من أحدِكم براحلتهِ التي عليها طعامهُ وشرابهُ، فأضلّها في أرضِ فلاةٍ، فاضطجع، قد أيس منها، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ على رأسهِ، فلمّا رآها أخذ بخطامهاِ، وقال من شدةِ الفرحِ: اللهّم أنتَ عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: