أجيالٌ خارج التغطية.. مستشارة تربوية ترصد ظاهرة مقلقة لـ”كوارث مجتمعية”

أجيالٌ خارج التغطية.. مستشارة تربوية ترصد ظاهرة مقلقة لـ”كوارث مجتمعية”

عمّان – رائد صبيح

ربما تعاقب بحسب القانون على استخدامك الهاتف النقال أثناء القيادة بغرامة قدرها 15 دينارًا وحسب، وهو مبلغٌ زهيدٌ إذا ما قيس بالكوارث التي يتسبب بها باعتباره سببًا لـ 60% من حوادث السير، لكنّ السؤال الأكثر وجاهة ما هي الغرامة التي يمكن فرضها على الاستخدام السلبي لهذا الهاتف داخل البيوت والشوارع والمحال التجارية على الرغم مما يمكن أن يتسبب به من “كوارث مجتمعية” حقيقية، حذرت من خطورتها الخبيرة التربوية بشرى عربيات.

وأكدت عربيات، في تصريحاتها لـ “البوصلة” أنّ استمرار استخدام الأدوات التكنولوجية، وخاصة “الهاتف المحمول” بالطريقة السلبية التي نراها يوميًا بين كل فئات المجتمع من شأنه أن يتسبب بكوارث اجتماعية خطيرة للغاية، مطالبة في الوقت ذاته بتكاتف الجهود والتصدي للاستخدامات الخاطئة لها قبل فوات الأوان.

وقالت عربيات: إنّ لكل شيء في هذه الحياة ضريبة، يتم دفعها مادياً أو معنوياً، لكن أن يصل حالُ المجتمع إلى مستوى عالٍ من التِّيه، ضريبة كبيرة جداً نتيجة سوء استخدام الأدوات التكنولوجية، وأبسطها الهاتف المحمول “الموبايل “.

وأشارت إلى أننا عندما ننظر حولنا نرى الكثير والمثير، ولنبدأ بأبنائنا الطلبة في المدارس حيث لا يمكن لأيٍّ منهم الإستغناء عن الموبايل، فتراهم يدرسون ويتابعون ما يصل إليهم من رسائل وفيديوهات وغيرها من الأشياء التي تعمل على فقدان التركيز.

المستشارة عربيات: لماذا يستخدم الناس الهواتف النقالة أثناء سيرهم في الشوارع وكأنّهم جميعًا رجال أعمال؟

ونوهت بالقول: حتى لو سألت أحدهم سؤالاً، لن يستطيع الإجابة لأن عقله لم يستمع أصلاً وبالتالي يحتاج الشخص إلى إعادة السؤال حتى يسمعه بأذنيه، وليس بعقله، لذلك تأتي الإجابة – مشوَّهة – منقوصة، أو ربما لا علاقة لها بالسؤال، مستدركة: “ليس هذا فحسب، بل إن تفكيرهم محصور فيما يتعلق بالموجود على الموبايل، الأمر الذي يعمل بالضرورة على تراجعهم علمياً ومعرفياً وأكاديمياً واجتماعياً”.

ولفتت عربيات إلى الفئة الثانية ممثلة بفئة المعلمين والمعلمات في كثير من المدارس الحكومية والخاصة، هذه الفئة تستخدم الموبايل أثناء الحصص، سواء القيام بإرسال رسائل عبر الواتس، بحجج ضعيفة واهية، موضحة بالقول: فعلى سبيل المثال تُرسل المعلمة –  أثناء القيام بالمراقبة على امتحان معين –  رسالة لمعلمة أخرى تسأل فيها عن موضوع يتعلق بالإمتحان، ليأتي الرد من صفٍ مجاور برسالة أيضاً، تُرى كيف يمكن أن يقوم المعلم بالمهام المسؤول عنها وعقله مشتت؟.

وقالت المستشارة التربوية: أضف إلى ذلك معلمات تقوم بعمل أنشطة – مزاجية – لا علاقة لها بالمنهاج، تقوم بتصويرها، ومن لا يرغب بالمشاركة بالصور يتم تسجيل موقف عليهم! والأدهى فتح الموبايل أو اللابتوب لحضور مباريات كرة القدم داخل الغرف الصفية! والسؤال الأهم لماذا تسمح إدارات المدارس للمعلمين والمعلمات باستخدام الموبايل داخل الغرف الصفية؟

وتابعت حديثها: “على جانبٍ آخر، عددٌ كبير من أولياء الأمور الذين لا يعرفون أصلاً أي مرحلة دراسية وصل أبناؤهم! موضوع مثير للعجب حقاً! هل تقتصر مسؤولية وليّ الأمر على الإنجاب، ودفع أقساط المدرسة؟ أم أنهم أصبحوا خارج التغطية أيضاً؟”.

وقالت عربيات: أضف إلى ذلك مشاهدات يومية في الشوارع، تكاد لا ترى فتاة أو سيدة أو شاب يمشون في الشارع يتحدثون مكالمات منذ الصباح الباكر! وكأن كلاً منهم رجل أعمال، أو سيدة أعمال؟ ناهيك عن الذين يمشون في منتصف الشارع وبين السيارات، وهم يكتبون رسائل!، متسائلة في الوقت ذاته: تُرى ما هو الأمر الخطير الذي لا يمكنهم تأجيله دقائق؟ والأسوأ من يقود السيارة ويستخدم الموبايل في نفس الوقت، كيف يمكنهم التركيز؟ إن معظم هؤلاء يتسببون بحوادث سير لا تُحمد عقباها، لأننا نرى سيارة تتحرك وحدها دون وجود عقل يحركها، ذلك لأن السائق خارج التغطية أيضاً!

ونوهت إلى أنّ “الوضع إلى المحلات التجارية والصيدليات، فإذا دخلت أي مكان منها، تحتاج إلى وقت ليتنبه البائع أن هناك شخصًا يطلب الخدمة، إذ ترى كثيراً منهم يلهو بالموبايل، ولا يرى أو يسمع من دخل المكان، إنهم أيضاً خارج التغطية!”.

وختمت المستشارة التربوية تصريحاتها لـ “البوصلة” بالقول: “أعتقد أنها أصبحت ظاهرة مقلقة في المجتمع، أجيالٌ خارج التغطية، هذه الظاهرة مقلقة لأنها تؤدي إلى كوارث مجتمعية، بدءاً من الطالب الذي سوف يبتعد بالضرورة عن فكرة التعلُّم، مروراً بالمعلمين المربّين، وأولياء الأمور، انتهاءً بشرائح مختلفة في المجتمع، هي حالة من الفوضى الفكرية التي يجب التصدي لها لأن الأخطار الناتجة عنها كبيرة وكثيرة، وهذا يقع على عاتق كل فرد وكل مؤسسة حتى يعود كل إنسان إلى وعيه قبل فوات الأوان!”.

60 % من حوادث السير سببها الانشغال بالهاتف

وبحسب ما أكد مصدر أمني فإن ما يفوق 60 % من حوادث السير يكون سببها الانشغال باستخدام الهاتف النقال اثناء القيادة، وبعض تلك الحوادث تكون مدمرة وتنتج عنها وفيات او اصابات خطيرة.

وقال المصدر لصحيفة الغد إن رجال السير لا يتهاونون بمخالفة من يستخدم الهاتف أثناء القيادة، غير أنه شدد على ان الدور الرئيسي في مواجهة الظاهرة يظل في وعي السائقين أنفسهم وقناعتهم بمدى خطورة ذلك السلوك على حياتهم وحياة الآخرين.

وكان رئيس الجمعية الأردنية للوقاية من حوادث الطرق المهندس وفائي امسيس، أكد أن هناك ارتفاعا في أعداد الوفيات من جراء حوادث السير في الأردن بالمقارنة ما بين العامين 2020 و2021.

سجل العام 2021 ارتفاعاً في أعداد الوفيات بحوادث السير التي غالبيتها العظمى بسبب استخدام الهاتف النقال

وأضاف امسيس عبر قناة رؤيا ، أن عدد وفيات حوادث السير في الأردن عام 2020، بلغ 461 وفاة، فيما سجل العام 2021، 589 وفاة.

وأشار إلى أن عدد حوادث السير في العام 2021، بلغ 160 ألف حادث سير، نتج عنها 1800 إصابة بليغة.

وبين امسيس وجود خلل في سلامة المنظومة المرورية ككل، موضحا أن أسباب حوادث الطرق يتمثل في الهاتف النقال و”الإدمان” في استخدامه في أثناء القيادة، واتخاذ المسارب الخاطئة، وأن المسبب الرئيسي لحوادث الطرق هو السرعة الزائدة.

يذكر أنّ عقوبة استخدام الهاتف النقال اثناء القيادة ضمن قانون السير رقم (49) لسنة 2008 المادة 38:

“يُعاقب بغرامة مالية مقدارها (15) خمسة عشر دينارا لكل من ارتكب مخالفة استخدام سائق المركبة الهاتف اثناء سير المركبة اذا كان الهاتف او جزء منه محمولا باليد”.

لكنّ استخدام الهاتف في أماكن أخرى وما يتسبب به من كوارث اجتماعية وصحية لا يوجد عليه أي غرامات أو عقوبات.

الهاتف والعلاقات الاجتماعية

ويشعر الكثير من الخبراء بالقلق تجاه اللحمة الاجتماعية، فإنه وفضلا عن مساهمتها في ضمور مهارات التواصل، فان الهواتف الذكية تهدد التماسك الاجتماعي بالعموم، بحسب تقريرٍ نشرته “الجزيرة نت”.

ونتيجة لهذا فقد تجد غرفة مليئة بالأشخاص مجتمعين فيزيائياً لكنهم لا يتفاعلون مع بعضهم البعض، اذ ترى ان كل شخص منصبا على هاتفه منعزلا عن جلّاسه.

يصبح أغلب الناس صامتين رغم جلوسهم مع بعضهم البعض أثناء استخدامهم للهواتف النقالة

فمثلا أنك تجد من الشائع جداً ان تذهب إلى المطعم وتجد طاولة مليئة بالأشخاص الجالسين حولها وكل واحد يتحدث عبر هاتفه بدل التحدث مع جليسه.

تسمي عالمة النفس الامريكية توركل هذه الحالة بـ “مجتمعون لوحدنا” حيث تقول “نحن مجتمعون معاً ولكن كل واحد منا يعيش داخل فقاعته، مرتبط بشدة بلوحة المفاتيح وشاشة اللمس الصغيرة”. لذلك تشعر توركل أن هذا السلوك يهدد التماسك الاجتماعي.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: