تحضيرات لعملية عسكرية بالجنوب السوري: المخدرات و”الغرباء” أحدث الذرائع

تحضيرات لعملية عسكرية بالجنوب السوري: المخدرات و”الغرباء” أحدث الذرائع

بينما تتواصل عمليات الاغتيال في محافظة درعا جنوبي سورية، تحشد قوات النظام السوري في أكثر من اتجاه بريفي المحافظة الشرقي والغربي، في ما يبدو أنها تحضيرات لإطلاق عمليات عسكرية جديدة، تستهدف كما يقول ضباط النظام تجار المخدرات وعناصر تنظيم “داعش”.

وفي هذا السياق، داهمت قوات النظام ومليشيات محلية مسلحة، صباح الخميس الماضي، خياماً في ريف درعا الشرقي لمدنيين مهجرين بين محافظتي درعا والسويداء، ونفذت عمليات اعتقال بحقهم.

وقال “تجمع أحرار حوران” (وهو موقع إعلامي ووحدة توثيق يغطي أحداث الجنوب السوري) إن قوات النظام ومليشيات تابعة لفرع الأمن العسكري طوّقت المنطقة التي توجد فيها الخيام بين بلدة ناحتة وقرية صما الهنيدات غربي السويداء، ومنعت الدخول والخروج منها. كما اعتدت على المدنيين بالضرب، وسلبت ممتلكاتهم كالدراجات النارية والمواشي والأدوات الكهربائية، واعتقلت عدداً من الأشخاص. وأشار إلى أن الحملة الأمنية انطلقت من مواقع النظام في “اللواء 12″ في مدينة ازرع، و”اللواء 52” في ريف درعا الشرقي.

ونقلت شبكة “السويداء 24” عن مصدر أمني زعمه أن هدف الحملة البحث عن مطلوبين بقضايا تتعلق بتجارة المخدرات، والعمل لصالح خلايا تنظيم “داعش”.

أما في الريف الغربي، فقد تمركزت قوات من النظام على الطريق الواصل بين اليادودة وطفس، وانتشر بعضها في المزارع والبساتين في المنطقة. وقدمت القوات من مدينة درعا المحطة، وتألفت من 13 آلية، يحمل بعضها مضادات أرضية، والعشرات من العناصر.

استغلال الموقف قبل المصالحة مع العرب

وقال المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو محمود، لـ”العربي الجديد”، إن النظام يسعى إلى استغلال الموقف الإقليمي والدولي في ظل “المصالحة” مع دول عربية، بحجة أنه سيقوم بملاحقة تجار المخدرات وعناصر “داعش” في محافظة درعا، بعد أن تلقى طلبات من بعض الدول العربية بالعمل على وقف تجارة المخدرات العابرة للحدود باتجاه الأردن، وبلدان الخليج.

وأوضح أن التعزيزات تخرج من قطع عسكرية في درعا المحطة بشكل مستمر، وتتوجه إلى جنوب طفس بالقرب من معمل “الشيبس”، بعد أن قُطعت الطرقات في المنطقة، وسط توقعات بوجود نية لدى قوات النظام لشن حملة عسكرية وأمنية في المحافظة تستهدف بشكل خاص بلدة محجة والقرى المحيطة بها، وتشرف عليها “الفرقة الرابعة” والمجموعات المحلية التابعة لها، إضافة إلى الأمن العسكري.

وأضاف أبو محمود أن التعزيزات التي حضرت من “اللواء 12″ في ازرع و”اللواء 52” شرق مدينة الحراك، إضافة إلى عناصر تابعين للأمن العسكري والمخابرات الجوية، نحو الريف الشرقي، هاجمت العديد من المزارع والخيم في تلك المنطقة، واعتدت على المدنيين القاطنين فيها، واعتقلت بعضهم، إضافة إلى سلب أموال وعدد من رؤوس الماشية.

وأشار إلى أن السكان هم أساساً من المهجرين من مناطق ساخنة في أوقات سابقة، وخاصة اللجاة، ويعيشون هناك منذ 2013، بعد أن استولت قوات النظام على منازلهم الأصلية، واتخذها كمقار عسكرية أو لمبيت عناصرها.

اجتماعات مع الوجهاء

وبشأن التحركات في الريف الغربي، قال أبو محمود إن النظام دفع بتعزيزات من مقاره في محيط حي الضاحية قرب درعا المحطة إلى محيط مدينة طفس وبلدة اليادودة بالريف الغربي، بهدف إنشاء مقار دائمة لتلك القوات في هاتين المنطقتين.

وأوضح أن هذا الأمر جرى بعد اجتماع عقده رئيس اللجنة الأمنية في محافظة درعا اللواء مفيد حسن مع من يُسمّون وجهاء من أبناء المنطقة، وهم عملياً من اللجان الحزبية الموالية للنظام، وقد أبلغهم أن الوضع يتجه إلى تصعيد عسكري ما لم تُحل قضيتا “الغرباء” والمخدرات، على الرغم من علم الجميع أن النظام نفسه هو من يدير هؤلاء “الغرباء”، والمقصود بهم المشتبه بانتمائهم لتنظيم “داعش”، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المخدرات التي تشرف قوات النظام وأجهزة الأمن والمجموعات التابعة لإيران على تصنيعها ونقلها والاتجار بها ضمن محافظة درعا، وعبر الحدود باتجاه الأردن.

كما أبلغ ضباط النظام بعض مخاتير القرى في تلك المنطقة نيتهم إجراء “تسويات” جديدة للمطلوبين، التي عادة ما تسبق أي عملية عسكرية ينوي النظام إطلاقها في محافظة درعا. ولفت أبو محمود إلى أن أحد الأهداف الدائمة لضباط الأمن التابعين للنظام من مثل هذه التسويات هو الابتزاز المالي للمدنيين، بحيث يسمح للبعض بعدم إجراء تسوية مقابل دفع مبالغ مالية.

وأوضح أبو محمود أن جهاز الأمن السياسي طلب من مخاتير الصنمين إبلاغ أهالي المدينة بعمل تسويات جديدة لمن يحمل سلاحاً وللمتخلفين عن الخدمة العسكرية خلال اليومين المقبلين، مع تهديدات بالاعتقال لمن لا يرغب بالتسوية.

من جهتها، ذكرت شبكة “درعا 24″، التي تضم ناشطين “محايدين”، أن اللجنة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام في مدينة درعا دعت الوجهاء والشخصيات الفاعلة في العديد من القرى والبلدات في المحافظة إلى اجتماعات، جرى بعضها خلال الأيام القليلة الماضية.

ونقلت الشبكة عن أشخاص من الريف الغربي، حضروا تلك الاجتماعات، قولهم “إنها كانت بدعوة من اللواء مفيد حسن، قائد الفيلق الأول ورئيس اللجنة الأمنية، وليست هناك أي حملة عسكرية ضد أي منطقة في درعا”. وأشارت إلى أن دعوات وجهت إلى وجهاء وشخصيات فاعلة في مدينة جاسم لعقد اجتماع مشابه، إلا أنه لم يعقد حتى الآن بسبب رفض الوجهاء تلبية الدعوة.

غير أن الشبكة عادت وذكرت بأن هناك بالفعل تحضيرات لعملية عسكرية هدفها تثبيت نقاط جديدة والبحث عن مطلوبين وأسلحة في مناطق درعا البلد ومخيم درعا، ومدن وبلدات الريف الغربي من المحافظة، وفي جاسم والصنمين ومحجة في الريف الشمالي.

وأشارت إلى أن الحملة ستنتهي قبل يونيو/حزيران المقبل. وذكرت أنه سيُطلق سراح معتقلين من محافظة درعا، وستجرى تسوية للمطلوبين، وستكون هذه التسوية عن طريق مخافر الشرطة ومخاتير الأحياء في مدن وبلدات المحافظة. ولفتت إلى أنه جرى خلال اليومين الماضيين تثبيت نقطة عسكرية في محيط مدينة طفس، بالقرب من القصر الواقع على طريق درعا- طفس، إضافة إلى نقطة أُخرى بالقرب من سد اليادودة في الريف الغربي.

رفض محلي لتسويات جديدة

ويبدو أن المزاج الشعبي يميل إلى رفض الاستجابة لأية تسويات جديدة قد يطرحها النظام، بسبب الاعتقاد السائد بأن هدفها مجرد الابتزاز المالي للأهالي. وقد توعدت مجموعة تطلق على نفسها “ثوار الشرقية”، في بيان أول من أمس، قوات النظام والمليشيات الموالية لها بـ”تحويل درعا إلى جحيم في حال تعرض أي منطقة من حوران لهجوم من قبل عناصر النظام تحت أي ذريعة كانت”. وأكد البيان أن “المعركة إن اشتعلت على حوران، فستكون البداية فحسب”.

ورأى الصحافي مؤيد الزعبي، المنحدر من محافظة درعا والمقيم حالياً خارج سورية، أن تحركات قوات النظام تستهدف فقط إثارة مخاوف الأهالي للقبول بتسويات جديدة أو دفع مبالغ مالية، وإعطاء انطباع للمجتمع المحلي وللدول العربية التي تسعى للتطبيع مع النظام بأن الأخير ما زال هو صاحب المبادرة، وأنه قادر على التحرك في الجنوب السوري وفي كل الجبهات، بهدف تعزيز الثقة بالنظام وتحسين موقفه التفاوضي في كل الملفات، المحلية والخارجية.

ساحة الجنوب الأسهل للنظام

ولفت الزعبي، في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن ساحة الجنوب السوري تعتبر الأسهل للنظام من أجل التحرك والمناورة، قياساً بالشمال السوري الذي تسيطر عليه فصائل مسلحة تستطيع الرد بشكل مباشر على قوات النظام، وشرقي البلاد حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من أميركا.

وأشار الى أن النظام غير معني بمكافحة تهريب المخدرات في المنطقة، لأنه هو من يرعى ترويجها أصلاً، وربما يسعى للنيل ممن يستهدفون تجار المخدرات، حيث تشير المعطيات إلى ازدياد عمليات الاغتيال بحقهم في الآونة الأخيرة في محافظة درعا، وخاصة في الريف الغربي، حيث جرت خلال الشهرين الماضيين نحو 30 عملية ومحاولة اغتيال لأشخاص متهمين بتجارة وترويج المخدرات.

وحول إمكانية أن تؤدي تحركات النظام الى التصادم مع “اللواء الثامن” المنتشر في الريف الشرقي، رأى الزعبي أن تحجيم نفوذ هذا اللواء والسعي إلى حله نهائياً من الأهداف الدائمة للنظام، رغم تبعيته الشكلية لـ”الأمن العسكري” منذ أن تخلت عنه روسيا قبل نحو عامين، بسبب رفض قيادته المرابطة في البادية السورية قتال تنظيم “داعش”.

وأضاف الزعبي أن قوات النظام قد لا تحاول في هذه المرحلة التصادم مع “اللواء الثامن” لأنها لا تريد خوض معارك جدية تتكبد فيها خسائر، بل تريد فقط خوض معركة إعلامية وأمنية لممارسة ضغوط على الأهالي وابتزازهم مالياً، وإيصال رسائل سياسية إلى خارج الحدود بشأن قدرتها على مكافحة تهريب المخدرات وضبط الوضع الأمني، خاصة على الحدود.

(العربي الجديد)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: