أي دور للجزائر بعد رحيل القوات الفرنسية من منطقة الساحل؟

أي دور للجزائر بعد رحيل القوات الفرنسية من منطقة الساحل؟

الجزائر

أطلق إعلان فرنسا عزمها على إنهاء عملية برخان لمحاربة المسلحين في منطقة الساحل وخصوصا في مالي، جدلا استراتيجيا حول إمكانية أن تلعب الجزائر ثاني قوة عسكرية في إفريقيا، دورا أكبر.

في الواقع تنوي الجزائر لعب دور أنشط في المنطقة، لكن هل يمكن أن يصل إلى حدّ نشر قوات خارج حدودها كما يسمح الدستور حاليا؟

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة أن فرنسا ستبدأ إغلاق قواعدها في شمال مالي قبل نهاية العام بينما لا تخفي باريس رغبتها في انخراط أكبر للجزائر في منطقة الساحل.

وقال مصدر عسكري فرنسي إن باريس “يجب أن تناقش مستقبل تحركاتنا في شمال مالي مع بعثة الأمم المتحدة في مالي ومع الجزائريين، المعنيين مباشرة باعتبارهم دولة جارة”.

وتستعد فرنسا لخفض عديد قوات “برخان” في منطقة الساحل، أكبر عملية عسكرية خارج البلاد، من 5100 رجل اليوم إلى ما بين 2500 وثلاثة آلاف.

وغرقت مالي منذ 2012 في أزمة أمنية أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا من مدنيين وجنود وعناصر من حركات التمرد الانفصالية والمجموعات المسلحة التي استغلت صعوبة مناخ وتضاريس المنطقة خاصة في الشمال قرب الحدود مع الجزائر البالغة نحو 1400 كلم.

وفي 2013 تدخلت فرنسا القوة الاستعمارية السابقة في مالي، عسكريا لمحاربة المسلحين، ونشرت في إطار عملية برخان نحو 5100 جندي في منطقة الساحل، قُتل منهم خمسون في عمليات مختلفة.

كما أرسلت الأمم المتحدة بعثة لحفظ السلام (مينوسما) تضم 18300 شخص بينهم 13200 عسكري.

ورأى مدير المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة بالجزائر التابع لرئاسة الجمهورية، عبد العزيز مجاهد، أن قرار فرنسا بالانسحاب، جاء لأنها “أصبحت غير قادرة على تسيير الوضع في مالي”.

وأرجع هذا اللواء المتقاعد في تصريح لوكالة فرنس برس، سبب “فشل فرنسا” إلى أنها “ما زالت تحمل أفكار الدولة الاستعمارية القديمة (…) زيادة على أن الأنظمة المحلية فقدت شعبيتها”.

“الحلّ جزائري”

إلا أن البلد لا يزال هدفا لهجمات جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وعنف بين الجماعات المحلية وعمليات تهريب متنوعة. وتوسعت رقعة العنف لتطال بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.

ويؤكد الرئيس عبد المجيد تبون أن الحل في مالي “لن يكون إلا جزائريا”.

وبما أنها تفضل الدبلوماسية والحوار السياسي شاركت الجزائر بفاعلية في اتفاق السلام الذي وقعته حكومة باماكو مع الاستقلاليين في 2015، وتتولى قيادة لجنة المتابعة لتطبيقه.

وتشير عودة رمضان لعمامرة السياسي المخضرم في الدبلوماسية المتعددة الأطراف والمنخرط بشدة في إفريقيا، إلى الخارجية، إلى رغبة الجزائر في استعادة السيطرة بعد تغيبها في السنوات الأخيرة في المنطقة.

وأصبح الدستور الجزائري يسمح بتدخل الجيش الجزائري خارج الحدود منذ التعديل الدستوري في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر.

وقال الرئيس تبون في مقابلة مع صحيفة “لوبوان” الأسبوعية إن “الدستور الجزائري يجيز الآن هذا النوع من التدخل، لكن الحل لا يكمن في ذلك”. وأضاف “لحل المشكلة في شمال مالي، يجب إعادة نشر الدولة هناك. عبر اتفاقات الجزائر نحن هنا لمساعدة باماكو”.

“أهمية خاصة”

يرى المحلل السياسي مبروك كاهي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة بجنوب الجزائر أن تدخلا عسكريا في مالي “مستبعد” لأن “الدولة الجزائرية حذرة جدا في تبني مواقفها، فما بالك بإرسال قوات عسكرية خارج الحدود”.

وأضاف أن “نشاط الدبلوماسية الجزائرية لغاية اللحظة مجمد”، موضحا أن “الدبلوماسية الجزائرية وضعت ثقتها الكاملة في النظام السابق، نظام باه نداو الذي زار الجزائر واستقبله الرئيس تبون وأعطاه وعودا بالمساعدة. لكن الانقلاب الأخير خلط الأمور”.

وخلال تسعة أشهر، قاد الكولونيل أسيمي غويتا انقلابين ضد الرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا، في آب/ أغسطس 2020 ثم في أيار/ مايو الماضي، ضد الرئيس الانتقالي باه نداو.

وتتمتع الجزائر بنفوذ كبير في شمال مالي.

وقال الباحث في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية (كلنجندال) رضا اليموري إنه “على الرغم من أن الدور الأمني للجزائريين ليس ظاهرا للغاية، فهم حتما على دراية بكل ما يحدث في شمال مالي من أجل أمنهم”.

وأضاف “سواء على المستوى الاستخباراتي أو من ناحية اللقاءات السرية، لديهم شبكات لتكوين فكرة جيدة عما يحدث في شمال مالي”.

في الواقع لا يمكن أن تتخلى الجزائر عن مالي بحكم الجيرة والعلاقات التاريخية وحتى العائلية بين شعوب البلدين في جنوب الجزائر وشمال مالي.

تربط علاقات عائلية أو أتنية بين المجموعات السكانية في شمال مالي وجنوب الجزائر.

وللجزائريين وزن اقتصادي وتجاري في المنطقة. في تمبكتو أو غاو أو كيدال، تعتمد الأسواق على الواردات الجزائرية- المشروبات الغازية والأرز والتمور وغيرها.

وقال اليموري إن “أي تغيير في دور الجزائر مرهون بتطور الوضع في مالي ومدى تأثيره عليها. لكن يبدو أن الحالة ليست كذلك. إنهم يريدون الإبقاء على هذا الوضع الراهن”.

وقال وزير الخارجية المالي الأسبق تيبيلي دامي إن “الجزائر استجابت لنا كلما لجأنا إليها وهذا منذ اندلاع حركات التمرد”.

وكما أن لمالي أهمية خاصة بالنسبة لأمن الجزائر باعتبارها “عمقها الاستراتيجي” كما يقول المسؤولون الجزائريون، فإن “دولة مالي لها أهمية استراتيجية بالنسبة لفرنسا” إذ إنها “تتوسط كل الدول الفرنكفونية” في غرب إفريقيا، حسب كاهي.

وأضاف أنه لهذا السبب التعاون بين البلدين “أمر ضروري وحتمي في مجالي الحوار والتنمية ومكافحة الإرهاب في الساحل”.

)أ ف ب(

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: