الشحروري: المشهد قاتمٌ لكن إرادة الأمة لا تعرف المستحيل ولا تعترف باليأس

الشحروري: المشهد قاتمٌ لكن إرادة الأمة لا تعرف المستحيل ولا تعترف باليأس

عمان – البوصلة

قال أستاذ الشريعتة الإسلامية الدكتور أحمد الشحروري، في تصريحاته لـ “البوصلة“: “إنّ المشهد قاتم، لكن إرادة الأمة لا تعرف المستحيل ولا تعترف باليأس لأنه الفناء”، جاء ذلك تعليقًا على مجريات الأحداث في الساحة الإقليمية والتفاعلات مع الضربة الإيرانية للكيان الصهيوني والتعليق عليها.

وأشار الشحروري إلى أنّ العالم قضى يوم الأحد الفائت الذي تلا ليلة الضربة الإيرانية للكيان الصهيوني، في معمعة، فمن متندر بما حصل، يصوره على أنه عبث غير مدروس، إلى معجب به يعدّه ردعا مدروسا متفقا بين أطراف اللعبة الدولية على ألاّ يفجر الوضع ولا يدخل العالم في دوامة عنف قد تمتد لتكون حربا عالمية.

وأضاف أنّ منطقتنا أقرب إلى التحليل الأول الذي ينعى على إيران عبثها ولعبها بالنار مقابل نتائج على الأرض لم تبيض وجهها الذي سودته الضربة اليهودية للقنصلية الإيرانية،  على حدّ تحليلهم، يصحب هذا التحليل كثير من الشماتة التي أفقدت أصحابها بعض الموضوعية والمنطق في نظرتهم إلى ما يجري في المنطقة والعالم.

 ولفت إلى أنّ المشهد اليوم لا يجوز أن يخضع لنظرة ثنائية بين الأبيض والأسود، فهو مشهد مرتبك تتداخل ألوانه فيزيغ بصر الناظر إليه إذا لم يستعن على تحليله بنظارة متعددة الأبعاد.

وتابع بالقول: منذ سنوات خلت كنا نرى أن كثيرا مما يجري على ساحة الأحداث العالمية ما عاد يخضع لمنطق السياسة وقواعدها التي تدرّس لطلبة العلوم السياسية في الجامعات، حتى رأى بعضهم إنه ما عاد حاجة لدراسة هذا التخصص حتى يتم تعديل كثير من منطلقاته وقواعده لتناسب التحولات العالمية “الخنفشارية” التي من أهم مميزاتها تنكرها لبواعث المنطق والمعقول، فقد باتت سياسة الأمر الواقع تجمع بين المتناقضات وتفرض المستحيلات، وهكذا فقد أصبح السراب فيها سيد الموقف.

ونوه الشحروري إلى أنّ إيران دولة أيدولوجية طائفية منذ قيام ثورة الملالي عام ١٩٧٩ م، وهي لا تفتأ تثبّت قدميها على الأرض داخليا بقبضة من الحديد والنار على عموم شعبها، فإذا كان الحديث عن أهل السنة تحديدا فحدث ولا حرج عن التضييق الذي تمارسه إلى حد منعها بناء أي مسجد لهم في طهران لإقامة جُمَعهم وجماعاتهم، أما عن تثبيت أقدامها خارجيا فالواقع يصفه بدقة من خلال احتلالها للعراق واليمن ولبنان وسورية ومحاولاتها المتكررة لمد ظلالها إلى البحرين، ومد عينها إلى مقامات الصحابة في الأردن، أما فلسطين فظاهر علاقتها معها مقاومتها لليهود المحتلين، وما ترمي إليه تحكمه معادلات دولية معقدة أضفى وجودها داخلها مزيدا من التعقيد صنعه ضيق أفق أهل السنة في المنطقة.

مشكلة العرب

واستدرك بالقول: وعلى ذكر أهل السنة فلم يعرف العقلاء خائفا يرمي بنفسه في النار بسبب خوفه إلا عرب القرنين العشرين والحادي والعشرين، وليسوا كالفراشة التي يعجبها ألق النار فترمي نفسها فيها فتحترق، إنما هم يتميزون عنها بمعرفة أضرار النار، لكن ما يلقيهم فيها هو ظنهم أنها جنة تخلص الشقي من شقائه!!

وشدد على أنّ العرب وضعوا أنفسهم بين خيارين، الأول أن يُخْلِصوا بولائهم لأمريكا والغرب ليظلوا في مأمن من غضبهم،  والخيار الثاني أن يختاروا التحالف مع الدول المناوئة للغرب أو على الأقل أن يشاوروها في أمرهم ويسيروا في ظل المناوئين ليشكلوا لهم أمانا، ونسي العرب وأهملوا خيارا ثالثا هو أن يتخلصوا من حقد الضرائر فيما بينهم ويعقدوا حلفا عربيا خالصا يوفر لهم الأمن العام والأمن الاقتصادي والسياسي، فيستغنوا بطاقاتهم الذاتية عن الضغط الأمري أوروبي في اتجاهات الحياة المدنية والعسكرية على السواء، ولم ينجح العرب إلا في الحفاظ على فاعلية مجلس وزراء الداخلية إلى حد ما، إذ يتحسسون رؤوسهم حين يشعرون أنهم عاجزون عن الاتفاق فيما بينهم على حبك خططه وتصوراته التي تكفل بقاءهم ممسكين بتلابيب شعوبهم ليضمنوا تسليم الشعوب بالأمر الواقع مهما كانت وطأة هذا الواقع شديدة على أنفاسهم. والخطير في الأمر هنا هو هذا الانكفاء للنظام العربي إلى داخل حدود سلطانه والانشغال به عن الخطر الوجودي وهو المهدد الحقيقي لهذا النظام الهش الذي لن يقويه إلا شعور الشعوب بالأمن من تهديدات المتربصين الخارجيين الذين تشل سطوتهم قوة الأنظمة والشعوب معا على المضي في طريق حياة كريمة في حدودها الدنيا.

ولفت إلى أنّ عمر الثورة الإيرانية التي ولدت الدولة الشيعية لم يبلغ الخمسين، لكنها استطاعت أن تستدعي التاريخ بدسم صراعاته وإحنه وأفادت منه بأن القوة هي التي تضمن السيادة، أما عالمنا العربي الذي كانت أنظمته موجودة وقت قيام الثورة الشيعية الإيرانية بل ومتجذرة، إلا أنها ما تزال عاجزة عن تذكر تاريخ العروبة المقترن بالإسلام، بل هي من عملت على فك ارتباطها بالإسلام السياسي قديما باشتراكها في إسقاط الدولة العثمانية، وحديثا بتنكرها لكل جهد يحاول بعث العزة العربية من جديد من بوابة الإسلام المفعِّلة لأحكامه على الأرض.

وقال الشحروري: قناعتي أن أهم خطوة يجب على العرب أن يخطوها على الأرض لا تتمثل بالهجوم الموحد على إيران ولا بمحاولة شيطنة حركتها على مسرح الأحداث، إنما الواجب أن يتخذ العرب لأنفسهم كيانا قويا من العيب أن يساوي قوة كيان إيران لأنها أمة لا يجوز أن توضع في كفة ميزان تعادل وزن العرب في تاريخهم ومقدراتهم وإرثهم الحضاري الذي تعد إيران مجرد طارئ عليه.

ولفت إلى أنّ إيران لم تعد وحدها مشروعا سياسيا وحضاريا يهدد العرب مجتمعين، وليتهم مجتمعون، لكن ما يهدد العرب هو ضحالة فكرهم المعاصر، وأنانية تجعل كل دويلة تنكفئ على نفسها بسياسات وتأشيرات دخول للأشقاء، وحدود مفتوحة للفرقاء، ومكر يظن أصحابه أنه ذكي وهو يحفر قبر كل نظام سياسي مغفّل ببطء، لكن لحظة الدفن قد تكون مباغتة وصادمة.

ووجه الشحروري رسالة في نهاية حديثه: أيها السادة، إن تاريخ العرب يُكتب لهم اليوم ولا يكتبونه، وهم ضحاياه وإن صوّروا للشعوب أنهم أبطاله،  وإن النهوض من هذه الكبوة مكلف كالاستمرار تحت تأثيرها، لكن شتان بين كلفة تهَبُك الحياة، وكلفة هي ثمن تجهيز الميت بعد أن غدا جنازة ولم يعد صاحب سعادة ولا سيادة ولا لقب من ألقاب الأحياء.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: