البشير لـ “البوصلة”: تمرير الموازنة مخيب للآمال وتكريسٌ لأزمة المالية العامّة

البشير لـ “البوصلة”: تمرير الموازنة مخيب للآمال وتكريسٌ لأزمة المالية العامّة

عمّان – رائد صبيح

عبّر الخبير الاقتصادي محمد البشير في تصريحاته لـ”البوصلة” عن خيبة أمله الكبيرة من تمرير النواب للموازنة العامة، دون تصحيح المسار الاقتصادي الذي يكرس الأزمة الاقتصادية المستمرة بسبب السياسات الاقتصادية التي يمارسها تحالف السلطة ورأس المال بمباركة المجلس التشريعي والذي أصبح ظاهرًا للعيان أنهم جميعًا مستفيدون ولمصالحهم الخاصة على حساب الوطن والمواطن.

وأشار البشير إلى أنه و”كما ورد في كثيرٍ من كلمات النواب حول جمود هذه الموازنة وعدم قدرتها على تلبية حاجات الأردن وحل مشاكله المتعددة التي تبدأ بنسبة النموّ وتمرّ بالعجز في الميزان التجاري وتنتهي بملف البطالة والفقر”.

وتابع بالقول: طبعًا لماذا هذا الجمود؟ لأنّ بندين فقط استحوذا على النفقات الجارية على وجه الخصوص، وهناك نفقات رأسمالية تتعلق بمشاريع سابقة، وبالنتيجة كما هو معلوم، فالسياسة المالية التي تستند إلى الموازنة على وجه الخصوص باعتبارها تحمل عنصرين هامين من أدوات المالية العامة المتمثلة بالنفقات الجارية الكبيرة، والتي فعلاً محصورة بهذين البندين، والأمر الآخر الضرائب والعبث الذي لم يعالج حقيقة وضع الضرائب الذي استمر تاريخيا من قبل الحكومات في تعزيز الضرائب غير المباشرة على حساب المواطنين وحساب الاقتصاد الوطني على حدٍ سواء.

واستدرك البشير بالقول: فعندما تكون ضريبة المبيعات على الصناعة والزراعة من خلال مدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي وعلى المنتج النهائي بهذه الأرقام الفظيعة ١٦٪، وإن تحدثنا عن هذه الضريبة وانعكاساتها على المشتقات النفطية والتي تنعكس على الصناعة والزراعة أيضًا على وجه الخصوص، فإننا ندرك كم هي الحكومة غير جادة في حل مشكلة الأزمة في هيكل الاقتصاد الوطني الذي يعاني من سيطرة قطاع الخدمات المتمثل في قطاع البنوك وقطاع التأمين وقطاع الخدمات المهنية الأخرى والقطاع التجاري الذي أهمّ تجلياته ارتفاع فاتورة الاستيراد على حساب فاتورة التصدير بسبب هذه الأوضاع وهذه الهيكلية الاقتصادية.

تعزيز للأزمة الاقتصادية واستمرارها

وشدد الخبير الاقتصادي على أن تمرير هذه الموازنة سيعزز الأزمة الاقتصادية المستمرة ومتبلورة فيها استمرار العجز في الموازنة بين الوحدات المستقلة والوحدات الحكومية الذي يبلغ مليارين و٨٠٠ مليون دولار وهذا رقم مذهل بلا شك.

ولفت إلى أن الحكومات بما فيها الحكومة الحالية تتحدث عن أن الوحدات المستقلة للإنقاذ، وهي لوحدها لديها ٨٠٠ مليون خسائر وعجز في الموازنة.

وأوضح البشير هذا كله يؤكد مرة أخرى أنّ الحكومة والنواب وطبقة معينة في المجتمع مستفيدة من هذه الأوضاع على حساب الغالبية العظمى من الأردنيين.

ولفت، “دائمًا نقول إن أهم نتائج ذلك أن مديونية الأردن تزيد وديون الأردنيين تزيد، وودائع الأغنياء تزيد، وهذه العلاقة المستمرة والمطردة بين معاناة الناس والاستفادة الكبيرة للطبقة التي تحكم سواء كانت السلطة التنفيذية أو التشريعية، فهي بلا شك مستفيدة من هذا الأوضاع التي نعيشها”.

لماذا لا يصحح النواب المسار؟

وقال البشير: “كان بإمكان المشرعين الأردنيين تصحيح المسار الاقتصادي اليوم، فعلى سبيل المثال عندما يقولون نريد زيادة الرواتب على سبيل المثال فهذا مطلب، وهو يعني بشكل أو بآخر عبء جديد على الموازنة لكن في المقابل مطلوب من مجلس النواب أن يقدم حزمة تشريعات، في البداية يعيد موضوع الضريبة على المبيعات إليه، بدلا من إعطائها كما حصل للحكومة سابقًا، وأيضًا جداول السلع الخاضعة أن يعيدها”.

وأوضح أنه يجب على المجلس أن يعود لملف الضرائب الذي هو عنوان الحركة وهو الذي يوزع العدالة ويقلص الفجوة بين دخول الناس، ونعني بتقليص الفجوة أنّ من يأخذ دخلاً عاليًا من الطبقة المستفيدة من الأوضاع التي نعيشها، يدفعون ضرائب دخل إن كان مجلس النواب عاجزًا عن منع التغول على اقتصادنا الوطني، والوظيفة العامة والخاصة، ومشكلتنا ليست فقط أن بعض الناس يأخذون مكافآت، داخل الوظيفة العامة، فهناك أشخاص متعددين يخرجون من الحكومة ويذهبون للقطاع الخاص ويأخذوا رواتب فلكية، وهذه الحالات عندما تصطادها ضريبة الدخل وتعود كما كانت سابقًا وتقلص الفجوة بين موظف في بنك أو شركة يحصل على راتب يجب أن لا يزيد عن ١٠ أضعاف ما يأخذه الصف الأول من هذه المؤسسات والشركات، تعني أنك بمعالجة تشريعية يمكن أن تعيد للخزينة ما يمكن خسارته من تخفيض ضريبة المبيعات على مدخلات الإنتاج وعلى السلع المستهلكة لغالبية الناس.

وأشار إلى أنه “في الوقت ذاته عندما نقول المشتقات النفطية ومشتقات الطاقة تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني والمواطنين على حد سواء، وعندما تصر الحكومة على عدم الشفافية بعدم الإفصاح عن كيفية التسعير، أو ما هو هذا التسعير، أو فرض من قبل مجلس النواب على الحكومة بتخفيض الضريبة على المشتقات النفطية”.

النموذج اللبناني يكشف التغول في الأردن

وقال الخبير الاقتصادي: ليس معقولاً أن دولة لبنان التي تعاني من أزمة مالية وانهيار الليرة وانهيار اقتصاده، تكون المشتقات النفطية عنده أقل من أسعار الأردن المستقر والذي نتحدث فيه عن الأمن الذي نعيشه وأن القادم أجمل وأفضل، وهذا مثال حقيقي على تغول الطاقة.

واستدرك بالقول: في الوقت ذاته موضوع الفوائد، التي ترتفع والأردنيون عليهم ديون ٣١ مليار ما بين شركات وأفراد، وهي كلفة على الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الإجمالي، وهي التي تحول دون تقدمه، ويتم رفع الفائدة كما يفعل الفيدرالي الأمريكي بدون ما تعالج المشاكل الاقتصادية.

وشدد على أنه يجب أولاً معالجة المشاكل بتخفيض الضرائب على الناس والشركات وافرض ضرائب على البنوك التي تحصل مبالغ كبيرة بسبب السياسات النقدية التي تمارسها وتتبعها من خلال البنك المركزي.

كما أكد أنه يجب على الحكومة رفع ضريبة الدخل على البنوك لتعوض ما يمكن أن تخفضه من ضرائب المبيعات على المواطنين والمشتقات النفطية.

مرونة التشريعات لمواجهة الاختلالات

ولفت البشير إلى أن هناك مرونة عالية من خلال التشريعات التي تترافق مع إقرار الموازنة، وفي اللحظة التي تقول أن عشرة نواب يستطيعون تقديم تشريع للتعديل أو تقديم تشريع جديد، مارس صلاحياتك كمجلس، لكن جزء كبير من هؤلاء النواب هم مستفيدون كما هي الطبقة السياسية المتحالفة مع أصحاب رؤوس الأموال.

وعبر عن أسفه من أن تمرير الموازنة مخيب للآمال كما هو متوقع، كما هو تكريس لأزمة المالية العامة بازدياد المديونية وانعكاسها مباشرة، يعني عندما نرى ١٦-١٧٪ من النفقات الجارية هي لخدمة المديونية فهذا شيء كارثي، وعندما نرى ٧٠٪ من النفقات الجارية هي الرواتب ومشتقاتها وللطبقة الأولى من المتنفذين في السلطة التنفيذية، فهذا تكريس لكارثة مستمرة.

وقال البشير: أتذكر منذ حكومة النسور سألني أحد الصحفيين والإعلاميين، وكان هناك قرض بقيمة ٢٥٠ مليون في عام ٢٠١٦، هل هي آخر مديونية، فقلت أبدًا ما دام هذا النهج مستمرًا فإن المديونية ستزداد، وكانت المديونية ٢٠ مليار دينار، واليوم المديونية ٣٧ مليار دينار.

وختم تصريحاته لـ “البوصلة” بسؤال استنكاري: هل من المعقول أن ندفع لخدمة المديونية أكثر ممّا ندفع لصندوق التقاعد؟ نحن دولة أردنية عمرنا مائة سنة وفاتورة خدمة الدين العام أكثر من فاتورة التقاعد؟ وهذا شيء فظيع سببه السياسات المالية والسلطة التنفيذية والسياسيون الذين يديرون بلدنا؟

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: