هل ترقى لجنة تحديث المنظومة السياسية لتطلعات الأردنيين أم تستمر حالة “اللف والدوران”؟

هل ترقى لجنة تحديث المنظومة السياسية لتطلعات الأردنيين أم تستمر حالة “اللف والدوران”؟

د. منذر الحوارات لـ “البوصلة”:

– الدولة تسعى لـ “تقنين النخب” التي تدير البلد مستقبلا.

– الدولة تمارس وصاية على المجتمع وفرض مزيد من القيود بشعارات إصلاحية.

– الإصلاح الحقيقي يبدأ بإطلاق طاقة المجتمع ليقرر ما يريده وما يمثله.

د. سعيد ذياب لـ “البوصلة”:

– الدولة تسعى لتقنين العمل الحزبي بحيث يبقى مشلولًا ومربكًا.

– ما تمارسه لجنة إصلاح المنظومة السياسية ما هو إلا عملية “لف ودوران”.

– أول خطوات الإصلاح رفع القبضة الأمنية عن العمل الحزبي والتعامل معه وفق الدستور

عمّان – البوصلة

على الرغم من استمرار أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بالتحفظ على التصريح لوسائل الإعلام رغم قرب انتهاء السقف الزمني لأعمالها بداية الشهر القادم؛ إلا أن ما يرشح من “خلف الأبواب المغلقة” للجنة من نقاشات حادة وتسريبات لمسودة قانون الأحزاب، يزيد من حجم “اللغط” الدائر في الشارع الأردني والتحفظ على المخرجات التي ستقدمها اللجنة وهل يمكن أن ترقى لتطلعات الأردنيين الذين تعاملوا مع اللجنة منذ اللحظة الأولى لتشكيلها بنظرة الشك والريبة وخيبة الأمل، لا سيما وأن تجارب الأردنيين مع مثل هذه اللجان “تجارب مريرة” وهي في كثيرٍ من الأحيان أو في غالب الأحيان “بلا جدوى ولا طائل”.

مراقبون يؤكدون أنّ اللجنة في جلّ أعمالها وما سيصدر عنها تهدف لتخطي مرحلة صعبة تمر بها البلاد على الصعيد السياسي والاقتصادي في ظل حالة الحنق والضغط الكبير الذي يشهده الشارع الأردني مع استمرار تداعيات الجائحة وما خلفته من أوضاع اقتصادية صعبة ترافقت باستمرار التضييق على الحريات العامة وفرض مزيدٍ من القيود على النشطاء والأحزاب بذريعة مواجهة الجائحة عبر تكميم الأفواه ومنع الاجتماعات العامّة.

ويحذر مراقبون من أنّ ما يتمّ تسريبه من أعمال اللجنة ونقاشاتها وما ترافق من استقالة بعض أعضائها وتحفظ شريحة من المشاركين فيها وغضبهم غير المعلن على سقف اللجنة الذي لا يرقى لتطلعات الأردنيين سواء في قانون الأحزاب أو قانون الانتخاب، سيسهم بشكلٍ كبير في تعزيز حالة انعدام الثقة بين المواطن الأردني ودولته، وتعزيز وجهة النظر القائلة بأن كل مزاعم الإصلاح ما هي إلا “لف ودوران ومراوحة في المكان” ستعمّق أزمة الإدارة الأردنية.

تقنين النخب وسيطرة الدولة على أي عملية تحول

وفي هذا السياق أكد الطبيب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” أن القوانين والأنظمة التي ستشكلها مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية في البلاد ما هي إلا محاولة من الدولة لتقنين النخب التي تدير البلد مستقبلاً، لا سيما وأن هناك ضغوط كبيرة بأن الصيغة الحالية لم تعد مقبولة ولذلك لا بد من الذهاب إلى صياغة أكثر “لبرة” واتفاقًا مع المجتمعات الحديثة.

وقال الحوارات: إن الحكومة وبكل أسف تسعى من خلال اللجان المُشكَلة لإيجاد ضوابط شديدة لكيفية اختيار النخبة السياسية المستقبلية عبر وضع أطر قانونية مشددة يمكن لها أن تضبط أي عملية حزبية وتؤدي بالنهاية لاختيار مجموعة منتقاة من الناس.

ونوه إلى أنه في كل دول العالم فإن العملية الاجتماعية السياسية هي التي تفرز آليات آليات سياسية اجتماعية اقتصادية؛ مستدركًا بالقول: لكن الدولة الأردنية تريد أن تمارس فكرة الرعاية على المجتمع وتنتج هي القوانين والضوابط والمعايير الدقيقة لأي عملية سياسية تدور في البلد.

وأضاف الحوارات أنه “لا أحد يستطيع أن يقنع أي إنسان بأن أعضاء لجنة لا يؤمنوا بالنقابات المهنية ولا يؤمنوا بحق المواطن في التعبير عن رأيه يمكن لهم أن يكونوا شركاء في إنتاج حياة ديمقراطية”.

وشدد على أن الدل التي أنتجت ديمقراطية وأنتجت مؤسسات سياسية راسخة سواء كانت حزبية أو غير حزبية، استطاعت أن تطلق العنان للمجتمع كي تدور رحى النقاشات فيه على أرض حرة بعيدة عن التقييد.

وتابع الحوارات حديثه بالقول: مثلاً قانون الأحزاب الذي تنوي الحكومة إصداره وحسب مسودته المسربة للإعلام، يراد بالضبط تقنين أعداد الحزبيين، فمن هو الحزب الذي يستطيع أن يجتمع بهيئة عامة مكونة من ألف شخص وعدد مؤسسيه 300 شخص.

وأشار إلى أنه من المفترض أن الحزب ليس هكذا، فالأحزاب نشأت كمندوبي انتخابات على فكرة المنفعة، ولاحقا يجتمع مندوبو الانتخابات ويشكلون أحزابًا لنصرة المرشحين، منوهًا إلى أنه لم يضبط أحد العملية من فوق، أو يؤدي لتقنينها بهذا الشكل إلا في شكل الأحزاب الراديكالية وهذا غير مطلوب في الأردن، وغدًا حين تسمح بهذه الصيغة هي تخلق شكلاً ما من الجمهرة يؤدي لتواجد شكل من الراديكالية في الأحزاب وهو عكس المطلوب.

وأضاف الحوارات أن الجميع يتحدث عن البرامج الحزبية، وفي بلد فقير منهك ما هي البرامج غير البرامج الخدمية؛ فلا يوجد برامج سياسية لأن الصناعة ضعيفة والاقتصاد ضعيف وحركة المجتمع بالتالي ضعيفة في هذا الاتجاه، مشددًا في الوقت ذاته على أن إيجاد تحالفات مبنية على المصلحة للجميع لا تزال في طور بدايتها؛ لأن الدولة تحتكر الإنتاج باختصار وأغلب عناصر الإنتاج هي بيد الدولة من موظفين ومؤسسات كبيرة.

وأكد أن “الدولة تريد أن تستمر في احتكار المجتمع لصالح منظومة ضيقة من الناس وتريد أن تقنن من يصل بالضبط إلى موقع صناعة القرار أو انتقاد صناعة القرار في إطار نخبة ضيقة سيتم تداولها خلال العشرين سنة القادمة، وهي تعد لذلك بشكل دقيق”.

إصلاح أم فرض مزيد من القيود والعقبات

وحذر المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات في حديثه لـ “البوصلة” من أن ما تقوم به الدولة اليوم لا يسمّى إصلاحًا في الحقيقة؛ بل يسمّى فرض قيود على المجتمع وتقنين لعملية التطور الديمقراطي، ومحاولة لإيجاد بدائل تمتلكها الحكومة أو الدولة لضبط أي عملية تحول مستقلية، وهذا في النهاية سيفشل.

وأوضح الحوارات بالقول: “إن ما لا يدركه صنّاع القرار اليوم أن المجتمعات أصبحت خارج الطوق، وتستطيع أن تتصرف بمعزل عن إرادة أي أحد”، مؤكدًا أن أي قراءة عميقة للواقع ستؤدي لنتيجة مفادها أن المفرزات لن تؤدي إلى النتائج التي يدعون أنها مطلوبة.

بدوره عبّر الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية سعيد ذياب في تصريحاته إلى “البوصلة” عن أسفه لما تم تسريبه من نقاشات لجنة تحديث المنظومة السياسية ومسودة قانون الأحزاب، لا سيما وأنها تضع عقبات جديدة أمام العمل الحزبي وهي مرفوضة جملة وتفصيلاً.

وأكد ذياب أنه من غير المقبول إخضاع عمل الأحزاب لمزاد عدد الأعضاء وبنقاشات يخوضها كثيرٌ ممن ليس لهم علاقة بالعمل الحزبي فبعضهم يرى أن ينضوي بعضوية الأحزاب 1000 عضو وآخر يرى ألفي عضو وغيره يرى 3 آلاف.

وشدد على أنه “لا يمكن أن نرجع كل أربع سنوات لنعود بقانون يطالب بمعاملات جديدة ومؤسسين جدد ومعاملات جديدة، وحتى توفيق الأوضاع للأحزب الموجودة ستكون مشمولة بالقانون”.

وقال ذياب إن “الدولة مكرهة على وجود الحالة الحزبية، لكنهم يريدون تقنين العمل الحزبي بحيث يبقى مشلولًا ومربكًا”.

وأضاف ” أننا لم نسمع سوى في الأردن أن الناس ليس لها همٌ سوى الهجوم على الأحزاب وانتقادها حتى اللجنة المكلفة بتحديث قانون الأحزاب فيها أعضاء “تشتم الأحزاب”.

ويرى أن النسب المطروحة في إشراك الشباب والمرأة في الأحزاب ليس حرصًا من الدولة عليهم؛ بل لإيجاد تعقيدات جديدة في تشكيل الأحزاب، حتى تبقى خاضعة فلو نقص عضو واحد من الشباب أو النساء في الحزب ستتهمك الدولة بأنك أخللت بقانون التأسيس وتفرض عليك العقوبات.

وأضاف ذياب: إن لدينا تجربة بهذا السياق في القانون الحالي عندما تأخرنا في إرسال كشف لمدة أسبوع وعلى طريقة التصيد حرم الحزب لمدة عام من الدعم المالي.

وعبر عن أسفه بأنه لا توجد نية صادقة وإرادة حقيقية لحياة حزبية محترمة، ففي الدول الديمقراطية التي تسمح بالتعددية الحزبية إبلاغ للدولة بأننا نريد تشكيل حزب وهذا يكفي.

وأشار ذياب إلى أن ما تمارسه لجنة إصلاح المنظومة السياسية ما هو إلا عملية “لف ودوران”؛ مؤكدًا أنه حتى لو نشأ أحزاب جديدة وقوية بتشجيع من الدولة، سيقوم أصحاب القرار في وقت الجد بتعطيل عمل هذه الأحزاب.

وقال إن فلسفة الدولة بقضية الأحزاب تقوم على أنها لا تريد أي عمل منظم ضمن أطر ويثير مخاوفها، بدليل النقابات المهنية حيث (وضعت الحكومة قردها على طحينهم) منذ سنوات حتى شلوها وضربوها وحلوا نقابة المعلمين، مؤكدًا على أن هذا لا يمكن أن يقنعك بأن شكل الإدارة في البلد تريد عمل حزبي عمل نقابي.

وأشار ذياب إلى أن “من يرفض انتخاب أمين عمّان لا يثق بخيارات الناس، ومن يرفض نشر كتاب رأي لناشط سياسي، لن يسمح بحرية الرأي”.

الحد الأدنى لخطوة إصلاح مقبولة؟

وفي رؤيته للحد الأدنى المطلوب لبداية خطوة إصلاح حقيقية تعيد شيئًا من الثقة بين المواطن الأردني ودولته، يرى الدكتور منذر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” أنها يجب أن تمر عبر إطلاق طاقة المجتمع ليقرر هو في النهاية ما يريد، متسائلا: لماذا تصر الجهات الحكومية على وضع ضوابط لحركة المجتمع، وإمكانية أن يشكل تحالفاته الخاصة التي تعبر عنه.

ونوه إلى أن المجتمع فيه قطاعات كثيرة، ولندعها تتحالف وتنتج صيغة سياسية تكون هي المقبولة للجميع، ولماذا تصر الحكومة على إدارة ومحاولة التدخل فيما يريد الناس لأنفسهم.

وشدد على أن الصيغة الوحيدة المقبولة لبدء إنتاج حالة سياسية مقبولة عبر ترك المجتمع يدير تفاعلاته وينتج قوانين ونظم ومؤسساته السياسية التي يستطيع أن يدير فيها نفسه.

واستدرك بالقول: لكن أن تأتي الحكومة وتحدد كم حزب وكم العدد وهذا غير مقبول في أي دولة في العالم تدعي أنها تريد الذهاب للتحرر واللبرلة السياسية.

وختم الحوارات حديثه بالتساؤل: من فشل عبر عقود في إنتاج حالة اقتصادية وحالة سياسية كيف سيستطيع أن ينتجها الآن؟ من كان سبب كل المشاكل والإخفاقات التي نعاني منها اليوم كيف يريد الإصلاح و”هو لا يعترف بأنه هو نفسه المشكلة بحد ذاتها”، على حد تعبيره.

رفع القبضة الأمنية أولا

من جانبه يرى الدكتور سعيد ذياب في تصريحاته إلى “البوصلة” أن أول خطوات الإصلاح الحقيقي في الحياة السياسية والحزبية يتمثل بـ “رفع القبضة الأمنية عن العمل الحزبي والتعامل مع الحياة الحزبية وفق الدستور الذي لم يعقد المسائل بل أعطى الأردنيين الحق بتشكيل الأحزاب والأصل في هذا الأمر الإباحة قبل وضع العقبات والقيود والعراقيل”.

وأشار ذياب إلى أن القارئ لمسيرة الأحزاب منذ نشأة الدولة يرى كيف توضع كل يوم عقبات جديدة بطريق الأحزاب؛ فقانون 1992 أرقى بكثير من القانون 2007 والقوانين التي جاءت بعده، وأرقى مما يتم فيه التفكير اليوم.

وشدد على أن “ما نريده اليوم هو حق الناس بتشكيل الأحزاب بدون معيقات، وبدون ملاحقتهم، واحترام حريتهم وحقهم في التعبير”.

وتساءل عن أي حريات وأي تعددية وديمقراطية نتحدث، واليوم الموضوع يتعلق بتحديث وليس إصلاح حتى بالمعنى اللغوي شكلا ومضمونا نريد الارتقاء بالصيغة الحالية، فيما الدولة لا تحدث ولا تصلح ثم تمنع نشر كتاب لناشط، وهي لا تعلم أن “الفكرة لا تحاصر”.

لو تدرك الدولة هذا الأمر ستعيد النظر بسلوكياتها لكن للأسف الشديد غير قادرين على إدراك التطور الاقتصادي الاجتماعي التكنولوجي الحاصل على مستوى العالم.

وختم بالقول إن كل التفاصيل الواردة في تحديث قانون الأحزاب ومسودته المسربة للإعلام تناقش قضايا ليست هي الجوهر وهي قضايا نسبية شكلية قد توسع دائرة مشاركة المجتمع،  مستدركًا بالقول: “ولكن القضايا الأساسية والمفصلية في قانون الانتخاب والأحزاب تم القفز عنها”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: