د. ضرار مفضي بركات
د. ضرار بركات
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

أهمية دراسة التاريخ العربي في تنمية الأفكار والتخلص من التدمير الثقافي

د. ضرار مفضي بركات
د. ضرار بركات
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

يأتي هذا المقال في التعريف بأهمية التاريخ ومصادره، وعلاقتهما في البناء الحضاري النوعي؛ استناداً إلى صدق المورد، إلى جانب تنمية الأفكار الجديدة واستثمارها، إذ أنَّ “التاريخ ومصادره” يُعدان مرحلة أساسية ومُهمة في معرفة الجذور والهوية الإنسانية في علومها المختلة؛ تأصيلاً وبناءً وتطويراً، في كل مراحل الحياة الاجتماعية، والدينية، والثقافية، والجغرافية، والإيديولوجيات، السياسية، والاقتصادية، وعلى رأسها العلوم الاجتماعية، بل وفي خدمة المُجتمع الإنساني المُتحضر، كالبحوث العلمية والإستراتيجية، دراسة واكتشافاً، وتنقيباً وتحقيقاً للوقائع، بل يُشكل دراسة التاريخ للمؤرخ أدواراً مُهمة؛ لدراسة الأحداث الماضية، وتفسيرها بشكلٍ مستمر؛ ربطاً بين الأصالة والحاضر؛ ليُشكل بهذا جِسراً يربط بين الماضي والحاضر، بأسلوب إبداعي خَلاَّق وجميل؛ فما هو علم التاريخ؟ وما هي أهميته وأهدافه؟ وما هو دوره في قوة البناء الحضاري لمجتمعاتنا؟ وذلك في محورين، هما:  

المحور الأول: ماهية علم التاريخ وأهميته وأهدافه:    

يُعرّف علم التاريخ(History): بأنَّهُ العلـم الذي يهتمُّ بِدراسة “السجل الزمنيّ” للأحداث، التي أثرت على أمةٍ ما، إذ يستند على الفحص النقديِّ لمصادر المعلومات المُختلفة، ويُقدّم تفسيراً لأسباب هذه الأحداث، حيثُ يجمع المعلومات المُرتبطة بــ”المواضيع التاريخيّة” من عدّة مقالات تشمل على تاريخ، وثقافات الشعوب، والدول، كما يحصل على المعلومات التاريخيّة للشؤون العسكريّة، وكذلكَ في الاقتصاد، والقانون، والدين، والعلوم، والأدب، والفنون، والفلسفة، وغيرها من المجالات الإنسانيّة.

    إنَّ التاريخ في البداية ينقل لنا التجارب السابقة التي خاضتها الشعوب التي مرت على هذه الأرض فمن خلال تجاربهم وما آلت إليها هذه التجارب؛ نستطيع استنباط “القواعد العملية” التي أدت إلى نجاح حضارة من الحضارات، ومعرفة الأخطاء التي أدت إلى فشل الأخرى، ومعرفة أسباب استقرار أُمة من الأمم أمام أحداث هزت ودمرت أُمَماً أُخرى.

    وبالتالي فإنّ أهمية “مصادر التاريخ” بمجملها تهدف إلى تحقيق “الدراسات التاريخية” بين الماضي والحاضر، والعمل بجدية فاعلة، ومحاولة التفريق بينَ الواقعية والخيالية؛ للأحداث التاريخية، بناءً على فحص مجموعة واسعة من المصادر ذات الصلة؛ لأنَّ “التاريخ”  كعلم واسع وممتد: هو مصدر العديد من أفكارنا ومُعتقداتنا وعاداتنا؛ لذلك يحتاجُ مِنا إلى الفهم الصحيح للماضي؛ لكي يجعلنا أمام وقائع أكثر فائدة ومُناسبة؛ لتقدير التغيرات الحاصلة في الحاضر؛ بِمعنى مُحاولة التعلم من أخطاء الماضي؛ لتفاديها مُستقبلاً بخطوات علمية مُنضبطة؛ اعتماداً على كُل ما يخدم العملية: البحثية والدراسية؛ للتاريخ من السجلات، والكُـتب، والصور، والرسائل، والأدلة التاريخية المادية، كالنقوش والمخطوطات، وغيرها، من التي كُشفت سابقـاً، أو مـا زالت تُكتشف، وهذا في أهمية دراسة مصادر التاريخ العربية، ودورها في البناء الحضاري لمجتمعاتنا؛ خاصةً في التخلص من التدمير الثقافي من قبل القوى الأجنبية، وبيان هذا في المحور التالي.    

المحور الثاني: أهمية دراسة مصادر التاريخ العربية، ودورها في البناء الحضاري لمجتمعاتنا:

   تبرز أهمية دراسة التاريخ العربي ومصادره، ودوره في البناء الحضاري لمجتمعاتنا؛ لكونه ضرورة قومية ودينية؛ خاصةً في التخلص من التدمير الثقافي من قبل القوى الأجنبية؛ وبهذا يقول: محمد بيومى في كتابه: (دراسات في تاريخ العرب القديم): ((ودراسة التاريخ العربي القديم -فيما أرى- ضرورة قومية ودينية، ضرورة قومية؛ لأنَّ هذا تاريخنا، بل إني لا أظن أنني أغالي كثيراً، إن قلت إنه في بعض الأحيان، واحد من الأسس الرئيسية؛ لدراسة تاريخ الشرق الأدنى القديم، فالحقائق العلمية تقول: إنَّ بلاد العرب، إنَّما هي المُوطن الأصلي للساميين، وأنَّهم خرجوا منها في فترات مُختلفة، فيما بين الألف الرابعة والثانية قبل الميلاد، إلى مصر وسورية والعراق، وهي كذلك موطن العربية -اللغة السامية الأم-ثم هي لا تختلف عن غيرها من بلاد المنطقة العريقة في الحضارة، قامت بها دول، ونشأت فيها حضارات، وأسهمت بنصيبها فيما قدمه هذا الشرق الخالد للإنسانية من أيادٍ بيضاء، ومن ثم فقد تأثرت بلاد العرب بحضارة تلك المنطقة، وأثرت فيها، وارتبطت بها بعلاقات، سادها الود أحياناُ، والنفور أحياناُ أخرى، ومن ثم فتاريخها جُزءٌ من تاريخ هذا الشرق الأدنى)).

   غير أنَّهم تعرضوا لقوى أجنبية تتحكم في مصيرهم، وتنهب خيراتهم، إلى جانب ذلك فانُّ التاريخ العربي ضرورة دينية؛ تاريخياً ودينياً كما هو معلوم بأنَّ الله سبحانه وتعالى قد اصطفى من بلاد العرب، بعض أنبيائه ومرسَلِيه؛ فمكانة الإسلام فريدة وعظيمة في التاريخ الإنساني، لا يُمكن معرفتها بصورةٍ صحيحة، إلا إذا دُرسَ تاريخ ما قبل الإسلام؛ حتى نستطيع التعرف بصورة واضحة على أثره، لا في بلاد العرب فحسب، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء؛ لأنَّ الأشياء إنما تعرف بأضدادها، فهذا جانب في التاريخ الإسلامي العربي وعلاقاتهم الدولية في العصور المُتقدمة.

   وهذا التاريخ القيِّم يجب أن لا يُنسى ، بل يجب أن يكون دائماً حاضراً مطبوعاً في الأذهان، وحافزاً في الابتكار الجديد من الأفكار، وفي استثمارها وتنميتها بين أصالتها وحاضرها؛ بطاقات حيوية؛ تتحرك من خلالها السواعد والأقدام، بهممٍ عالية، وخططٍ فاعلة ومدروسة؛ سعياً للتقدم النوعي الدائم، وتخلصاً من المُعرقل العائق. يقول المُفكر العربي مالك بن نبي: ((الأفكار المطبوعة على تلك الأسطوانة قد أثارت العواصف في التاريخ الإنساني منذ أربعة عشر قرناً.. فهي في البداية قلبت رأساً على عقب، وسطاً بدائياً؛ فوضعت طاقتهُ الحيوية في حدود حضارة، وجعلتها تستجيب لقواعدها وأصولها؛ لنظامها الصارم.. وقال: لقد كانت لحظة (أرخميدس) التي عاشتها الجزيرة العربية عندما تلقت الرسالة لحظة لا مثيلَ لها في العظمة)). ثم أعطىَ مالك بن نبي جوانبَ تطبيقية لرسالة المُجتمع الإسلامي وتاريخه؛ بإطارها العام ذات الثوابت والأصول؛ كيف لا؟! والتاريخ الإسلامي من أصدق الموارد، التي يٌستنبط منها الشواهد والأدلة الدينية والتاريخية؛ فهي مصادر وينابيع؛ تُسقى مِنها العُقول: فكراً وعلماً، وتتحدث بِها الأَلسُن: فصاحةً ونَـقلاً، وتتحرك بها الأيدي: سُطوراً وكتابة وتدويناً؛ وتتغنى بها الأجيال: مَجداً وتاريخاً ومنهجاً.

  ويقول عبد العزيز صالح: ((وأقرب إلى الوقائع التاريخية فيما كتبهُ المؤرخون المسلمون، فهي أخبار عهود الجاهلية القريبة من ظهور الإسلام، أما ما سبقها من عصور فقل منهم من أخضع رواياته عنها للنقد العلمي، وندر منهم من استطاع أن يقرأ نُصوصها القديمة قراءة سليمة، ثم قال: هناك مصادر عدة، ولكنها في حقيقتها لا تزال مصادر شحيحة لا تُعطي الكثير لاسيما بالنسبة للعصور الأولى من التاريخ العربي القديم، وهي باستثناء آيات القرآن الكريم، مما يستفاد منها في تحديد وتصوير الخطوط العامة للتاريخ العربي القديم)).  

   وبالتالي فإنَّ من آثار التاريخ العربي الأصيل، وبالأخص الإسلامي ومصادره على استقرار الشعوب ورقيها؛ ما يكون مُستمداً تاريخياً -آصالةً ومنهجاً وسُلوكاً- من خلال تلكم القيم الأخلاقية والجمالية وما فيها من صدقٍ وأمانة، ونُصرة للمظلومين، ونقلٍ للأخبار الصادقة عن النبوة والسيرة والحديث وما ورد فيها من أخبار وقصص الأمم السابقة؛ بشواهد من القران الكريم ومن السنة النبوية ومن أخبار السلف الصالح؛ فهي موجودة ومطبوعة في أذهان المسلمين تاريخياً وحضارياً ذات الأصالة؛ عبرةً وعِظة، وهذا يُعد من أهم مصادر القوة والعزة والتمسك بالمصادر الثابتة والسليمة؛ والتي تتوافق مع سلامة العقول وسلامة الفطرة؛ خاصةً بدايات التاريخ الهجري من مكة إلى المدينة المنورة، في الجزيرة العربية، والتي أثارت العناوين التاريخية والجغرافية وفيما سطره الصحابة من أروع أنواع الفداء والتضحية؛ لتصبح عنواناً ومضموناَ ومصدراً في تاريخ الحضارة الإسلامية، العالمية والإنسانية ككل.  

   كما أنَّ علماء الثقافة المعاصرين أدركوا الحاجة إلى بُعد روحي في الدوافع التي تحرك أفراد المجتمع، وتحدد أفعالهم، والحوافز التي تحفزهم على الاستمرار في العمل والاجتهاد، فالأفكار هي التي تحفز المجموعات الاجتماعية، وتعطي معنى لحياتهم، وبل هي سبيل لإهامهم قواعدهم القانونية، بحيث تكون تلك القواعد، متوافقة مع تلكم الأفكار ، لكي تنصب بالنهاية محققة للأهداف النوعية ذات النتائج الحقيقية والملموسة.

    ومن آثار دراسة التاريخ العربي الإسلامي ومصادره؛ أنَّـهُ أساسٌ في خدمة الإنسانية، وسبيلٌ للعيش الكريم، بعيداً عما فعلته القوى الأجنبية وما زالت تفعله، من طمس للحضارات وتشويهها، واستعباد شعوبها، بل العمل بجد واجتهاد للتخلص مِمَا يَفعلونهُ من استيطانٍ، وتقسيم وتمزيق، وإضعاف في كيان الأمة العربية والإسلامية، أساسهُ: الاستبداد، بالترهيب والترويع بالإرهاب والتلويح بالعصا، فضلاً عن الاستغلال بالتبعية الاقتصادية ونهب الخيرات، واستغلال مواردها وسلب حقوقها، وبالاحتلال الجغرافي للأرض، والفكري، من طريق العلمانية، والتغريب الثقافي، فضلاً عن عودة الاستعمار العسكري من جديد، المدمر للإنسانية وممتلكاتها.

  إذ أنَّ دراسة التاريخ ومصادره؛ سبيلٌ لتعزيز الذاكرة الوطنية، وتعزيزٌ لُكل معاني الانتماء والتضحية؛ وبناء القوة الرادعة؛ للتخلص من كُل ما تشهدهُ الأمة اليوم من تدميرٍ للبنية التحتية، والمراكز الثقافية والتعليمية، وطمس للهوية: إما بتدمير المراكز الثقافية والتعليمية والدينية، وإما بتحريف المصادر التاريخية التراثية والجغرافية، كما فُعلَ في سوريا ولبنان والعراق وغيرها، وما يُفعل اليوم في فلسطين عامة، وغزة خاصة؛ لهو دليلٌ شاهد ومُشاهد على بجاحة وغطرسة -الكيان الصهيوني والمُستعمر الأمريكي- وما يفعلهُ من استيطانٍ، وقمعٍ، وقتلٍ جماعي، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتدمير لكل معاني الحياة، والله المُستعان.

المراجع:

1. مهران، محمد بيومى، دراسات في تاريخ العرب القديم، ط2، دار المعرفة الجامعية، طبعة مزيدة ومنقحة، على الموسوعة الشاملة، على: (https://shamela.ws).

2. مقال: بركات، ضرار مفضي،(2023م)، “أدبيات مالك بن نبي في تحليل ثقافة الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة”، على موقع وكالة البوصلة الأردنية: (https://albosala.com).

3. صالح، عبد العزيز، تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة، مصر، مكتبة الأنجلو المصرية، د.ط.ت، الموسوعة الشاملة، قسم التاريخ.

عضو محاضر غير متفرغ/ ج. جدارا – ويعمل في وزارة التربية والتعليم/

وعضو الاتحاد الأكاديميين والعلماء العرب/ المملكة الأردنية الهاشمية[email protected]

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts