الحوارات يقرأ لـ “البوصلة” دوافع زيارة بلينكن للصين وتداعياتها

الحوارات يقرأ لـ “البوصلة” دوافع زيارة بلينكن للصين وتداعياتها

عمّان – رائد صبيح

على الرغم من أنّ زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المقررة إلى الصين، اليوم الأحد، ليست مستغربة في ظل تصاعد التوتر بين البلدين إلى مستويات باتت تهدد النظام العالمي برمّته، لا سيما وقد سبقتها زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز السرية إلى الصين لتقريب وجهات النظر وإبقاء “الخطوط الاستخبارية”  مفتوحة مطلع الشهر الماضي، إلا أنّ مراقبين يرون في هذه الزيارة سعيًا أمريكيًا محمومًا لـ “التهدئة” قد يكون بلا طائل في ظل الاحتدام الهائل الذي وصلت إليه أزمة العلاقة بينهما.

المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات قدّم في حواره مع “البوصلة” رؤيته للمشهد الذي وصلت له العلاقة بين أمريكا والصين وقرأ ما “بين السطور بدلالات الزيارة” في الصراع الذي يوشك أن ينتهي من وجهة نظره إلى “يالطا” جديدة، وهي تلك الاتفاقية الموقعة بين الاتحاد السوفيتي بزعامة ستالين وبين بريطانيا بزعامة تشرتشل والولايات المتحدة بزعامة روزفلت عام 1945م، “لتقسيم ألمانيا، و تنظيم حالة السلم ما بعد الحرب”.

يقول الحوارات إنّ المشهد الحالي يثبت لنا أنّ هناك قوتان دوليتان تتنافسان بشكلٍ كبيرٍ وترغب الأولى بالحفاظ على بقائها كقوة مهيمنة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري، والأخرى تحاول اللحاق بها وتصعد في المجال الاقتصادي وتبدأ بتناول المجال العسكري والسياسي وتبدأ تأثيرًا كونيًا مهمًا، وتبدأ بإنشاء تحالفاتها الدولية ومنظوماتها الإقليمية بكل مكان، وهي هنا الصين.

تصاعد حدة التوتر

ويتابع بالقول: تحاول أيضًا الولايات المتحدة أن تمنع الصين كما تصرح من أن تتفوق عليها اقتصاديًا، بإجراءات متعددة، تبتدئ بالعودة إلى إنتاج الصناعات في الولايات المتحدة رغم التكلفة العالية، وأيضًا الانتقال إلى أماكن أخرى لتصنيع الأدوات واحتياجات الصناعات الأمريكية.

د. منذر الحوارات: زيارة بلينكن “تحت الكبيرة” ستمهد لقاءً بين زعيمي أمريكا والصين وتمهد لعلاقة بأسس جديدة بين البلدين

ويلفت إلى أنّ هذا الأمر حقيقة، يخلق جوًا من المنافسة، شبيه بعقدة “إسبارطة”، وبالتالي نحن ننتظر مواجهة بين الدولتين، باردة حاليًا، ولكن بين الحين والآخر تشي عن ملامح غير باردة بل صلبة.

ويتابع الحوارات بالقول: يبدو أنّ زيارة وزير الخارجية الأمريكي ومحاولات عقد لقاءات مع الرئيس الصيني، هي محاولات لنزع الفتيل، وليس لحل المعضلة، فلا يوجد حل حقيقة بين الدولتين رغم التشابك الكبير في المصالح، فجزء كبير من الصناعات الغربية تعتمد في مصادرها الأولية على الصين، وهي تعتمد أيضًا في أسواقها الغذائية أيضًا على الصين.

ويوضح أنّ الصين أصبح بلدًا مستهلكًا بشكلٍ كبيرٍ للمواد الغذائية المنتجة في الولايات المتحدة والدول الغربية العديدة، وأيضًا مستهلكة للمواد الخام من دول غربية عديدة، ولذلك المخاوف من أن تمس الصين أصبح ليس هاجسًا صينيًا فقط بل هاجسًا عالميًا.

ويقول الحوارات: هذا الأمر يرتب أهمية كبيرة لكثير من دول العالم بالنسبة للصين وما يتحدث عنه الخبراء من أزمة اقتصادية قادمة على الصين، بسبب الأزمة العقارية التي تنشأ هناك، يشعر العالم بالخطر القادم، وبالتالي محاولة إيجاد حلول حقيقية، بأن لا تمر الصين بهذه الأزمة والغرب لا يريد ذلك، على الرغم من رغبته بكبح جماح الصين، ولكن فكرة انهيار الصين أو أن تسقط، غربياً وعالميًا وأمريكيًا.

الصعود الصيني والحرب الأوكرانية

ويستدرك المحلل السياسي بالقول: بالتالي، ما يحدث الآن هو أنّ هناك صعودًا صينيًا، ورغبة أمريكية في الحد من هذا الصعود، وعبّرت عنه في أكثر من موقف، وتحاول أن توجد قاعدة للتفاهم بين الدولتين على اقتسام المصالح ربما، يالطا جديدة، ولكن هذا يعتمد على الوضع في ما تنتجه الحرب الأوكرانية حقيقة.

ويشدد على أنّ ما ستنتجه الحرب الأوكرانية سيشكل نقطة الانطلاق الحقيقية للنقاش، فإذا انتصرت الولايات المتحدة والغرب على روسيا، فهذا سيخلق أولاً قوة في مواجهة الصين، ولكنه يخلق معضلة أخرى، وهي احتمال كبير لتفكك روسيا وهيمنة صينية على هذا البلد، ولذلك تسعى أمريكا لأن تبقى الأزمة في حدودها الحالية التي لا تؤدي إلى تفكك روسيا وانهيارها نهائيًا حتى لا تكون ضحية للمطامع الصينية.

ويقول الحوارات: لكن الأخطر من ذلك أنّ هنالك معضلة في جنوب شرق آسيا، تسمّى المعضلة الأمنية، وهذه المنطقة محتدمة في الصراعات وهي المتفجرة في أي لحظة، وانقلاب الهدوء الأمني الذي ضمنته الولايات المتحدة خلال العقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، مهدد بالانهيار، وإذا ما حصل ذلك فإنّ هذه المنطقة التي يمر منها 60% من الناتج الإجمالي العالمي، ستقع بيد الصين وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة.

تفاهم من أجل الاستقرار

ويضيف بالقول: لذلك تحاول أمريكا إيجاد وسائل للتفاهم مع الصين، بشكل يضمن الاستقرار بهذه المنطقة، ويضمن عدم خضوعها للصين بشكلٍ كامل، وهذا يفسر التمسك الأمريكي بجزيرة تايوان ويفسر حجم التحالفات التي بدأت تقيمها الولايات المتحدة في هذه المنطقة، سواء تحالف الأنجلوسكسوني مع اليابان، أو التحالف الجديد اليابان كوريا والولايات المتحدة وأستراليا والهند أيضًا شريكة فيه.

ويؤكد الحوارات على أنّ هذه المنطقة المليئة بالنزاعات تحاول الولايات المتحدة من جديد إيجاد صيغة ما لبقائها على هذا الحال، لأنّ انهيار الوضع القائم فيها سيؤدي لانهيارٍ عالميٍ شاملٍ، كما قلت مضيق تايون، يمر منه 60% من الاقتصاد العالمي، وهذا المضيق إذا ما سيطرت عليه الصين بشكلٍ كامل، فهذا يعني أنّ هذه المنطقة والعالم أصبح خاضعًا لرغبة الصين، وهذا ما تعتبره الصين ردًا على سيطرة الولايات المتحدة على المضائق العالمية كافة، وهي لا تجوز أن تستمر في الفضاء الصيني وتسيطر على المضائق هناك.

ويستدرك بالقول: لكن الولايات المتحدة لا تريد ذلك، هل سيتوصل البلدان لصيغة ما؟ يبدوا أنّ كل طرف يحاول أن يستغل الأدوات المتوفرة بين يديه حتى النهاية، لكن حتى الآن تبدو المطالب لكل طرف ضبابية، وإن كانت أكثر وضوحًا بالنسبة للولايات المتحدة، فالصين تطالب بنظام عالمي جديد مع روسيا، وهذا النظام العالمي لا يمكن أن يحصل إلا في حال انتصار روسيا على أوكرانيا، وعدم انتصارها سيحد من تأثير وشوكة هذا التحالف المؤقت لأنّ هنالك تعقيدات كبيرة بين الصين وروسيا ليس أقلها المساحة الحدودية الكبيرة المتنازع عليها وتعادل 4500 كيلومتر، وهذه مساحة هنالك اشتباكات معقدة فيها، ولا تريد أمريكا لروسيا أن تسقط ضحية للصين حتى لا تعزز مكانتها.

ويقول: لكن ربما حسم القضية الأوكرانية سلميًا بدون إيقاع هزيمة حقيقية لروسيا ربما يكون أحد الخيارات الأمريكية، وبالتالي يضعف الاندفاع الصيني باتجاه تغيير النظام العالمي، علمًا بأنّ النظام العالمي هو متغير وهلامي منذ سنوات طويلة، والولايات المتحدة تخلت عن كثيرٍ نفوذها لمصلحة العزلة، وهناك تيار كبير بالداخل الأمريكي يدعو للعزلة والعودة للمصالح الأمريكية الداخلية وعدم الانخراط في المشاكل الداخلية للدول، وهذا يرعب الصين حقيقة.

ويلفت الحوارات إلى أنّ هذا الأمر يرعب الصين لأنّ أمريكا هي المستثمر الأكبر في الصين، والمستورد والمصدر الأكبر كذلك، وبالتالي عودتها للعزلة ينسف علاقة جيوسياسية معقدة مع الصين على صعيد الاقتصاد والتقنية، ونقل التكنولوجيا، وكل ذلك يؤثر على مستقبل الصين.

ويتابع بالقول: لذلك حتى الآن العلاقة لا يمكن تفسيرها في ظل المعادلات الحالية والزيارة تحديدًا لا يمكن تفسيرها إلا برغبة الولايات المتحدة بالتهدئة مع الصين، ريثما يتم الجلوس في “يالطا” جديدة بين قوى جديدة مؤثرة العالم مؤثرة جديدة لم تنهر بعد ولن تنهار قريبًا، ولن تتراجع قريبًا وهي قوى صاعدة باتت مؤثرة في العالم وباتت تطمح للقيادة والزعامة الدولية، وباتت تطمح لتغيير النظام العالمي وتعتبره مجحفًا بحقها وبحق الدول الصاعدة والناشئة.

ويخلص الحوارات في نهاية حديثه لـ “البوصلة” إلى القول: هذه الزيارة الـ “تحت كبيرة” دعني أسميها، تمهيدًا لعقد لقاء كبير بين الرئيس الصيني والأمريكي لوضع أسس علاقة جديدة بين الدولتين ووضع أسس للنظام الدولي في ظل هاتين القوتين الكبيرتين.

زيارة لإدارة المنافسة

ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الصين، الأحد، في زيارة رسمية تستغرق يومين، بحسب ما كشفت وكالاتٌ عالمية.

من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، في مؤتمر صحفي عقده الجمعة: “سيتبادل الجانبان وجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك”، حسب وكالة “شينخوا”، في سياق تعليقه على الزيارة التي تعد الثانية لوزير خارجية أمريكي للصين منذ 5 سنوات.

بدوره، قال كورت كامبل مستشار الرئيس جو بايدن لشؤون منطقة المحيطين الهادي والأطلنطي، في تصريحاتٍ صحفية، إنه “في بداية حكم إدارة بايدن، كانت الصين مقتنعة بأن الولايات المتحدة في حالة انحدار نهائي، وروجت حول العالم للشكوك بشأن استمرار قوتنا، وحيويتنا الاقتصادية، والتزامنا تجاه حلفائنا، وصحة ديمقراطيتنا”.

وكشف كامبل عن طبيعة الزيارة بالقول: “نحن في منافسة مع الصين، لكننا لا نسعى إلى الصراع أو المواجهة أو حرب باردة جديدة، نحن نتطلع لإدارة المنافسة بيننا بمسؤولية”.

يذكر أنّ مدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز سافر سرا إلى الصين بداية الشهر الماضي، للقاء نظرائه والتأكيد على أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة في القنوات الاستخباراتية والعسكرية.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: