زوجة يحيى عياش تروي تفاصيل حياة “المهندس” وأسرارها

زوجة يحيى عياش تروي تفاصيل حياة “المهندس” وأسرارها

البوصلة – لم يكن يوم الخامس من يناير/كانون الثاني عام 1996 عاديًا بالنسبة للفلسطينيين؛ ففيه أُعلن نبأ استشهاد القائد في كتائب القسام يحيى عياش، الملقّب بـ”المهندس”، الذي دبّ الرعب في قلوب الإسرائيليين في حياته، وعاد إليهم بعد استشهاده بـ26 عامًا كالكابوس بصاروخ يحمل اسم “عياش 250” يلاحقهم في كل بقعة يهربون إليها على امتداد فلسطين المحتلّة.

وولد يحيى عياش في 6 مارس من عام 1966 لأسرة بسيطة، زرعت في نفسه الإيمان والشجاعة، وحفظ القرآن الكريم مبكرًا، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في قرية “رافات” قرب مدينة سلفيت شمالي الضفة الغربية المحتلة، ثمّ تخرج عام 1991 من قسم الهندسة الكهربائية بجامعة بيرزيت.

ومع حلول الذكرى السادسة والعشرين لاستشهاده، حاورت وكالة “صفا” هيام عياش زوجة “المهندس” وصندوق أسراره، التي عايشت معظم المراحل الجهادية في مسيرة زوجها وحياة المطاردة له من قبل قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية المختلفة.

وتستذكر “هيام” تفاصيل ارتباطها بيحيى قائلة “زواجنا لم يكن صدفة فهو ابن خالتي، وتمت خطبتي بقراءة الفاتحة عندما كنت في الصف الثالث إعدادي، ثمّ تزوجنا عندما كنت في الثانوية العامة عام 1990، وبدأت معها حياة المطاردة والجهاد وأنجبنا ابننا البكر براء عام 1992”.

بداية النشاط الشعبي والعسكري

وتسرد “أم البراء” حكاية انتماء زوجها لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعة الإخوان المسلمين، مشيرة إلى أنّ يحيى ذهب إلى الأردن بعدما أنهى الثانوية العامة في عام 1984، وكان الجميع يظنّ أنّه ذهب لإكمال تعليمه، لكن الحقيقة كانت غير ذلك، فهو ذهب ليتعرّف على طريق الجهاد وينضمّ إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وتضيف “بعد أيام فقط عاد يحيى إلى الضفة الغربية مجدّدًا، والتحق بجامعة بيرزيت في تخصص الهندسة الكهربائية، وبدأ ينسج علاقات مع القيادات الإسلامية”.

ومع انطلاق “انتفاضة الحجارة” عام 1987 بدأ يحيى نشاطه الشعبي المقاوم عبر خطّ الشعارات على الجدران، والمشاركة في المواجهات، وتجهيز قنابل المولوتوف، وتزامن ذلك مع انطلاقة حركة “حماس”، وفق زوجته.

وتستذكر أم البراء بداية النشاط العسكري لزوجها في كتائب القسام عام 1992، حيث كانت أبرز ملامح تلك المرحلة انفراد العياش بتصنيع المواد المتفجرة من مواد أولية بسيطة.

وأوضحت أنّ عددًا من أصدقاء العياش رافقوه في تلك الفترة، أبرزهم “زاهر جبارين، وعلي العاصي، وعدنان مرعي، وبشار العامودي”، مشيرة إلى أنّ بعضهم هؤلاء استشهد فيما بقي آخرون على قيد الحياة وتحرّروا من سجون الاحتلال في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011.

وتوضح أنّ يحيى بدأ بتصنيع المتفجرات بشكل بسيط في منزل عائلته، مضيفة “يومًا ما أخبرتني والدته أنّها سمعتْ صوت انفجار، ثم بحثتْ عنه ووجدت يحيى يعمل في إعداد متفجرات”.

طوّر العياش عمله وانتقل إلى ورش تصنيع في نابلس، بحسب أم البراء، وكان عمله آنذاك يتّسم بالسرية التامة، فلم يكن يخبر أحدًا بنشاطه حتى أقرب الناس إليه.

وتستدرك قائلة “لكن عندما كان يغيب لفترة ويأتي إليّ اشتم من ملابسه رائحة غريبة كالكبريت، فأشعر بما يقوم به”.

وخلال تلك الفترة بدأ يحيى يرسل هذه المواد التفجيرية والأحزمة الناسفة للاستشهاديين؛ ما جعله أخطر المطاردين للاحتلال والمطلوب الأول، فسخّرت “إسرائيل” مئات العملاء لاغتياله أو اعتقاله.

بداية المطاردة الحقيقية

لم يكن جيش الاحتلال يعلم بالنشاط الكبير الذي يشرف يحيى عياش على تفاصيله حتى بدايات عام 1993؛ إذ انكشف أمره بعد اعترافات عليه من أشخاص كان يعلمون معه واعتقلهم الاحتلال.

تقول أم البراء “عرفنا بهذا الأمر عندما جاءت قوات كبيرة من جيش الاحتلال لتفتيش المنزل بحثًا عن يحيى، وكان ذلك في شهر أبريل/نيسان 1993”.

وتصف مرحلة المطاردة والملاحقة ليحيى بالـ”صعبة جدا” على العائلة وعليها بشكل خاص “لأن أي زوجة تحب أن يكون زوجها بجانبها”.

وتحدّثت عن أول لقاء جمعها بزوجها عقب أيام من المطاردة قائلة “طلبنا منه أن يسلم نفسه إن كان الأمر لا يشكل خطرًا عليه ليقضي فترة في السجن ثم يفرج عنه، ولكنّه رفض وقال لنا حينها إنّ هذا الطريق لا رجعة عنه، وإذا وقعت في الأسر لن تروني أبدا”.

وتضيف “بينما كانت الدموع تذرف من عيني، أعدت النظر إليه بابتسامة وأخبرته أنّنا ندعمك في هذا الطريق بكل شيء، وسنبقى لجانبك ولن نتخلى عنك، ثم طلبتُ منه أن يأتي لزيارتنا كلما سنحت الفرصة”، بحسب ما ذكرته لـ”صفا”.

وتشير زوجة “المهندس” إلى أنّ مرحلة المطاردة كانت “صعبة جدًا”، ففي إحدى المرات جاء المئات من جنود الاحتلال وحاصروا المنزل وطلبوا منّا الخروج ووضع أيدينا على رؤوسنا، ثم أخذوا أحد أفراد العائلة كدرع بشري من شدّة خوفهم.

وتتابع “كانوا يخافون جدًا من لمس أي شيء، وكانوا يطلبون منّا لمس أي شيء في منزل للتأكّد من أنّه غير مفخخ”.

وتلف إلى أنّ يحيى مرّ بفترة مطاردة صعبة مع بعض رفاقه، حيث كانوا يختبؤون في مناطق بين الجبال، ولا نراه إلا مرّة كل ثلاثة أسابيع أو شهر.

مجزرة الحرم الإبراهيمي

ساد الحزن أنحاء فلسطين عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية التي نفذها متطرف إسرائيلي بتاريخ 25 فبراير، وراح ضحيتها 29 شهيدًا فلسطينيًا، إلا أنّ الشعور في صدر يحيى كان مختلفًا، فقد أشرف “المهندس” على تنفيذ 5 عمليات استشهادية أذاقت “إسرائيل” الويل؛ ثأرًا لضحايا تلك المجزرة.

وبتاريخ 06/04/1996 بدأ عياش أولى عمليات الانتقام لمجزرة الحرم الإبراهيمي، عبر تفجير سيارة مفخخة في محطة باصات العفولة؛ ما أدّى إلى مقتل 9 إسرائيليين وجرح 50 آخرين، وبعد أسبوع فقط جاءت عملية الخضيرة التي قتل فيها 5 إسرائيليين.

وفي 09/10/1994 جاءت عملية أسر الجندي نخشون فاكسمان وقتله، ثم بعدها بعشرة أيام وقعت عملية “ديزنكوف” التي قُتل فيها 22 إسرائيليًا، فيما كانت عملية سلاح الطيران في 25/ 12 من العام نفسه والتي قتل فيها 13 طيارًا إسرائيليًا آخر سلسلة علميات الثأر ردًّا على مجزرة الحرم الإبراهيمي.

وتقول زوجة المهندس “أبو البراء كان يكبر ويهلل من الفرحة عقب الإعلان عن كل عملية، وكان السرور يعم كل بيت فلسطيني لهذا الفعل الذي كان يؤلم الصهاينة المحتلين”.

الانتقال إلى غزة

وتبيّن أنّ العياش قرر الانتقال إلى غزة في شهر نوفمبر من عام 1994؛ للعمل هناك مع مجموعة من أصدقائه في كتائب القسام، على رأسهم محمد الضيف، بعدما ضاق عليه الخناق في الضفة الغربية بفعل اشتداد المطاردة الإسرائيلية له، واستشهاد الكثير من رفاقه واعتقال العديد منهم.

وتضيف “أبو البراء نجح في الانتقال إلى غزة متجاوزًا إجراءات الاحتلال المشددة، وكانت حياته في الأشهر الثلاثة الأولى سهلة لأن أحدًا لم يكن يعلم بالأمر”، كاشفة عن لحاقها به سرًا بهوية مستعارة بعد نحو شهر من وصوله للقطاع.

وتشير إلى أنّها لم تترك مكانًا في غزة إلا وجالت فيه برفقته من شدّة الملاحقة والمطاردة، خصوصًا أن القطاع كان تحت حكم السلطة الفلسطينية في تلك الفترة.

وتضيف “انكشف وجود يحيى في غزة بداية عام 1995؛ عندما اقتحمت قوات السلطة منزلًا لإحدى العائلات بمنطقة جباليا النزلة كنت أقيم فيه حينها، وأخذوا يسألون عن يحيى فتأكّدت أنّهم عرفوا بوجوده في غزة”.

وتستذكر “زوجة المهندس” تفاصيل ذلك اليوم الذي ما يزال محفورًا في ذاكرتها، قائلة “كان في المنزل قطعة سلاح، وشعرت بخوف في صدري قبل علمي بالاقتحام؛ فقمت بإخفائها مع صاحبة المنزل داخل برميل أعلاف، وعند قدوم قوات السلطة أخذوا يفتشون كل زاوية في المنزل حتى ذهبوا، دون أن يجدوها، وأخبرنا بعدها يحيى بعدم العودة لذلك البيت”.

ذكريات المطاردة

وتقول أم البراء إنّ أول منطقة دخلتها عقب وصولها إلى غزة كانت مخيم البريج وسط القطاع، حيث مكثت هناك عدة أيام، ثم انتقلت إلى حي التفاح شرقي مدينة غزة، ثمّ إلى مناطق أخرى، موضحة أنّها وزوجها كانا لا يمكثان في أي منزل أكثر من أسبوع.

وتضيف “في إحدى المرات كنت في مخيم خانيونس، وعشت في منزل عائلة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي دون أن أعلم إلّا عندما شاهدت صورة له على حائط المنزل آنذاك، وتعرفت على والدته رحمها الله”.

كما تستذكر فترة حياتهم في منزل القائد القسامي الشهيد عدنان الغول في منطقة المغراقة وسط القطاع، لافتة إلى أنّ المنطقة كانت جديدة ونائية ولا يوجد فيها تمديدات لشبكة الكهرباء أو المياه، وساعدهم يحيى في إنشاء شبكة كهرباء بسيطة.

وتشير إلى أنّها كانت تلحظ نشاطًا غير عادي، وتسمع أصوات انفجارات في ذلك المنزل؛ بفعل عمليات التصنيع المتواصلة التي كان يشرف عليها يحيى عياش وعدنان الغول.

وتتحدث “زوجة المهندس” عن انتقالها إلى منزل القائد الشهيد باسم عيسى في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، مضيفة “كنت أشعر براحة كبيرة في منزل الشهيد باسم؛ لأنّ حياتهم كانت شبيهة بحياتنا في المطاردة، وكنت على علاقة صداقة مع زوجته أم عماد وشقيقته”.

وتذكر أنّ باسم عيسى أصيب بجراح خطيرة برصاص أمن السلطة أثناء ملاحقته ومطاردته؛ ما استدعى نقله إلى مستشفى الشفاء، ورغم التشديدات الأمنية إلّا أنّ يحيى عياش أصرّ على زيارته والاطمئنان عليه.

مشاهدة “الضيف”

وتنتقل أم البراء في حديثها إلى “ذكرى جميلة” بوصفها، حينما شاهدت القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف الذي جاء إلى المنزل الذي كانت تسكن فيه وزوجها في حي التفاح شرقي مدينة غزة.

وتقول هيام “طرق الضيف الباب وفتح له ابني براء؛ فشاهدته وعرفته لأنّني كنت أحيانًا أرى ملامحه مع يحيى”.

وعبّرت عن فخرها بذلك، مضيفة “أخبرت أبو البراء (يحيى عياش) بذلك وقلت له يومًا من الأيام لو استشهد الضيف سأخرج وأقول إنني فخورة بأنني من القلائل الذين شاهدوه وجهًا لوجه”.

لقاء ما قبل الشهادة

شهد يوم الخميس 4 يناير من عام 1996 آخر لقاء جمع العياش وزوجته، بحسب أمّ البراء، التي قالت إنّ “هذا اليوم كان فيه نوعًا من أنواع الوداع”.

وتقول في حديثها لـ”صفا” إنّ شيئًا ما كان يختلج في صدرها دفعها إلى أن تطلب من يحيى عدم الاتصال عبر الهاتف من شدة خوفها، موضحة أنّه مع كل اتصال بينهما كانت تشعر بأمر غير عادي.

وعمّا دار في ذلك اللقاء، تستذكر “زوجة المهندس” وصيته لها برعاية أبنائه، وطلبه منها أخذ مولودهما الجديد “يحيى”، الذي وُلد قبل استشهاد والده بيومين، إلى منزل الشيخ أحمد نمر حمدان في خانيونس ليقوموا بإجراء عملية الطهور له.

وتصف زوجة عياش يوم استشهاد يحيى صباح الجمعة 5 يناير بأنّه “الأصعب على قلبها”، لافتة إلى أنها عرفت بالخبر وقت الظهيرة.

واغتيل العياش في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، وذلك باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحيانًا، ليخرج في جنازته نحو نصف مليون من أبناء القطاع.

وقالت “صحيح أنّ هذا اليوم كان متوقعًا ولكن المشاعر لا توصف من شدة الحزن. كنت أشاهد الناس في غزة تبكي بشدة، وخرجت جنازة مشهودة لتشييعه لم تخرج لأي زعيم عربي”.

صاروخ عياش 250

وتعتبر أمّ البراء أنّ صاروخ “عياش 250” الذي أطلقته كتائب القسام لأول مرة في معركة سيف القدس “لم يكن صاروخًا إنّما كان هو العياش يذاته. هو ملكنا، هو هدية المقاومة ليحيى”.

وتضيف “هذا الصاروخ يذكرنا أنّ أبو البراء ما يزال موجودًا بيننا”، مشيرة إلى أنّ يوم الإعلان عن إطلاق الصاروخ “كان مميزًا، وانهالت على العائلة الاتصالات من المواطنين ووسائل الإعلام لتبارك لنا غرس العياش”.

وفي 13 مايو/أيار 2021 أطلقت كتائب صاروخ “عياش 250” للمرة الأولى، بأمر من قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف، تجاه مطار رامون على بعد نحو 220 كم من قطاع غزة؛ ليصبح بذلك كل شبر من فلسطين المحتلة تحت مرمى صواريخ كتائب القسام.

صفا

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: