ماذا بعد خسارة مصر والسودان جولة مجلس الأمن أمام إثيوبيا؟

ماذا بعد خسارة مصر والسودان جولة مجلس الأمن أمام إثيوبيا؟

مجلس الأمن

لم يقدم مجلس الأمن الدولي لمصر والسودان في أزمتيهما مع إثيوبيا حول مياه النيل جديدا، بل إن أعضاء المنظمة الأممية الـ15 دعوا الأطراف الثلاثة للتفاوض عبر الاتحاد الأفريقي، وهو الموقف المتوافق مع رغبة الجانب الإثيوبي، ومخيبا لآمال المصريين.


وفي جلسته التي جرت الخميس، بمدينة نيويورك الأمريكية؛ حث مجلس الأمن القاهرة والخرطوم وأديس أبابا على الحوار بشأن سد النهضة الإثيوبي.


والجمعة، أعلنت الأمم المتحدة استعدادها دعم البلدان الثلاثة لحل الخلاف، دون أن تبين ما يمكن أن تتخذه من إجراءات وخطوات، كما أنها لم تبد رأيها بالمقترح التونسي بمجلس الأمن الداعي لوقف الأعمال الأحادية على نهر النيل.


مبعوث الأمم المتحدة الخاص للقرن الإفريقي، بارفيه أونانغا، قال في بيان بموقع المنظمة إن المفاوضات الأخيرة في إطار الاتحاد الإفريقي لم تسفر عن تقدم، وأن “الأمم المتحدة على استعداد لتقديم حل يربح فيه الجميع”.

وفي الأثناء، عاد خطاب التهديد إلى ألسنة المسؤولين المصريين، وقبيل جلسة مجلس الأمن، قال وزير الدفاع المصري، الفريق أول محمد زكي، في لقائه ببعض ضباط الجيش، إن القوات المسلحة بما تمتلكه من قدرات قتالية وأسلحة متطورة قادرة على ردع كل من يحاول المساس بأمن البلاد والشعب.


من جانبه، قال وزير الخارجية المصري سامح شكرى، أمام مجلس الأمن، إنه سبق وحذرت مصر من مغبة السعي لفرض السيطرة والاستحواذ على نهر تعتمد عليه للبقاء.


وأضاف أنه إذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقاؤها للخطر فلا يوجد أمامها بديل، إلا أن تحمي وتصون حقها الأصيل في الحياة.


المصالح قبل العدالة


الخبير المصري المهتم بملف مياه النيل الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، قال إن “مصر تمتلك قضية عادلة، لكن المجتمع الدولي لا ينظر إلى العدالة قدر نظره إلى المصالح”.


وأضاف لـ”عربي21″، أن “إثيوبيا تمثل في الضمير العالمي ذكريات الرق، والاتجار في البشر، وظلم الرجل الأبيض لأخيه في إفريقيا السمراء؛ ومن هنا فإن انحياز المجتمع الدولي إلى أديس أبابا كان متوقعا”.


وتطالب مصر والسودان باتفاق قانوني ملزم لجميع الأطراف بما فيهم إثيوبيا يضمن آلية ملء وتشغيل السد أثناء الجفاف طويل الأمد، ويحدد آلية تسوية المنازعات، بالإضافة إلى إدارة ضمان حصتي دولتي المصب من المياه.


وعن الخيارات المتاحة أمام مصر للتعامل مع هذه المشكلة، يعتقد عبد المطلب، أنها “كثيرة ومتنوعة؛ لكنني أرى أن التكامل والتعاون بين دول حوض النيل جميعا هو أفضل حل لهذه المشكلة، معتقدا أن “مجلس الأمن لن يتخذ قرارا في أي مرحلة مقبلة، وسوف يحيل الأمر من جديد إلى الاتحاد الإفريقي، وبذلك سوف تستمر الحلقة المفرغة”.

وفي رده على التساؤل: “هل الخطاب المصري الممزوج بلغة التهديد هو لطمأنة الداخل المصري، أم أنها توجه حقيقي؟”، قال إن “الكلمات المتبادلة في مجلس الأمن في أغلبها رسائل دبلوماسية، ولا تعنى بالضرورة تهديدا، أو قبولا بالأمر الواقع”.


أسباب سياسية وإدارية


الخبير المصري في الشؤون الإفريقية الدكتور خيري عمر، أكد أن مصر والسودان خسرتا جولة تدويل ملف السد الإثيوبي عبر مجلس الأمن بمواجهة أديس أبابا.


أستاذ العلوم السياسية بمعهد الشرق الأوسط، بجامعة سكاريا، أضاف لـ”عربي21″ أن “دول مجلس الأمن جاءت مع إثيوبيا ليس مع مصر والسودان، وذلك لأسباب إدارية وأخرى سياسية”.


وأوضح أن “الأسباب الإدارية تتمثل في عدم وجود نزاع حقيقي واضح، كما أنها ترى أنه يمكن حل الأزمة عبر اتفاق بالتفاوض، وبغض النظر عن مضمون هذا الاتفاق ولا نقاط الالتزامات المتبادلة فيه، فهو موضوع آخر ليس من شأن المجلس التحقيق فيه”.


وعن الأسباب السياسية، أكد “أن مشروع السد يمثل مصلحة مشتركة ومتباينة في نفس الوقت لكثير من الدول، وبالتالي ليس على المجلس أن يتخذ موقفا من تطوير السد”.


ولفت إلى جانب آخر وهو “وجود نزاعات كثيرة ومماثلة؛ وإذا فُتح هذا الملف بمجلس الأمن على مستوى دولي، سيكون مقدمة تدفع الكثير من الدول لمحاولة تدويل قضايا خلافية مماثلة حول ملفات المياه”.


وألمح لأزمات دول مثل “العراق وسوريا بمواجهة تركيا حول نهر الفرات، وكذلك خلاف الهند والصين حول نهر براهمابوترا، وأيضا الأوروبيين لو قال السويسريون إن الأرض التي ينبع منها نهر الراين ملكنا ولن تمر المياه لباقي أوروبا”.


ويرى الأكاديمي المصري، أنه كان الأجدر بمصر أن تغير الوضع التوازني لها على الأرض، وتتخذ إجراء حاسم أو تظهر نقطة خلاف تُجبر العالم على التدخل.


وأوضح أن الاتفاق بين الدول الثلاثة على أزمة السد الإثيوبي في حد ذاته كاف، ولكنه يحتاج إلى إسناد سياسي لم يتوفر له حتى الآن، وبالتالي هذا سبب رئيسي في أزمة التفاوض.


وتحصل مصر على نحو 85 بالمئة من مياهها من النيل الأزرق القادم من الهضبة الإثيوبية، والذي تبني عليه أديس أبابا سدا تتخوف مصر والسودان على حصتهما التاريخية، البالغة 55 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.


وفي تقديره، يرى عمر أن “مجلس الأمن الدولي لن يتدخل مرة أخرى لو أثير نزاع مسلح أو غيره من المواجهات ولن يكون قادرا على تسويتها، وأن الأمر سيكون في إطار الدول المعنية التي تهتم بمصالح البلدين مثل أمريكا وغيرها”.

وفي رؤيته لما تذهب له الأمور مستقبلا خاصة بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، وبدء الملء الثاني للسد، قال إن “المشكلة في كيفية حسم مصر خياراتها بالملف على المدى الطويل وتحديد المصير”.


وأكد أن هذه هي “النقطة المركزية التي يجب البحث فيها، دون الانتظار لتصرف أحادي إذا صدر، أو قرار لا يحدد إطار زمني أو وقف الأعمال الفردية، وبالتالي هنا لا مصلحة من العودة للتفاوض”.


ورغم عودة مصر لخطاب التهديد مجددا، إلا أن الخبير في الشؤون الإفريقية أشاد بعرض وزير الخارجية الصوة بشكل رائع وحدد مفاصل الأمور، مشددا على أن اللجوء لمجلس الأمن “لن يكون الحل الأخير”، ومصر تمتلك الحق في حماية مواطنيها.


وعن حديث وزير الدفاع، عن قوة الردع المصرية ضد ما يمس أمن البلاد، أكد عمر، أنه لابد أن يقترن ذلك في طريقة الأداء أو الانتشار أو الانتقال لأزمة أخرى، أو لعمليات في إطار ملف السد.


وختم بالقول: “على مصر أن تتخذ موقفا سريعا، فيما لا يتجاوز أسبوع يتحقق مداه في خطاب وزير الخارجية، مثل كثير من القضايا التي لم تحل عبر الأمم المتحدة”.


واجب الوقت


من جانبه، قال المنسق العام للائتلاف الوطني للأحزاب المصرية، ناجى الشهابي: “كلمة مصر أمام مجلس الأمن قوية وواضحة، شرحت بالتفصيل التعنت الإثيوبي خلال عقد كامل من المفاوضات الفنية الثلاثية، لجأت فيها للمراوغة والمماطلة والتسويف لجعل السد حقيقة واقعة”.


رئيس حزب “الجيل”، أضاف في رسالة إلى “عربي21″، حول الخطوات القادمة: “إذا لم يستطع مجلس الأمن الدولي إجبار إثيوبيا على التوقف عن الملء المنفرد للسد، فإن مصر ستضطر لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مقدرات وجودها وحياة مواطنيها”.


وأثارت جلسة مجلس الأمن جدلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقال الخبير في القانون الدولي المحامي محمود رفعت، عبر “تويتر”: “تحقق ما قلته الأيام الماضية أن مجلس الأمن لن يقدم شيئا”.

الصحفي القريب من جهات سيادية مصرية مصطفى بكري، اعتبر خطاب مصر أمام مجلس الأمن، رسالة “تحذير قوية لأثيوبيا ومن يقفون خلفها”. وتابع: “وضحت المواقف، من معنا ومن ضدنا ومن يخدعنا بكلامه المعسول”، في إشارة لمواقف دول مجلس الأمن وبينها أمريكا. وقلل من حجم انحياز المنظمة لإثيوبيا، قائلا: “مصر لم تعول كثيرا على مجلس الأمن، لكنها أكدت للعالم مجددا أنها داعية سلام، وتسعى لنيل حقوقها المائية”.

الأكاديمي المصري الدكتور حسن نافعة، قال إنه “حتى لو تبنى مجلس الأمن مشروع القرار التونسي فلن تلتزم إثيوبيا به، فهي لن توقف ملء الخزان ولن توافق على إبرام اتفاق ملزم خلال 6 أشهر”.
ومع ذلك، يرى أن “خطوة العرض على مجلس الأمن كانت ضرورية، لاستنفاد وسائل التسوية السلمية قبل أن تحين لحظة الحسم العسكري، التي يجب أن نستعد لها بكل جدية”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: