العلّامة صلاح الخالدي.. “رجل القرآن” وجبلٌ من العلم والثوابت يتوارى

العلّامة صلاح الخالدي.. “رجل القرآن” وجبلٌ من العلم والثوابت يتوارى

صلاح الخالدي

خاص – البوصلة

لم يكن وداع الشيخ والعلاّمة الدكتور صلاح الخالدي ونبأ وفاته أمرًا هينًا على محبيه ومريديه وزملائه، كيف لا وهو “رجل القرآن” الذي كان له الأثر البالغ في ساحات العلم والمعرفة وخاصة ما تعلق بعلوم تفسير القرآن، التي برع فيها وكان مفرِدًا، رحمه الله، وكما كان غزير العلم نيّر الفكر، مربيًا للجيل على “الثوابت والأخلاق والقيم” كجيلٍ قرآنيٍ نقيٍ، كان دائم التبسم مشرق المحيّا يحب لقاءه كلّ من عرفه، على الرغم من عزوفه عن منابر الإعلام وحب الظهور، إلّا أنه ترك علامة وأثرًا في قلوب الجميع وفي عقول طلاب العلم الشرعي لن تنمحي، فكان اسمًا على مسمّى محبًا للإصلاح ورائدًا له، وخالدًا في قلوب طلاب العلم والمعرفة وكلمة الحق التي دفع أثماناً باهظة من أجلها، فلم يخشى في سبيل الله لومئة لائم.

مسالم الفكر عظيم التأثير

بكلماتٍ ممتلئة بالحزن والدموع يتحدث الدكتور أحمد الشحروري لـ “البوصلة” عن العلامة الدكتور صلاح الخالدي ويقول: شيخنا وأستاذ الجيل المفسر المحقق العلامة صلاح عبدالفتاح الخالدي في ذمّة الله، رحمك الله يا شيخنا، لقد كنت حفيًا خفيًا، ما كنت تحب الشهرة، ولا كنت تحب الظهور، وكنت مع قلمك وورقتك، كنت مع كتاب الله، كنت مع المفسرين نبضًا حيًا”.

ويتابع الحديث عن مناقب الفقيد الكبير بالقول: “أحييت أفكار مفسر القرن العشرين الأستاذ سيد قطب، وحمل لواء رسالته الإصلاحية، وأمطت اللثام عن عظمة فكر هذا المفسر المظلوم، وبينت كل ما أجاد فيه وأفاد، وكنت تبحث في نظرية جمال التصوير الفنّي في كتابات سيد قطب رحمة الله عليه”.

ويؤكد: “أنت يا أستاذنا ووالدنا كنت رجلاً يحمل كلمة الحق، ولا يلقي بالاً لكل من عارضه من أصحاب الباطل”.

ويشيد الشحروري بتضحيات الفقيد التي قدمها في سبيل الثبات على قول الحق، قائلا: “ذهبوا بعيدًا في التنكيل بك، فعزلوك عن إمامة المسجد الذي تؤمّه، ثم فصلوك من التدريس الجامعي لا لشيء إلا لأنّ خفافيش الظلام تخاف من قول كلمة الحق؛ بل تخاف من أن يتربى الجيل على هدي القرآن الكريم الأصيل”.

ويضيف: “هكذا كان الشيخ صلاح، مسالمًا في فكره؛ لكنّه كان عظيم التأثير حتى خافه أهل الباطل”.

ويتابع بالقول: “اليوم والشيخ صلاح يحط رحاله ويترجل، نخاطب روحه الطاهرة.. نم قرير العين فأنت بإذن الله تعالى ولا نتألّى على الله، مع الصديقين والشهداء والصالحين.. قضيت بمرض الكورونا، وهذا يعزينا بأنّك نلت مراتب الشهداء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “والمبطون شهيد”.. فهنيئًا لك هذه المنزلة”.

“حريٌ بمن عمل لله ولم يحب أي نوعٌ من أيّ نوع من أنواع الظهور الإعلامي حريٌ به، أن يموت هذه الميتة، التي نسأل الله عز وجل أن يتقبله فيها”، يقول الشحروري.

وينوه بالقول: “لا ننسى أنّ أستاذنا الدكتور صلاح الخالدي كان أول رئيسٍ لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، منذ تأسيسها، قبل أن يستلمها الراحل الكبير سماحة شيخنا الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، عليهم جميعًا رحمات الله”.

ويتابع حديثه بالقول: “فأنت يا شيخ صلاح من الرواد في حركة الإصلاح القرآني في هذا البلد، وحركة الإنعشاش الفكري القرآني لجيلٍ عريضٍ، فرحمة الله عليك ومهما قلنا فلن نوفيك حقك، لكنّك ستعيش حيًا في نفوس تلاميذك وتظل حيًا في نفوس زملائك، وسيظل حسن خلقك طريقًا ننتهجه ومسلكًا نسلكه، وقدوة نحتذي بها”.

ويقول الشحروري: نسأل الله عز وجل أن يعوض الأمّة خيرًا بفقدك، فلقد والله فقدنا جبلاً من العلم وجبلاً من التحقيق، وجبلاً من الذود والذب عن محارم الله في العالم الإسلامي كله”.

ويختم حديثه بالبكاء على هذا العالم الجليل الذي فقدته الأمة وفقده أحباؤه وتلاميذه وزملاؤه بالقول: “لم تكن للأردن وحده، بل كنت أستاذًا للعالم الإسلامي، وقد انطلقت حناجر العلماء والمفكرين والدعاة خارج الأردن في العالم الإسلامي كله، منذ ليلة أمس حتى هذه اللحظة، تؤبنك وتنعاك وتبكي عليك، فعليك من الله الرحمة، وأسأل الله أن يجعل كل ما يقال في ميزان حسناتك، لأنّ ألسنة الخلق، أقلام الحق وإنّا لله وإنا إليه راجعون”.

العالم الجريء القوي

يقول الدكتور إياد قنيبي في نعيه للدكتور صلاح الخالدي: “توفي أمس أحد أعلام الأردن والأمة الإسلامية الدكتور صلاح الخالدي رحمه الله تعالى، وما أشهد به على الدكتور رحمه الله أنه كان جريئاً قوياً في قول ما يعتقده من حق”.

ويضيف: “موقف لا أنساه للدكتور صلاح الخالدي من سبع سنين حين كتبتُ مع بعض الفضلاء بياناً في إنكار منكر عامٍّ، فتوجهت إليه طالباً أن يقبل أن يكون اسمه في مقدمة الموقعين على البيان، فوافق بلا تردد ولا تهيب ! وكان لتوقيعه أثر في تشجيع آخرين”.

وينوه إلى أنه “في المقابل لين الجانب متواضع لإخوانه وأبنائه من المسلمين. لم أرَ الدكتور يوماً إلا متبسماً، وصورته بابتسامته الطيبة منطبعة في ذهني. يخاطبنا كإخوة وهو في مقام الوالد. وقد نفع الله بعلمه وبأخلاقه وبمؤلفاته الكثيرة من شاء من عباده”.

ويشير إلى أن الراحل: “آثر الحياة البسيطة ولم يبع آخرته بالدنيا كما فعل آخرون، لكن حَسْبُه أن ذكره الطيب والدعاء له بالخير على ألسنة الناس، وأنه يرحل ويبقى أثره الحسن”.

ويختم قنيبي بالقول: “اللهم إني أشهدك أني أحب عبدك صلاحاً الخالدي. اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالثلج والماء والبرَد. اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، واجمعنا به في ظل عرشك وفي جنتك يا كريم”.

علم من أعلام الأمة

بدوره يصفه الدكتور زغلول النجار بأنه علمٌ من أعلام الأمة، قضى حياته في الدفاع عن الدعوة الإسلامية.

ويقول النجار: إنا لله وإنا إليه راجعون.. فقد العالم الإسلامي اليوم علماً من أعلام الأمة وهو فضيلة الدكتور صلاح الخالدي، أستاذ التفسير ورجل الدعوة الإسلامية الذي قضى حياته دفاعاً عنها وعن رموزها المجاهدين”.

ويختم بالقول:”فرحمه الله تعالى برحمته الواسعة وجعل مستقره جنات النعيم، واللهم آله وذويه جميل الصبر وإنا لله وإنا إليه راجعون”.

الصلاح والخلود إذ يجتمعان في الخالدي

يقول الدكتور سامي الصلاحات، في حق الدكتور صلاح الخالدي: لقد كان له من اسمه نصيب، فهو صالح ومصلح لغيره، وحاز على خلود الذكر الحسن، وبقيت آثاره العلمية شاهدة على ذلك، رحم الله شيخنا دكتور صلاح الخالدي وأبدله دارا خيرا من داره، وجعل من تعلم على يديه صدقة جارية له في ميزان حسناته.

ويشير الصلاحاته إلى أنه في خريف عام ١٩٩١، وتحديداً في شهر سبتمبر، بداية العام الجامعي الجديد، ونحن ما زلنا طلبة في صفوف الدراسة الجامعية، ننتظر أن نأخذ مادة علوم القرآن، مع دكتور كان حديث الطلبة عنه أنه “متفهم”، “عادل في توزيع العلامات”، “يسمع للطلبة”، وغيرها من الصفات التي تُهم الطلبة كي ينجحوا ويستفيدوا ممن يقدم لهم هذه المحاضرات.

ويستدرك بالقول: “لكن ما غاب عن بالنا آنذاك، أن هذا الرجل لم ينحصر أمره في هذه الصفات فحسب، بل كان رجلاً قرآنياً وربانياً أخذنا معه من هموم البحث عن الدرجة والعلامة إلى عالم التدين الحقيقي والعمل إلى الإسلام، فضلاً عن التبحر في التفسير والبحث والاجتهاد في علوم الشريعة”.

وينوه بالقول: لقد كنا ننتقل معه بشغف من المحاضرات الجامعية إلى مسجد عبد الرحمن بن عوف بمنطقة صويلح يوم أن كان إمامه، نجلس معه بصحبة ثلة من طلبة العلم للتعلم والبحث، فكان رجلاً عالماً وهادياً وصاحب رسالة.

ويتابع: لقد عرفت رجلاً قرآنياً عظيمٌ في شأنه وأمره، فهو شاغل ومشغول بالقرآن الكريم قراءة وكتابةً وتأليفاً وتدريساً وتعاملاً، هذبه القرآن تهذيباً فجعله مربياً لغيره، فتعلمنا منه حب الإسلام والعمل من أجله قبل أن نحصل على الشهادات ونتوظف، علمنا أن خريج الشريعة يجب أن يكون صاحب رسالة، وليس موظفاً يبحث عن الراتب.والمنصب.

ويقول الصلاحات بحقه: عزيز النفس، وهي صفة لا يتحلى بها إلاّ الأقوياء، ولعله تأثر بشخصية من كتب عنه كثيراً، وهو الشهيد المفسر سيد قطب، وهي صفة تلازم أهل القرآن، أصحاب المبادئ العليا، فكان عزيزاً يحترم نفسه تلازمه الهيبة، مُنع من الخطابة، واغلقت صفحاته على شبكة المعلومات، – ولم يأخذه حظه من الدنيا كما حازها بعض أقرانه – ولكنه كان كما عهدناه صاحب عزة نفس يرفض أن يتنازل عما يعتقده.

ويشير إلى أنه كان رحمه الله تعالى بحّاثةً وعالم من طراز فريد، كثير الدرس والاستقصاء، له باع طويل في البحث والتنقيب، كنا نلحظ هذا لما ندرس عنده، يبحث ويتوقف ويناقش، مراده الحق في ذلك، فكان هو من المدرسين الأكثر تكليفاً لنا بالكتب المقررة علينا، فكان ما أن ينتهي الفصل الدراسي إلا وقد حزنا أدباً وعلماً بفضل أسلوبه وحسن تعامله.

وينوه الصلاحات إلى أنه وبعد صيف عام ١٩٩٥، وخروجي لاستكمال الدكتوراه، كنت اتواصل معه متقطعاً حال عودتي للأردن، إذ انتقل لمسجد الفريد في صويلح ليواصل أعطاء الدروس وتفسير القرآن الكريم، فكنت استنير بعقله وفكره ومشورته، وكنت أتلمس منه نظراته نحو الواقع وما يحدث في المنطقة، وأجده كما هو واعياً مدركاً الأمر جيداً، على الرغم من ضبابية المشهد، تجده بشوشاً متفائلاً.

ويختم بالقول: زاد التواصل بيننا في الأشهر الأخيرة، وسعدت أنه كان نشطاً على وسائل التواصل الإعلامي، وكنا نناقشه ونتواصل معه، وكنا وما زلت اتذكر ممازحته لي ولبعض الزملاء أنكم “مهما كنتم دكاترة، فأنتم تلاميذي”، فقد كان رحمه الله متواضعاً لدرجة أننا ننسى أننا نخاطب شيخا ومعلماً لفرط تواضعه ودماثة أخلاقه.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: