أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الهراء العربي

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لربما لو كان الكاتب الإنكليزي تشارلز لوتويدج دودسون عربيّاً على قيد الحياة لكان اختار مقاربة مختلفة لروايته الشعبية الشهيرة “أليس في بلاد العجائب” المنشورة عام 1865، وكتبها باسم مستعار هو لويس كارول. تحكي الرواية عن فتاة صغيرة تدعى أليس لحقت بأرنب رأته يُخْرِجُ ساعة من جيبه وعلامات القلق بادية على وجهه، ثمَّ يركض مسرعاً ويقفز في حفرة، فقفزت وراءه لتبدأ مغامراتِها في عالم خيالي تسكنه مخلوقات غريبة. صَنَّفَ النقاد رواية كارول ضمن ما يعرف بـ”الهراء الأدبي”، وهو لو كان عربيّاً حيّاً يرزق بين ظهرانينا اليوم، وكتب عن عجائب العرب وبلادهم وأحوالهم، لربما وفّر على روايته هذا التصنيف، ولكانت تعبيراً صادقاً عن هراء الحال العربي.

لا أضيف جديداً إذا كتبت هنا إن الهراء العربي فاضحٌ ومعيبٌ ومخزٍ، ولكنه، مع كل أسف، قائم موجود. أينما أرجعت البصر، وعلى أي مستوى حَلَّلَت، فإنك لن تجد إلا ما يدعم هذه الفرضية. يبدو واقعنا العربي كعالم عجيب غريب دخلنا إليه رغماً عن أنوفنا عبر جحر الأرنب وأليس. عالم يسود فيه الفساد والقمع والفوضى والتخلف والارتكاس والارتهان للأجنبي الطامع. عالم لا يقل جلُّ الحاكمين والمتنفذين فيه، وكذلك كثير من أبنائه المسحوقين، عن تلك الحيوانات الغريبة التي وجدتها أليس. غالبنا يهيم من غير هدفٍ ولا غاية، وكأننا نحضر أنفسنا لمشهد ذلك اليوم العظيم، يوم القيامة، أين “تَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ”، فحالنا بائسٌ وكئيب. ترى كيف يمكن تفسير تدمير السودان بيد بعض أبنائه، دع عنك جرائم الاغتصاب بحقّ حرائره على أيدي من يفترض فيهم أنهم أصحاب العرض ومحارمه؟ الأمر نفسه يُقال عن سورية واليمن وليبيا، والقائمة تطول عربياً، على مستويات مختلفة، ما بين فساد وقمع وتخلف وارتهان واستلاب، لا تكاد تجد هنا استثناءات.

وإذا أردت مزيداً من العجب العربيّ العُجاب، فإليك هذه القصّة التي نشرها موقع أكسيوس الأميركي أول من أمس الأربعاء (12 يونيو/ حزيران). يقول عنوان الخبر: “الولايات المتحدة تعقد اجتماعاً مع جنرالات إسرائيليين وعرب في خضم حرب غزّة”. أما التفاصيل فهي كالتالي. المكان: البحرين. التاريخ: في وقت ما من الأسبوع الجاري. الداعي: القيادة المركزية الأميركية الوسطى. الحضور: رئيس القيادة المركزية الأميركية الوسطى، الجنرال ميشيل “إريك” كوريلا. رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هاليفي. بالإضافة إلى “جنرالات كبار”، حسب وصف التقرير، من البحرين والإمارات والسعودية ومصر والأردن. الهدف من الاجتماع: “مناقشة التعاون الأمني الإقليمي”. أما عن سبب عدم الإعلان رسمياً عن الاجتماع ومحاولة إبقائه طيَّ الكتمان، فذلك راجع “إلى الحساسيات السياسية الإقليمية المحيطة بالحرب في غزة”. بمعنى، إن شئت أن تفهم الأمر على أنه ما زال هناك بعض “خجل” عربيٍّ فلك ذلك، أما إن كنت تروم الدقّة، فالأصوب أن تقول: “إن لم تستح فأصنع ما شئت”.

لنعد إلى السياق الزماني لانعقاد هذا الاجتماع، الذي لا تتردّد المصادر الأميركية في تحديد هدفه المتمثل بالتنسيق والتصدّي لإيران، وكذلك البحث في مستقبل قطاع غزّة عندما تنتهي إسرائيل من جريمة الإبادة التي ترتكبها فيه. إذا كان هذا الاجتماع، حسب تأكيد “أكسيوس”، قد جرى في بحر الأسبوع الجاري، فإنه حدث ما بين السبت والأربعاء الماضيين. أي أنه جاء في أعقاب المجزرة الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل، بدعم أميركي معلن، في مخيّم النصيرات، وسط القطاع، والتي استشهد فيها ما لا يقل عن 274 شخصاً، وأصيب ما لا يقل عن 700، غالبهم من النساء والأطفال والمدنيين. طبعاً مجزرة النصيرات واحدة من مئات مثلها شهدها قطاع غزّة يومياً على مدى الأشهر الثمانية الماضية. وفي حين تتحشرج حناجر ذلك الفريق من العرب المشارك في اجتماع البحرين مع هاليفي وكوريلا، وتبحُّ أصواتهم إدانة وتعبيراً عن الأسى، تراهم يرطبونها في لقاءات وديَّةٍ معهما، حسبوا أنها تكون سرّية، بحيث تعفيهم من الحرج الكاذب، إلا أن إسرائيل وأميركا لا تلقي بالاً لطلاء الحمرة المغشوش الذي يصبغون به وجوههم، ومن ثمَّ تراهما لا تتردّدان في فضحهم على رؤوس الأشهاد.

عودة إلى “أليس في بلاد العجائب”. ربما الخلل الوحيد في رواية كارول أنه لم يواف الزمان الصحيح عند نشرها، ببون شاسع يراوح ما بين نصف قرن و160 عاماً. منذ مطلع القرن العشرين وبلاد العرب ملعب كرة يصول الأجنبي فيه ويجول. الأدهى أن الكرة التي تتقاذفها الأرجل الغريبة.. هم العرب كذلك. أعلم أن اختراق العالم العربي، أجنبياً، بدأ قبل ذلك بعقود طويلة. لكن ألـ109 أعوام الأخيرة، أي منذ اتفاقية سايكس – بيكو، تمثل أرذل ما في تاريخنا الذي تحول إلى واقعنا. هذا الواقع المزري هو حصاد أيدينا، أو أيدي بعضنا، لا يهم، فالنتيجة واحدة. “إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” (يونس: 44).

لمطالعة المصدر الأصلي للمقالة: (إضغط هنا)

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts