تحذيرات من انزلاق الأزمة السودانية في ضباب فقدان الذاكرة العالمي

تحذيرات من انزلاق الأزمة السودانية في ضباب فقدان الذاكرة العالمي

حذر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، من إن الأزمة في السودان هي مأساة يبدو أنها انزلقت إلى ضباب فقدان الذاكرة العالمي.

وأشار خلال مخاطبته الدورة الخامسة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان إلى أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والقوات الموالية لهما، تخوض صراعًا شرسًا لا معنى له منذ ما يقرب من أحد عشر شهرًا، متهما الأطراف المتصارعة في البلاد بقتل الآلاف، دون أي ندم.

وأضاف: «لقد صنعوا مناخا من الرعب المطلق، وأجبروا الملايين على الفرار، بينما ما يزال العالقون داخل البلاد يعانون بسبب تدمير الخدمات الطبية ومنع المساعدات الإنسانية.

وأبدى استيائه من الإفلات من العقاب ومما اعتبره افتقارا واضحا للمساءلة عن الانتهاكات المتعددة التي ارتكبت، والتماطل في أي مفاوضات من شأنها أن تحقق السلام والسلامة والكرامة التي يحتاجها شعب السودان.

وأشار إلى الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة في السودان بين نيسان/أبريل وكانون الأول/ديسمبر الماضي، التي تتطلب التحقيق والمساءلة محذرا من أن العديد منها قد ارتقى إلى جرائم حرب أو جرائم وحشية أخرى.

وتابع: «لا تزال الأزمة في السودان تتسم بالتجاهل للأزمة الإنسانية».

وحسب إحصاءات الأمم المتحدة قُتل ما لا يقل عن 14600 شخص، وأصيب 26000 آخرون منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل الماضي، مرجحة أن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى من ذلك بكثير.

وتشمل الحصيلة آلاف المدنيين، بينهم العديد من الأطفال والنساء. كما فقد العديد من العاملين في المجال الإنساني والصحي حياتهم أثناء عملهم تحت النار لمساعدة المحتاجين.

وأشار مفوض حقوق الإنسان إلى توثيق التكتيكات العدوانية وهجمات متعددة وعشوائية تضرب المناطق والمباني السكنية، لافتا إلى «استخدام الأسلحة ذات التأثير واسع النطاق، حتى في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، والتي يتم إطلاقها من الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار والدبابات».

ونوه إلى تدمير البنية التحتية المدنية الحيوية للحياة اليومية، مثل المستشفيات والمدارس، الأمر الذي خلف آثارا دائمة لسنوات مقبلة على الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم.

وفي الحرب في السودان، لا تشكل المدفعية الثقيلة سوى جزء واحد من الأسلحة.

وأشار تورك إلى العنف الجنسي كسلاح من أسلحة الحرب، بما في ذلك الاغتصاب، كسمة مميزة للأزمة في البلاد.

ومنذ بدء النزاع في نيسان/أبريل الماضي، وثّق مكتب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان 60 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع، شملت ما لا يقل عن 120 ضحية في جميع أنحاء البلاد، غالبيتهم العظمى من النساء والفتيات.

وأبدى أسفه من أن هذه الأرقام تمثل تمثيلا ناقصا إلى حد كبير للواقع. حيث أفادت التقارير أن رجالاً يرتدون زي قوات الدعم السريع والرجال المسلحين المنتمين إلى قوات الدعم السريع مسؤولون عن 81 في المئة من الحوادث الموثقة.

وأشار إلى توثيق الأمم المتحدة تقارير مثيرة للقلق عن عمليات قتل ذات دوافع عرقية، بما في ذلك قطع الرؤوس في شمال كردفان، وحوادث في مناطق مختلفة، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، وغرب دارفور، وولاية الجزيرة.

وبين أن مكتب مفوض الأمم المتحدة تواصل مع السلطات السودانية لضمان التحقيق في هذه الادعاءات ومحاسبة الجناة.

وأبدى قلقه على مصير آلاف المدنيين المحتجزين لدى الأطراف المتقاتلة والمنتسبين إليهما رهن الاحتجاز التعسفي، وعلى مصير المئات الذين اختفوا. ومن بينهم نشطاء سياسيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وأعضاء لجان مقاومة، ومناصرون مزعومون لأحد الأطراف المتقاتلة. ويُزعم أن العديد منهم تعرضوا للتعذيب، وأن العديد منهم ماتوا متأثرين بجراحهم.

وأضاف: «لقد روعتني الدعوة المتزايدة لتسليح المدنيين، بما في ذلك الأطفال» مشيرا إلى تلقي مكتب مفوضية حقوق الإنسان تقارير عن قيام قوات الدعم السريع بتجنيد مئات الأطفال كمقاتلين في دارفور، وأن القوات المسلحة السودانية فعلت الشيء نفسه في شرق السودان.

وحذر من أن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صارخاً للبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والذي يلتزم السودان به.

وأبدى قلقه من حشد المدنيين أنفسهم في إطار «حركة المقاومة المسلحة الشعبية الجديدة» مشيرا إلى ما اعتبره مخاوف حقيقية من أن يؤدي ذلك إلى تشكيل «ميليشيا مدنية مسلحة» ليس لها سيطرة محددة، ما يزيد من فرص انزلاق السودان إلى دوامة حرب أهلية طويلة الأمد.

ونوه إلى أن السودان أصبح كابوساً حياً، لافتا إلى إن ما يقرب من نصف السكان (25 مليون شخص) في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية والطبية، في حين خرجت 80 في المئة من المستشفيات من الخدمة. محذرا من إن الحرمان المتعمد من الوصول الآمن ودون عوائق للوكالات الإنسانية داخل السودان نفسه يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وأنه قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب.

ودعا الأطراف المتحاربة إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية بفتح الممرات الإنسانية دون تأخير قبل فقدان المزيد من الأرواح.

ومع اضطرار أكثر من ثمانية ملايين شخص إلى الفرار داخل السودان وإلى البلدان المجاورة، فإن هذه الأزمة تقلب البلاد رأساً على عقب وتهدد بشدة السلام والأمن والأوضاع الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة بأكملها. قال مفوض حقوق الإنسان إن قوات الدعم السريع لم تف بوعدها بالتعاون مع البعثة الدولية لتقصي الحقائق بشأن السودان التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، مضيفا: أن السلطات السودانية تواصل معارضة أي تعاون. وحث جميع أطراف النزاع على اتخاذ خطوات فورية للتعاون مع بعثة تقصي الحقائق، مطالبا الدول الأعضاء، وخاصة الدول المجاورة للسودان، دعم العمل الحيوي للبعثة.

وأبدى خشيته من وجود فجوة كبيرة في الحوار الفعال لإنهاء هذه الحرب، داعيا جميع الدول ذات النفوذ إلى زيادة الضغط على الطرفين والجماعات التابعة لهما للتفاوض على حل سلمي لهذه الكارثة، والسعي إلى وقف إطلاق النار والحفاظ عليه.

ولفت إلى ما اعتبره دورا حاسما يلعبه للتخفيف من حدة المعاناة الإنسانية التي يتحملها شعب السودان، مبديا أسفه من عدم تمويل سوى أقل من 4 في المئة من خطة الاستجابة الإنسانية في السودان مما يؤثر بشكل خطير على قدرة الوكالات الإنسانية على الاستجابة لهذه الأزمة.

وفي تشرين الأول/ نوفمبر 2022 كانت الزيارة الأولى للمفوض السامي لحقوق الإنسان إلى السودان، قبل نحو ستة أشهر من اندلاع الحرب في البلاد.

(القدس العربي)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: