“التحرش الإلكتروني” بين التضخيم والتشكيك.. كيف نمنع تفاقم المشكلة؟

“التحرش الإلكتروني” بين التضخيم والتشكيك.. كيف نمنع تفاقم المشكلة؟

عمان – البوصلة – خاص

حذر خبراء في القانون والاجتماع من خطورة تضخيم بعض المشاكل الاجتماعية التي نواجهها اليوم بعد دخول التكنولوجيا الحديثة إلى غالبية بيوت الأردنيين وما ترافق معه من ظهور “التحرش الإلكتروني” كمشكلة قد يتعرض لها الأردنيون جميعًا خلال استخدامهم لهواتفهم وأجهزتهم وما تحتويها من تطبيقات للتواصل الاجتماعي.

وشكك الخبراء في لغة الأرقام التي تعلنها بعض الجهات ومؤسسات المجتمع المدني حول بعض المشكلات لعدم استنادها لإحصائيات حقيقية أو أرقام واقعية، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة وضع هذه المشكلة في سياقها الصحيح دون تضخيم أو مبالغة والبحث عن حلول ناجعة لمواجهتها قبل أن تتفاقم، وتقديم التوعية القانونية الصحيحة لمواجهة المشكلة عند حدوثها.

وأكدوا أن “الأرقام والإحصاءات” في القضايا الاجتماعية من أخطر مجالات الإحصاء والدراسات ومن أصعبها لأنها تعنى باستقرار الأسرة والمجتمع وسلامته، مشددين على أهمية تقديم التوعية اللازمة بكيفية مواجهة مثل هذه المشاكل اجتماعيا وقانونيا والتعامل معها بشكل صحيح لتخليص المجتمع منها.

التشخيص الحقيقي يسهم بإيجاد الحلول

وقال الخبير الأسرى، ومدير جمعية العفاف مفيد سرحان في تصريحاتٍ لـ “البوصلة”: إن المشكلات والقضايا الاجتماعية بحاجة الى حكمة كبيرة في التعامل معها، وأن يكون الهدف من نشر المعومات المساهمة في حل المشكلات والتقليل منها، لا التعريف بها فقط والمساهمة في نشرها وزيادة المشكلات عن قصد أو غير قصد، مؤكدًا في الوقت ذاته على أن “التشخيص الحقيقي يسهم بإيجاد الحلول حتى نتمكن من التعامل معها دون تضخيم او إثارة”.

وشدد سرحان على أن توفير البيانات والأرقام والإحصاءات والمؤشرات الدقيقة لأي موضوع دليل الوعي والاهتمام وإعتماد المنهج العلمي.

وأضاف أن “الأرقام مهمة في حياة الإنسان في كل الظروف وفي جميع مجالات الحياة الاقتصادية والصحية والاجتماعية والتربوية والرياضية وغيرها،  والأرقام والاحصاءات التي يتم إعدادها بطريقة علمية صحيحة هي لغة عالمية”.

واستدرك بالقول: حين تقوم المنهجية على الرقم والاحصائية الصحيحة تكون معبرة وذات مدلول واضح. وربما لا يعرف الجميع أسس إعداد البيانات، إلا أن  لذلك أسس تقوم عليه يتطلب الدقه والامانه  والمنهجية، وهو من اهم العلوم التي تحتاجها العلوم الأخرى.

وأكد سرحان أن اعتماد منهجية صحيحة ومحايدة بعيد عن التوجيه والقراءة المسبقة  في التعامل مع الأرقام تمكن من اتخاذ  القرارات المناسبة وفي الوقت المناسب، وكذلك إمكانية التنبؤ بالمستقبل.

وحذر الخبير الأسري من أن “الارقام والإحصاءات في القضايا الاجتماعية  من اخطر مجالات الاحصاء والدراسات ومن اصعبها لانها تعنى باستقرار الاسرة والمجتمع وسلامته. والمفروض انها تعكس الصورة الحقيقية عن واقع المجتمع دون تهويل أو مبالغة أو تهوين”.

ولفت إلى أن “بعض الجهات تقوم بالاعلان عن دراسات وتقارير لا تعتمد المنهح العلمي، وهي عبارة عن انعكاس لرغبات وتوجهات القائمين عليها والجهات المموله، غير آبهين بمصلحة المجتمع  وصورته الحقيقية والاثر الخطير لنا يقومون به”.

وتابع سرحان بالقول: كما أن بناء حبكة قصصية مثيرة على حالة واحدة أو إثنتين إمعان في تشويه الواقع للوصول الى إستنتاجات خاطئه لكنها تلبي توجهات جهات أخرى لا تريد الخير لمجتمعاتنا.

وختم سرحان حديثه لـ “البوصلة” بالقول: “المجتمعات لا تخلو من المشكلات وهنالك فرق بين المشكلة والظاهرة. والمهم ان نشخص المشكلة بحجمها الحقيقي حتى نتمكن من التعامل معها دون تضخيم او إثارة”.

هكذا نواجه المشكلة قانونياً

من جانبها شككت الخبيرة القانونية المحامية ليلى عطا في تصريحاتها لـ “البوصلة” في الأرقام المبالغ فيها التي تصدر عن بعض مؤسسات المجتمع المدني للحديث عن بعض المشاكل الاجتماعية مثل مشكلة “التحرش الإلكتروني”، إلا أنها أكدت في الوقت ذاته أن هذه المشكلة تستحق مزيد من الاهتمام لمواجهتها والحد منها لا سيماء وأنها بدأت تتزايد في الآونة الأخيرة.

وقالت المحامية عطا إنها ومن خلال اطلاعها وخبرتها في المحاكم لم تكن تسمع كثيرًا أو تواجه مشكلة “التهديد بفعل فاضح” التي تنشأ عن مواقع التواصل الاجتماعي ونشر صور الفتيات أو المقاطع المصورة وغيرها؛ إلا أنّ مثل هذه القضايا بدأ يظهر بشكل لافت في الآونة الأخيرة.

ووجهت من يقعون في مثل هذه المشاكل بضرورة التوجه مباشرة إلى القضاء عبر رفع قضية أمام المدعي العام في الجرائم الإلكترونية، لكنّها فضلت في البداية أن يتوجه المشتكي إلى “البحث الجنائي” في الأمن العام حتى يستطيع تثبيت “الأدلة الجرمية” وهو الأمر الأهم.

وعبّر عطا عن أسفها من أنّ أغلب الفتيات والنساء التي يواجهن مثل هذه المشكلات يكتفين فقط بضمان “وقف الفعل” ومنع تكراره ولا يتابعن مثل هذه القضايا خوفًا من حدوث مشاكل اجتماعية أكبر، الأمر الذي يجعل الأرقام الموثقة للمشكلة لا تعكس حقيقة الواقع.

انتقادات للمبالغات في تقرير معهد تضامن  

من جانبه انتقد الكاتب علي سعادة تقرير تضامن وما أورده من أرقام وإحصاءات، قائلا: ” إن آخر تقرير نشر لجمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” دفعني مرغما للتعليق فقد تضمن أرقاما لم يقل لنا “تضامن” كيف خرج بها وعلى نحو حاسم لا يقبل الجدل، وعلى ماذا استند، هل أجرى استطلاعا واسعا، هل وزع استبيانا، هل قام بعمل ميداني، ما هي المنهجية التي اعتمد عليها؟

وأصاف سعادة: نعمل في هذا المهنة وهذا “الكار” منذ 35 عاما لكننا نريد أن نفهم، كيف قرر “تضامن” أن العنف والتحرش الإلكتروني يهددان 2.7 مليون أنثى في الأردن يستخدمن الإنترنت من بينهن مليون طفلة. 

وأكد أن هؤلاء الأطفال، في غالبيتهم لا توجد لهم حسابات على مواقع التواصل، هل جرى سؤالهن في المدرسة أو لدى خروجهن من المدرسة أو في “باص” المدرسة، أين تحدث المعهد مع عينة تمثل مليون طفلة، ما هي العينة التي اعتمدها “تضامن” ؟! وكيف قرر هذا الرقم؟!

وشدد على أن التقرير أسهب في الحديث لأكثر من 400 كلمة عن قصة سناء (اسم مستعار) تعرضت للابتزاز، دون أية وقائع تدعم حكاية “سناء”، ولم ترفق في التقرير أية شواهد أو قصة أخرى تدعم التقرير.

وتابع بالقول: وقفزًا من فوق الأرقام، يعود “تضامن” ليستند في تقريره إلى نتائج دراسة “ظاهرة التحرش في الأردن” التي أجريت عام 2017، لا أعرف من أجرها، التي تقول بأن 8 أفراد من كل 10 ضمن العينة تعرضوا لواحد أو أكثر من أفعال وسلوكيات التحرش الإلكتروني.

وأضاف، سأقف دائما وأبدا ضد أي رجل يسيء إلى أي سيدة أو طفلة بكلامه أو بأفعاله أو تلميحا، أو يسيء إلى أي شخص دون سبب، لكن تحدثوا معنا بأرقام وحقائق نقف خلفها وندعمها وليس رواية لغايات لا علاقة لها بالبحث وتوصيف الحالة واقتراح الحلول.

وقال سعادة: خصوصا أن صياغة التقرير أدخلت وخلطت أرقام وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ودائرة الإحصاءات العامة ونتائج دراسات عمرها 4 سنوات مع النتائج التي خلص إليها “تضامن”. فلم نعرف أرقام “تضامن ” من غيرها!!

واستدرك بالقول: طبعا هذه لا تتعلق فقط بـ”تضامن” وإنما تمس بعض مؤسسات المجتمع المدني التي عليها مخاطبة واحترام عقولنا حتى تحظى بدعمنا ومساندتنا والدفاع عنها، وليس الاكتفاء بنشر أرقام مرعبة دون سند، منوهًا إلى أن تقرير “تضامن” هو أشبه بقصة صحافية “فيتشر” كُتب دون حِرْفية.

معهد تضامن يرد

من جانبه رد معهد تضامن على استفسار وجهته “البوصلة” للمعهد حول الانتقادات الموجهة للأرقام التي أعلن عنها المعهد حول تفاقم “التحرش الإلكتروني”، بالقول: إن الأرقام الواردة ستكون صماء ما لم يتم ربطها بعضها ببعض وتحليلها، وأن المعهد لا يخترع أرقامًا من عنده.

وأضاف أنه “عندما لا تكون هنالك حماية كافية للنساء والفتيات والطفلات عند استخدامهن للانترنت والتكنولوجيا بشكل عام، فإن ذلك يشكل تهديداً لامكانية تعرضهن للعنف والتحرش والابتزاز والاستغلال”.

ونوه المعهد إلى أن “كل إمرأة أو فتاة أة طفلة تستخدم الانترنت والهاتف الذكي هي بكل تأكيد معرضة لكل أشكال العنف ما لم تتخذ اجراءات حماية وتوعية على مستويات مختلفة. لكي نعرف حجم المشكلة علينا النظر الى الأرقام بدقة.

وشددت على أن دراسة “ظاهرة التحرش في الأردن” هي الأولى والوحيدة من نوعها وستبقى مرجعاً ما دامت كذلك، منوهة في الوقت ذاته إلى أنه قد يكون الاطلاع على أرقام وحدة الجرائم الالكترونية مفيداً في هذه الحالة.

معهد تضامن: العنف والتحرش الالكتروني يهددان 2.7 مليون أنثى في الأردن

وجاء في التقرير الذي نشره معه تضامن أن العنف والتحرش الالكتروني يهددان 2.7 مليون أنثى في الأردن يستخدمن الإنترنت من بينهن مليون طفلة.

وبحسب تضامن فإن 81% من أفراد عينة دراسة “ظاهرة التحرش في الأردن” تعرضوا للتحرش الالكتروني.

وأشار المعهد إلى أن نتائج دراسة “ظاهرة التحرش في الأردن” لعام 2017 أظهرت بأن 8 أفراد من كل 10 ضمن العينة (80.8% منهم ذكوراً وإناثاً) تعرضوا لواحد أو أكثر من أفعال وسلوكيات التحرش الالكتروني.

ودعت “تضامن” الى رفع وعي النساء والفتيات والأطفال تكنولوجياً وتجويد التشريعات والسياسات.

وأكدت بأن مواجهة هذه الأنواع من الجرائم الإلكترونية يصطدم مع حقيقة أن أغلب النساء والفتيات اللاتي يتعرضن لها ويقعن ضحايا لأشكالها المختلفة، لا يملكن الأدوات والمعرفة للخطوات الواجب إتباعها لمواجهة هذه الإعتداءات الإلكترونية ووقفها وملاحقة مرتكبيها من جهة، كما أن التشريعات لمواجهة هكذا جرائم قد تكون قاصرة في حمايتهن من الأشكال الجديدة للعنف الذي تتعرضن له.

وشددت على ضرورة التصدي لهذه الإنتهاكات من خلال البرامج والسياسات والتشريعات التي من شأنها التوعية بخطورتها وكيفية مواجهتها للأفراد والأسر على حد سواء، وإنهاء سياسة إفلات مرتكبيها من العقاب وتعويض الضحايا / الناجيات.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: