المومني لـ “البوصلة”: زخم الاشتباك العربي مع سوريا جاء لهذه الأسباب

المومني لـ “البوصلة”: زخم الاشتباك العربي مع سوريا جاء لهذه الأسباب

عمّان – رائد صبيح

أكد الخبير الإستراتيجي وأستاذ الصراعات الدولية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني في تصريحاته لـ “البوصلة” أنّ الانفتاح العربي على النظام السوري والزخم الذي شهده في الأيام الأخيرة أسهمت فيه عوامل عديدة وعلى رأسها كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا ونتج عنه حالة إنسانية كان لا بدّ من التعامل معها بشكلٍ عاجلٍ في السياق الإنساني الذي شكّل فرصةً كبيرة جاءت في مصلحة النظام السوري.

وقال المومني إنّ القنوات الدبلوماسية العربية لم تغلق تمامًا ولم تنقطع العلاقات بعد أحداث الربيع العربي رغم تجميد مقعد سوريا في الجامعة العربية، لكنّها شهدت تبايناتٍ بين دولة وأخرى بحسب الواقع الجيوسياسي لكل دولة.

الأردن والواقعية السياسية

ولفت إلى أنّ الأردن هو الأكثر قربًا لسوريا اضطر للتعامل مع واقع جيوسياسي بالغ التعقيد في هذه القضية التي بقيت مثار خلافٍ عربيٍ في التعامل معها، واضطر لإلقاء القنوات مفتوحة مع النظام السوري في سياقها الأمني والدبلوماسي حتى بعد إعلان السفير السوري شخصًا غير مرغوبٍ فيه بعد تجاوزه للحدود الدبلوماسية.  

د. حسن المومني: الاشتباك العربي مع النظام السوري يرتب عليه كلفة تقديم تنازلات وإشراك جميع أطراف الصراع بعملية سياسية حقيقية

ونوه إلى أنّ الطرف الأكثر فاعلية في المسألة السورية كانت روسيا، واشتبك الأردن معها في هذا السياق عربيًا بعد أن شكلت سوريا معضلة سياسية وأمنية وإنسانية تتمثل في العدد الهائل من اللاجئين.

وأوضح المومني أنّ هناك قضايا ملحّة فتحت آفاقًا للاشتباك مع القضية السورية بحكم الأمر الواقع وعلى رأسها مسألة ضرورة تزويد لبنان بالطاقة، والقضايا الأمنية في الجنوب السوري وتعاظم الخطر خاصة من الجامعات الطائفية، لا سيما بعد انشغال روسيا في الحرب مع أوكرانيا.

وتابع بالقول: أضف لذلك مسألة التهريب التي في سياقٍ معين ليس لدى الأردن مشكلة في التعامل مع مؤسسات الدولة السورية بالذات الجيش السوري وضرورة أن يكون هناك سيطرة  على الحدود.

ولفت إلى أنّ الإمارات أعادت العلاقة مع سوريا وكذلك البحرين، والجزائر والعراق التي لم تقطع علاقاتها مع النظام السوري.

الكارثة فتحت فرصة للنظام السوري والأولوية إنسانية  

وقال المومني: إنّ كارثة الزلزال فتحت منحة للنظام السوري، لا سيما وأنّ الكوارث تفتح فرصًا وآفاقًا للعلاقات الدولية، وشدة الكوارث تخلق واقعًا عقلانيًا وتضغط على جميع الأطراف بأن الأولوية إنسانية وبالتالي لا بد من تحييد القضايا السياسية الكبيرة جدًا، والتعاطي مع مسألة الإغاثة والإنقاذ وغيرها.

واستدرك بالقول: “ربّ ضارةٍ نافعة، فهي كارثة، لكنّها أفادت النظام السوري، ورأينا التواصل، ولم يكن الأردن لوحده, فأغلب الدول العربية انفتحت في هذا الجانب حتى السعودية التي كنا نلمس بعض التحفظ على هذا الأمر، وبدأنا نشهد موقفًا سعوديًا لحدٍ ما مختلفًا”.

فرصة لإنهاء اللعبة الصفرية بسوريا

وقال المومني: هذه الكارثة بتقديري الشخصي، التي دفع ثمنها الشعب السوري والدولة السورية وبالتالي التواصل مع النظام السوري ليس بدون تكلفة، ونحن نعلم أنّ الأردن يعمل منذ عام على مبادرة السلام، تتعلق بالعمق العربي وتأثيره، خاصة لمساعدة سوريا ولإعطاء رسائل قوية للنظام بأنه لا يمكن العودة للحضن العربي دون وجود تكلفة عليه، فلا بد من إعادة إنتاج سوريا أقلها تكون مقبولة لمعظم الأطراف، ولا يمكن للنظام السوري أن يقدم نفسه بالصورة التي كان عليها قبل عام 2011.

وأكد أنّ “الاشتباك مع سوريا والمبادرات العربية وعلى رأسها المبادرة الأردنية تتعلق بمراحل تقوم فيها جميع الأطراف المعنية بالصراع في سوريا بخلق عملية سياسية وتقديم تنازلات”.

وأوضح أنّ الحديث عن وفد برلماني زار النظام السوري صحيح أنّه تطورٌ في العلاقة لكننّا نقرأه كضغط سياسي على النظام السوري في مسألة الاشتباك العربي للتنازل عن “اللعبة الصفرية”.

انتزاع سوريا من فم الذئب الإيراني

وحول التحولات في المنطقة وتعقيدات الواقع الجيوسياسي، لفت المومني إلى أنّه ليس العرب وحدهم من أعادوا الاشتباك مع سوريا، فتركيا أيضًا لاعب مهمٌ في المنطقة وفي سوريا تحديدًا وصنعت نوعًا من الاستدارة في العلاقات مع النظام السوري، وأصبحت لديها مصلحة إستراتيجية اقتضهتها ظروفها، للدخول في حوار مع النظام السوري.

كما أشار المومني إلى أنّ انفتاح العرب على سوريا هو فرصة لانتزاع سوريا من فم الذئب الإيراني، وإيران تشكل معضلة في المسألة السورية ولكنّها اليوم تعاني من أزمة داخلية ووضع مقلق، والكارثة الإنسانية شكلك ضغطًا إضافيًا عليها سيزيد من كلفة الساحة السورية عليها.

وشدد على أنّه يجب استغلال الانفتاح العربي على سوريا لإقناع النظام السوري والأطراف الأخرى بإنتاج سوريا تكون إلى حدٍ ما بعيدة عن دولة الاستقطاب أو استنساخ التجربة العراقية مع ضرورة وجود عملية سياسية تنتج سوريا مستقرة.

توجيه أصابع الاتهام لمن يحاورون النظام السوري

ممّا لا شك فيه أنّ الأطراف الرافضة للجلوس مع النظام السوري تنظر للأمر بإشكالية العدالة في التواصل مع نظام تلطح بدم الشعب السوري، وهذا بكل تأكيد شكّل عقبة في التوصل إلى حلول سياسية، وكلا الطرفين المعارضة والنظام يلعبان في هذا الجانب (لعبة صفرية).

واستدرك المومني بالقول: أضف إلى ذلك أنّ الأطراف التي تعترض على الانفتاح مع النظام السوري ومنهم الغرب، لكنهم في الوقت ذاته يشتبكون مع سوريا لخلق تأثير وإنهاء عزلة سوريا، منوها إلى أنه “صحيح أنها مسألة جدلية والجميع يستطيع أن يسوق براهين بأنّ الاشتباك العربي من الأهمية بمكان في هذا السياق”.

ولفت إلى أنّه “قد يكون النظام السوري وضعفه واستسلامه الكامل لإيران، ناتج عن عدم وجود “كروت” بيده لمحاولة خلق هامش عربي”.

الجميع مضطر لتقديم تنازلات ومن المبكر الحكم

وقال المومني إنه “من المبكر الحكم على مسألة أنّ سوريا عادت لما كانت عليه قبل 2011، هذا غير صحيح، فنحن نتحدث عن سوريا الحالية المقسمة المجزأة، وأي عملية سياسية يجب أن تكون شاملة لجميع الأطراف”.

وأضاف بالقول: فهناك الأمريكان لاعب رئيسي في الشمال الشرقي هو وحلفاؤه الاكراد، وهناك الشمال ومجموعات المعارضة خارج نطاق سيطرة النظام السوري، وتركيا لها تأثير كبير فيها، وهناك الأردن والعراق وهناك السعودية وروسيا التي ارتفعت عليها الكلفة بعد انشغالها بأوكرانيا، وهي مضطرة لتقديم تنازلات في هذا السياق.

وشدد على أننا نواجه واقعًا جيوسياسيًا بالغ التعقيد، ومسألة العدالة قد لا تكون هي البعد الأوحد في التعامل مع القضية السورية، ويجب أن يكون هناك نكهة واقعية سياسية.

ولفت إلى أنّ التجربة أثبتت أنه لن يكون الحل المعياري باعتماد العدالة فقط في حلّ الوضع القائم في سوريا؛ بل لا بد أن يكون هناك عملية سياسية، مستدركًا بالقول: لكن واضح أن هنالك معضلة تواجه النظام، وهناك في الغرب وأمريكا يرفضون التعامل مع نظام ملطخ بدماء السوريين، فيما النظام الرسمي العربي والأطراف العربية تسعى لتشكيل حالة ضغط في سوريا تجبر النظام على تقديم تنازلات وتغيير نهج اللعبة السياسية الصفرية.

يذكر أنه بعد الزلزال الذي شهدته سوريا مؤخرًا وخلف آلاف الضحايا، وما خلقه من زيادة التعقيد في الواقع الإنساني، شهدت العلاقة العربية انفراجة مع نظام بشار الأسد على مختلف الصعد في زيارات لوزراء الخارجية العرب والوفود البرلمانية العربية واتصالاتٍ من قادة عرب، وكان عنوانها الأبرز المساعدات الإنسانية دون أي وعود بعودة نظام الأسد لحضن النظام الرسمي العربي.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: