بعد انقطاع الغاز الروسي.. هل يعيد “الشتاء الأوروبي” للعالم نظام “القهر الدولي”؟

بعد انقطاع الغاز الروسي.. هل يعيد “الشتاء الأوروبي” للعالم نظام “القهر الدولي”؟

المحلل السياسي د. منذر الحوارات: إذا أفلتت روسيا بفعلتها في أوكرانيا سيصبح ما فعلت “عادة دولية”  

الخبير الاقتصادي منير ديّة: قطع الغاز الروسي سيؤجج احتجاجات الأوروبيين وينذر بفوضى سياسية وعدم استقرار

عمّان – رائد صبيح

حذر خبراء اقتصاديون ومحللون إستراتيجيون في تصريحاتٍ لـ “البوصلة” من خطورة ما يجري اليوم في دول أوروبا بعد قطع الغاز والنفط الروسي عنها، وما سيترتب عليه من نتائج كارثية وفوضى سياسية ستعمّق أزمة النظام العالمي الذي بدأ يتجه في فترة انتقالية بالغة الخطورة لنظام متعدد الأقطاب ستأكل فيه الدول العظمى والدول القوية، الدول الفقيرة والضعيفة.

وتوقع الخبراء أن تجتاح أوروبا موجة كبيرة من الاحتجاجات الشعبية التي ستؤدي إلى انهيار حكومات وفوضى عارمة بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم والكساد الذي سينجم عن ذلك لفتراتٍ طويلةٍ سيكون لها انعكاساتها المدمّرة على العالم أجمع.

صدمة الغاز الروسي تلقي بظلال قاتمة

وأكد المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” أنّ ما يجري في أوروبا اليوم بعد انقطاع الغاز الروسي عرض العالم لصدمة كبيرة، وكشف أنّ الدول لن تكون حصينة من تأثيرات الخارج إذا لم تمتلك الموارد الكافية لاستمرار نموها.

ولفت إلى أنّ أوروبا التي كانت تعتمد على ما لا يقل عن 40% من احتياجاتها السنوية من الغاز الروسي، لن تستطيع تعويض هذه الكميات الكبيرة بسهولة، وبالتالي قد تلقي بظلال قاتمة على النموّ الاقتصادي ومستوى الدخل في أوروبا، وترفع نسبة التضخم بشكلٍ كبيرٍ، الأمر الذي قد يؤدي لاحتجاجات اجتماعية هائلة وربما تسقط حكومات بسبب ذلك.

د. منذر الحوارات: تسعى روسيا لابتزاز أوروبا بقطع الغاز عنها وتجييش الرأي العام لكي تتخلى عن أوكرانيا

وحذر الحورات من أنّ استخدام الموارد الطبيعية التي حباها الله للدول في الصراعات والحروب، أمرٌ بالغ الخطورة سيؤدي لتراجع اقتصاديات كبيرة وانهيارها.

ونوه إلى أنّه على الرغم من التضامن الداخلي الأوروبي لمواجهة الأزمة إلا أنّ كلفة ذلك عالية لا سيما بعد ارتفاع أسعار الغاز لأكثر من 30%، وما تبعه من احتجاجات شعبية في الشارع. .

وأشار إلى أنّه: “في النهاية سيتساءل قادة أوروبا لماذا تدخلنا في الأزمة، وهل كنّا مجبرين على الوقوف إلى جانب أوكرانيا في مواجهة روسيا”،  مضيفًا بالقول: “بالطبع تحاول روسيا استثمار هذا الواقع في أوروبا وتجيّش الرأي العام وتحاول أن تعرض خدماتها من خلال صفقة أن يتخلى الأوروبيون عن أوكرانيا”.

شتاءٌ قاسٍ وفوضى سياسية

من جانبه أكد الخبير الاقتصادي منير ديّة أنّ العقاب الروسي للاتحاد الأوروبي على مواقفه المساندة لأوكرانيا، أجج الاحتجاجات في أوروبا وأجبر المواطنين على النزول للشوارع بعد ارتفاع الأسعار بشكلٍ غير مسبوق، حيث ارتفعت أسعار الطاقة في أوروبا الى عشرة اضعاف وانخفض اليورو الى ما دون الدولار وارتفعت تكاليف الطاقة والكهرباء على المواطن الأوروبي بموازاة وصول التضخم لاكثر من ٩٪ وهي نسبة غير مسبوقة.

ولفت ديّة في تصريحاته لـ “البوصلة” إلى أنّ ٤٠٪ من احتياجات أوروبا من الطاقة قادمة من روسيا ومع توقف تلك الامدادات وبما ان أوروبا على أبواب فصل الشتاء بدأت الدول الأوروبية تبحث عن بدائل لملئ خزاناتها من الغاز من مصادر أخرى واستطاعت بعض الدول الأوروبية تأمين نصف احتياجاتها من الغاز حتى الان فيما البقية ينتظر حلولاً لشتاء ربما يكون قاسياً هذه السنة وخاصة اذا انخفضت درجات الحرارة كثيراً.

وحذر ديّة من أنّ “الاحتجاجات المتزايدة في أوروبا احتجاجاً على ازمة الطاقة وارتفاع التضخم يمكن أن تودي الى عدم استقرار سياسي واسع حيث أعلنت جماعات يسارية ويمينية متطرفة بدء تظاهرات أسبوعية في العديد من المدن الأوروبية ،فيما سارعت العديدمن الحكومات الأوروبية عن حزم إغاثة بمليارات الدولارات لمساعدة شركات الطاقة على شراء الإمدادات وتخفيض قيم فواتير الكهرباء على المواطنين هناك”.

الخبير الاقتصادي منير ديّة: هل ستنجح أوروبا بتجاوز أزمة انقطاع الغاز الروسي عبر تنويع مصادرها؟

وأكد أنّ “نقص امدادات الطاقة وارتفاع تكاليفها سيقودان الاتحاد الأوروبي الى ركود طويل الأمد ولن يكون لانخفاض اليورو تأثير على زيادة الصادرات من الدول الأوروبية في ظل تلك الازمة فالمصانع الأوروبية تعاني من ارتفاع فاتورة الطاقة والتي ستحد من قدرتها على المنافسة وستقلل انتاج السلع بصورة واضحة”.

وختم ديّة بالقول: إنّ الدول الأوروبية تسابق الزمن لتنويع مصادر الطاقة وتشجيع خفض الإنتاج وتقنين استخدام التدفئة والوقود وتخزين اكبر قدر ممكن من الطاقة فهل ستنجح أوروبا، الشتاء القادم بسرعة هو من سيحدد ذلك!.

خطورة إفلات روسيا بفعلتها

وحذر الدكتور منذر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” من أنّ المشكلة أنّه إذا ما أفلتت روسيا بفعلتها في أوكرانيا سيصبح ما فعلت “عادة دولية”، وكيف سينعكس هذا على عودة الحضارة إلى لحظة البدء، بأن الدول تغزو الدول بعضها لاعتبارات بسيطة وتسيطر عليها، لافتا في الوقت ذاته إلى أنه بعد معركة وستفاليا 1648 م (حرب 30 عاما أدت لخسائرة مادية وبشرية كبيرة جدًا)، والحرب العالمية الثانية أيضًا، وضع نظام دولي يحترم الحدود السياسية للدول، وبالتالي هذا صان حدود الدول الفقيرة والضعيفة والتي ليس لديها إمكانيات عسكرية في وجه الدول الغنية.

وتابع بالقول: “بالتالي إذا ما ثبتت روسيا هذا الواقع فستصبح عادة دولية أن الدول الغنية والتي لديها إمكانيات قوية تجتاح الدول الفقيرة الفاقدة للإمكانيات وتضم جزءًا من أراضيها ونصبح في نطاق فوضى النظام الدولي ما قبل الحرب العالمية الثانية”.

وعبّر الحوارات عن أسفه من أنّ “الناس يرحبون بالغزو في بعض المرات على اعتبار أنّه مواجهة للغرب والنظام العالمي، لكن حقيقة ما سينتج عنه أخطر بكثير ممّا يعتقد البعض”.

“اليوم يهيمن الغاز على القرارات السياسية واحتياجات الشعوب، ولذلك يجب معاملة النفط والغاز مثل معاملة الأنهار الدولية، التي يجب أن تصان من المنع والإغلاق لأنّها تتعلق بحياة الشعوب”، على حد وصفه.

وأشار إلى أنّ “ما يحدث اليوم شديد الخطورة ويؤشر إلى نظام دولي شديد الفوضى والإرباك، وسيؤدي إلى صراعات مستدامة على المدى المستقبلي”.

وشدد على أنّه يجب أن يتضامن العالم حتى لو كان لدى أوروبا على الرغم من أخطائها الكثيرة، وهي قوة استعمارية كبيرة، ولكن جاء الوقت الذي تُعتبر فيه الملكيات في باطن الأرض هي ملكيات للإنسانية جميعها ولا يجوز استثمارها في الحروب.

وعبر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصة“، عن أسفه من أن النظام الدولي اليوم يدخل في حالة من الفوضى، وعملية تحوله من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب، سيمر في فترة انتقالية، سوف تستغلها الدول القوية بإمكانياتها العسكرية لتحقيق مكاسب على حساب الدول الصغيرة، وضرب مثالاً على ذلك “أنّ دولة الاحتلال دولة قوية ولديها إمكانيات عسكرية وهي مدعومة من الغرب ويمكن أن تعتدي على اي دولة في المحيط، سواءً الأردن أو لبنان، أو سوريا أو الأراضي الفلسطينية، أو غيرها، وتثبت أمرًا واقعًا بالقوة، ويصبح نظام القوة هو المهيمن ونظام القهر الدولي الذي نشأت في ظله دول الاحتلال هو الحاكم”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: