الشحروري: نحن أمّة الجسد الواحد وهذه همسة في وجدان المحسنين

الشحروري: نحن أمّة الجسد الواحد وهذه همسة في وجدان المحسنين

عمّان – البوصلة

قال أستاذ الشريعة الإسلامية الدكتور أحمد الشحروري إنّ الإحسان “فِعلانٌ” من الحُسن، والمحسن فاعل كريم، و”ما على المحسنين من سبيل” فهم في رتبة أوصلتهم إلى مكرمة إلهية ترفع الحرج عنهم في بلوغ ما لا طاقة لهم به مما يشتهون أن يرقوا إليه من المكرمات مادام أصل عملهم الإحسان والاجتهاد فيه.

ووجه رسالة في تصريحاته لـ “البوصلة” يحث على زيادة الإحسان في شهر رمضان الخير والبركة، قائلا: أيها المحسنون: أبليتم بلاء حسنا في امتحان البذل والجهاد بالمال، تلمّستم حاجات أهلكم المظلومين في فلسطين، أرسلتم المشاركات العينية، وبحثتم عن الوسيط الأمين ليوصل مشاركاتكم المالية حتى بلغتم درجة اليقين في وصولها إلى مستحقيها، وما تقومون به من دور يحتاج إلى جهد دول لا دولة واحدة، لكنكم تمثلتم حقيقة أن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه.

وتابع بالقول: أيها المحسنون: هكذا كنتم على مدى سنواتٍ تعاملْنا فيها مع نبل أخلاقكم وكريم عطائكم كلما حزَبَ إخوانكم أمر طارئ ونفِدت مقدراتهم جندتم أنفسكم لإقالة عثراتهم والأخذ بأيديهم ليعيشوا حياة طيبة كما يعيش أبناؤكم، ولتأمن نساؤهم كمأمن نسائكم، لم تُبقوا درسا من دروس سيرة الأنصار إلا درستموه وطبقتموه وحظيتم ببشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ سماكم أحبابه واشتاق للقائكم وخلع عليكم مرتبة تجعل أجر الواحد منكم كأجر خمسين من الصحابة، لأنهم كانوا يجدون على الحق أعوانا وأنتم اليوم لا تكادون تجدون على حقكم أعوانا.

وأضاف، أيها المحسنون: علمتم أنه ما نقص مال من صدقة، وأن ما تنفقون هو الباقي وما تأكلونه فقد ذهب، وأن جبر الخواطر من أعظم القربات، وأن ما تقدمونه ليس نافلة ولكنه يمثل فريضة التكافل والتضامن بين المسلمين لأنهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. كما علمتم أن القرآن قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في ذكرهما غالبا، لأن المال هو الذي يمكّن من التجهز للجهاد ولأن الذي لا يملك مالا يجهزه للخروج فقد أعذر إلى الله وسقط عنه الفرض: “لَّیۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاۤءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ مَا یُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا۟ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِینَ مِن سَبِیلࣲۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ. وَلَا عَلَى ٱلَّذِینَ إِذَا مَاۤ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَاۤ أَجِدُ مَاۤ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَیۡهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعۡیُنُهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا یَجِدُوا۟ مَا یُنفِقُونَ”، فما أعظم ما تقومون به من فتح لطريق الجهاد وإغلاق لباب العجز عنه في زمان بتنا نحتاج فيه لكل فرد من أفراد أمتنا ولكل قرش من مالها لتمتزج المادة بالروح فيصنع المزيج حياة منيعة يعجز عدونا فيها أن يبلغ مأربه منا.

ونوه بالقول: أيها المحسنون، تقولون إن كل حاجة غير حاجات غزة مؤجلة، وإن باب الصدقة اليوم مغلق تجاه أي إحسان سوى الإحسان إلى غزة ومشروعها الجهادي التحرري، وإن اللقمة التي تحيي بإذن الله فردا في غزة توجه إليه ولو أدى منعها عن غيره إلى أن يرِد مورد الهلاك مثله، لكن هلاك غير الغزي هيّن إذا قيس بهلاك الغزي، بحسب اجتهادكم. وهمستي إليكم أيها المحسنون هي أن تُنزلوا المحتاجين منزلة أولادكم الذين من أصلابكم، أرأيت لو كان أحد الأبناء مريضا؟ فإنك تقدمه بالرعاية والتغذية وحتى بالحنان على سائر إخوته، وهذا شعور بشري منطقي تستدعيه خصوصية الحال، لكن أرأيت لو دفعك حنانك على الولد المريض إلى أن تطعمه وتحرم إخوته إلى حدّ يوصل إخوته إلى ما يعانيه أخوهم المريض من وجع وسوء تغذية وإخراج عن مسار خدمة البيت والمجتمع والدولة، فهل هذا المنطق يستقيم؟

وتابع رسالته بالقول، أيها المحسنون: إننا نعاني اليوم من تفاقم حاجة المحتاجين في مَواطن غير غزة، حتى إذا كلمنا محسنا في حاجة أسرع قائلا: غزة أولى، وهي كلمة في ظاهرها صحيحة، لكن التفاصيل تجعل في المسألة “إنَّ” تبعث على الأنين، إننا إذ نوصل فقيرنا المحلي إلى ضنك عيش لا يملك معه أجرة البيت ولا تكاليف الكهرباء والماء واللباس والعلاج، فنخلع من مجتمعنا فئة كان يمكن أن تشاركنا همومنا العامة، لأن المحتاج لا يُنجز، ولأن المكروب لا يملك من الهمّ إلا تفكيره بكربه، ولو سعينا إلى شبه كفايته لكان معنا في سبيل جهاد عدونا ولما خسرنا وقوفه بطاقاته كلها معنا.

ونوه الشحروري قائلا: أيها المحسنون.. لو أنفق المحسن قرشين لغزة وقرشا لفقراء مجتمعه الضيق لكان ذلك أولى من أن ينبت في مجتمعنا فئة تجد في نفسها مِن ذكر غزة وكأنها ضرة منعت عنها إحسان المحسنين الذي تعودته، وإن توسيع دائرة الخير من عموم المزكّين والمتصدقين لِيشمل حاجة المحتاجين كل في مكانه وبصفته هو الحكمة التي تنطوي على جعل الزكاة في أصناف ثمانية لا في صنف واحد، لأن لكل صنف حاجته ولكل حالة ما يبرر وجوب الإنفاق عليها.

وختم رسالته بالقول: أيها المحسنون: لا تنسوا أن الأمة جسد لا تشكل سلامة أحد أعضائه إلا جزءا من سلامته المنشودة، وأن اليد السليمة لا تنتج وحدها إن كانت أختها عاجزة عن الحركة الفاعلة، فهل وصلت رسالتي؟

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: