د. أحمد داود شحروري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الحمى المستباح والعرب المغيّبون

د. أحمد داود شحروري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

منذ سقطت الخلافة الإسلامية على يد أتاتورك قبل مئة عام كاملة ذهبت ريح العرب والمسلمين. عَلّمونا أن الدولة العثمانية تركية، وأن الأتراك قد حاربوا العرب والعربية، فاختزلوا بزعمهم هذا ستة قرون في سنوات عجاف لم يحكم فيهن الإسلام ولكن تحكمت جمعية “الاتحاد والترقي” و”تركيا الفتاة” في الحياة العامة، فليست السلطنة العثمانية هي المسؤولة عن حرماننا من اللغة العربية ولا من الأذان بها ولا مِن تعلّم القرآن ولا من تغيير الحروف التي تكتب بها اللغة التركية للتخلص من أي شيء يذكّر بالعربية ولو كانت حروفا تٌنطَق بالتركية، ليس أرث سليمان القانوني هو المسؤول عن شرذمتنا، ولا محمد الفاتح هو المسؤول عن ذلّنا، ولا عبد الحميد الثاني هو المسؤول عن ضياع أقصانا مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء السلاطين العثمانيون وغيرهم وحّدونا أمة قوية في وجه الصليبية القديمة وامتداداتها الاستعمارية، هؤلاء من أذلوا الفرنجة حين فتحوا القسطنطينية فكانوا نعم الجيش وكان قائدهم نعم القائد بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء هم من منعوا اغتصاب بيت المقدس حتى أسلمها للصهاينة تخاذلنا اليعربي.

ليست دولة الخلافة العثمانية هي المسؤولة عن تخاذل الأمة العربية عن نصرة حقها المضيّع بيدها، فلقد كان الأتراك كسائر الأعاجم يعدوننا نحن العرب أحفادَ الرسول ويقبّلون أيدينا تبركا بنا، وهذا ما رأيته ولمسته بنفسي يوم زرت بعض الجمهوريات الإسلامية الخاضعة لحكم الاتحاد السوفييتي سابقا يوم ابتُعِثْ لهم ثلة من الدعاة بعد تفتت الاتحاد السوفييتي أوائل التسعينيات ينعشون ذاكرتهم لما كان من إرث حضاري إسلامي في بلادهم، لقد رأيت منهم العجب، رأيت مترجمهم الداغستاني يعرف العربية بقواعدها واختلافات مدارسها بصرية وكوفية ويناقشني في إعراب الكلمات والجمل، وقد تعلّم القرآن تحت الأرض عشرين سنة هروبا من بطش الدولة به لو علمت بما يصنع، لقد ذهبت إليهم لأعلّمهم، فتعلّمت منهم الحساسية البالغة في الغيرة على الدين والتراث ولغة القرآن، تعلمت منهم الصبر على التحصيل، وتعلمت منهم الحساسية في الأدب مع العرب لأنهم (أقارب) رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لم يستعمرنا الأتراك ولا كرِهَنا الأعاجم بقدر ما كرِهْنا نحن أنفسَنا، فقد كان تحالفنا مع الشيطان لأجل الحكم والرياسة أشد فتكا بنا من طاعون عمواس، لقد كان تنافسنا على خدمة مشاريع أعدائنا لننال منهم حظوة في الملك والثروة أشد علينا من عام المجاعة.

والاسترسال في هذا الموضوع ليس مقصودنا هنا، فما يحدث اليوم من امتهان للعروبة والإسلام هو ثمرة فرقتنا وتضييعنا لإرث نبينا وتفريطنا بالحاكمية الراشدة، وليس أول براهين تفريطنا ما كان أمس من الإعلان عن احتلال الصهاينة لمعبر رفح من الجهة المصرية، وإذا بقينا بهذا التخاذل السياسي والعسكري فلن يكون هذا الاحتلال آخر براهين التفريط والتخاذل.

لقد توعد الصهاينة منذ خرجوا من غزة أن يعودوا إليها، فماذا فعل العرب؟ لقد حوصرت غزة سبع عشرة سنة بيد العرب أنفسهم خوفا من مشروع غزة التحرري، فماذا دهى عروبتهم ؟ لقد تشفى بعض العرب، لا بل بعض الفلسطينيين السلطويين بما حلّ بغزة، فهل هذه جريمة عثمانية هي الأخرى أيها العقلاء أم سخيمة عربية؟!

ولقد علق بعض “نوابغ” السياسة العربية بأن احتلال رفح يمنع سفر الفلسطينيين ويؤخر وصول المساعدات لهم، وكأن الدنيا كانت أول أمس قمرة وربيعا، وكأن الصهاينة لم يكونوا يمارسون أعمالا شُرَطية على المعبر تبحث عن الإبرة التي تنخزهم من بين “بُقَج” صدّرها بعض المحسنين ليكفن بها أهل غزة،  فما تغني البقج عن قوم يُقتَلون؟!

لو صحا عمرو بن هشام من مصرعه فرآى أن العرب اليوم يحتقظون لأنفسهم بحق الرد في الوقت المناسب لقال لهم: ويحكم، وهل تبيت حفيدات أبناء عمنا محمد ليلة دون أن ننصرها على من استباح حماها ؟ ولو قام أبو طالب من رقدته لوقف عند باب المعبر يقول للصهاينة : والله لا أُسلم المعبر لكم ولا تتجاوزونه مادمت حيّا. ولقد نطقت جنوب إفريقيا بلسان العرب غير المسلمين المنبعث من عمق تاريخنا، وما نطق جمهور النظام العربي المعاصر بأكثر من نعيق غراب صبّح قوما فملأ نهارهم شؤما!!

أيها الأعراب، سكتّم عن استباحة حمى فلسطين فقلنا : جهَلة بالتاريخ والجغرافيا، أما أن تسكتوا عن استباحة حدودكم التي أقطعكم إياها المرجومان سايكس وبيكو فهذا جهل بالمروءة ومقتضيات الشرف وتكاليف الانتماء لعالم المكلفين بعيدا عن بهائم تعلف، ثم مصيرها..  يُعرف.

أيها… أي… يا… لأي أدوات النداء تستجيبون وبأي لغة تفهمون حتى نقول لكم: لقد عرفناكم من زمان، وعرفنا عند من تعملون، ولمن تنتمون، وعرفنا أن لديكم من المميزات والإمكانيات ما لا يملكه بشر، وهذه هي المؤهلات المطلوبة لحراس عمارة مرغوبين بحيث لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون، فإذا جنّ عليهم الليل أووا إلى شياطينهم يسلّمون قائمة الحساب وقربان البقاء، ولتذهب العروبة في ألف داهية، كما يُتمتِمون، ولعمري لو كانت الرشوة حلالا فعرضها مسلم على أبي لهب ليسلم أو ليكف أذاه لما قبلها أبو لهب لأن تنازله للمال يتعارض مع عروبته المجردة الأصيلة، فهل سَفَل رهط من بني زماننا عن درجة الجاهلية “اللهبية”؟؟

آآ، قبل أن أغادركم اليوم أسأل: ترى ما هي اللقمة التالية التي سيزدردها يهود بعد رفح والقوم مغيّبون؟ تصبحون على مروءة.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts