تصريحات حول “العفو العام” تبث الأمل لدى البعض وتثير مخاوف قانونية

تصريحات حول “العفو العام” تبث الأمل لدى البعض وتثير مخاوف قانونية

البوصلة – محمد سعد

كثر الحديث من المسؤولين الرسميين حول إصدار قانون عفو عام وتعزز الامل لدى بعض المواطنيين وسط غياب تصريحات حكومية حاسمة بالنفي أو التاكيد، وتبنّت لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في مجلس النواب، أمس الاثنين، مذكرة نيابية تطلب فيها إصدار قانون عفو عام في بعض القضايا التي لا تؤثر على السلم الاجتماعي ولا تمس حقوق الاخرين، وفق النائب بسام الفايز.

ووقع أكثر من 70 نائبا على المذكرة التي إطلعت عليها “البوصلة“، وتطالب باقتراح مشروع قانون يسمى (قانون العفو العام لسنة 2023)، ولكن برزت تحذيرات قانونية من شكل العفو ومن يشمل وأثره على الصالح العام.

وقال الفايز، اليوم  الثلاثاء، إنّ ملف العفو العام سيكون على طاولة مجلس الوزراء لدراسته بعد تقديم الطلب من اللجنة النيابية، لتدرسه بعد ذلك لجنة حكومية مختصة.

وأضاف الفايز، خلال تصريحات صحافية، بعد اجتماع اللجنة، مع وزيري الداخلية مازن الفراية، والعدل أحمد الزيادات، أن الحكومة استقبلت طلب اللجنة المتعلق بالعفو العام، مؤكداً تجاوب الحكومة مع الطلب، وأنه في حال لم يُتخذ قرار من الحكومة؛ ستتبنى اللجنة تقديم مقترح قانون عفو عام. 

هيية الدولة والردع العام


بدوره، اوضح نقيب المحامين الأردنيين يحيى أبو عبود أن قانون العفو العام هو خيار استراتيجي في الدولة في ظل ظروف سياسية واقتصادية معينة ولا يتم عمله بفترات متقاربة علما بأن آخر عفو عام كان نهاية عام 2018، مبينا بأن الآثار السلبية للعفو العام تتمثل في إلغاء الردع العام، والتي تؤدي إلى اهتزاز الثقة بالقاعدة القانونية وهذا ينال من هيبة الدولة ومن فكرة دولة المؤسسات.

ودعا أبو عبود الحكومة إلى تشكيل لجنة من الخبراء تضم مجموعة من المختصين بعلم الاجتماع والقانون والشريعة بحيث تطلع على بيانات وشواهد محددة ومدعمة بأرقام علمية عن الجرائم وماهيتها، بحيث نخرج بدراسة علمية فيما يتعلق بالعفو، ومن ثم يتم التقدم بإنشاء قانون العفو العام،

إقرأ أيضا: مذكرة نيابية للمطالبة بـ”العفو العام” (وثيقة) 

وأكد أبو عبود بأن المساءلة المدنية لا تسقط في حال إقرار قانون العفو العام، بل يسقط فقط الشق الجزائي من القضية، ويمكن لأي مشتكي في أي قضية أن يطالب بحقه المدني بالمحكمة.

وفيما يتعلق بالموقوفين إدارياً والذين يبلغ عددهم حوالي 1800 موقوف، أكّد النائب الفايز أن وزير الداخلية، مازن الفراية، وعد بالإفراج عن موقوفين إداريين ممن لا يشكلون خطراً على السلم المجتمعي. 

هل هناك بدائل اكثر عدالة؟

عبر المحامي والحقوقي حمادة أبو نجمة عن أسفه لموافقة الحكومة على بحث طلب العفو العام، مضيفاً أن البديل الحقيقي والأكثر عدالة هو العفو الخاص. 

وأضاف أن معظم دول العالم تعرف ما يسمّى بالعفو الخاص، وليس العام، وتجربة الأردن بعد إصدار أكثر من 12 قانون عفو عام تشير إلى أن الجرائم تتكرر من المجرمين ذاتهم، وفي ذلك ضياع لحقوق كثير من الناس، فقانون العفو العام يشجع سجناء وموقوفين على تكرار أفعالهم، وهو أيضاً، وإن كان مفيداً للعديد من الأشخاص، فهو يضيع حقوق أعداد أكبر، منهم ضحايا الجرائم وأسرهم، وفي حال تشريعه سيشكل ضربة للعدالة وسيادة القانون وانتهاكاً صارخاً للحق العام. 

وأشار في تصريحات صحفية لموقع “العربي الجديد”، إلى أنه في العادة هناك جرائم خطيرة يشملها العفو العام، مثل جرائم القتل والاغتصاب وهتك العرض، والرشوة والاختلاس، وقطع الأعضاء والتشويه وإحداث العاهات، والذم والقدح والتحقير، معتبراً أن العفو العام تغول على القانون وسيادته المفترضة، وتهميش لدور القضاء، في الوقت الذي يفترض في الدولة أن تحرص على أن تأخذ العدالة مجراها. 

حملات إلكترونية للمطالبة بالعفو العام

وأطلقت مجموعة من الصفحات والحسابات على موقع التواصل تطالب بإصدار العفو، وتنشر شكاوى وقصص لبهض ذوي السجناء والمحكوميين.

ومن أبز تلك الحملات حساب اللجنة الوطنية الأردنية للمطالبة بالعفو العام ويتبعها اكثر من تسعة الاف، وحساب أخر على فيسبوك يحمل إسم صفحة العفو العام الرسمية، وكلها تطالب بالعفو تحت العديد من الشعارات ومنها “عفو عام شامل إكراماً للأمهات والأباء”.

وكشف أستطلاع غير علمي، أجرته إذاعة حياة أف أم عبر حسابها على فيسبوك، غالبية مؤيدة للعفو.

يشار إلى أن جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن)، كشفت عن تصاعد جرائم القتل الأسرية عام 2022 بنسبة 94 بالمائة عن عام 2021 من 18 إلى 35 ضحية. 

وأكدت الجميعة أن اتسمت معظم هذه الجرائم بإفلات الجناة من العقاب بسبب إسقاط الحق الشخصي وبعض التقاليد والأعراف العشائرية.

ما هي مبررات إصدار العفو العام؟

قال مدير مركز تأهيل وإصلاح الجويدة العقيد محمود الغياث في تصريحات سابقة إنّ الاكتظاظ هو المشكلة الكبرى التي تواجه مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن، لافتاً إلى وجود 21.725 نزيلاً في مراكز الإصلاح (17 مركزاً، من بينها مركز واحد للنساء) في الأردن، فيما طاقتها الاستيعابية 13.288 نزيلاً، بالتالي فإنّ نسبة الإشغال هي 163 في المائة من الطاقة الاستيعابية.

ويرى أبو نجمة، أنه من غير المنطق تبرير التوجه نحو العفو العام بدعوى أن السجون متخمة بأعداد من المساجين تفوق طاقتها الاستيعابية، وأن العفو العام سوف يخفف الضغط عن السجون، فهذا التبرير تكرر في حالات العفو السابقة، الأمر الذي يعني أن تفريغ السجون هو تفريغ مؤقت لا يصمد طويلاً، خاصة أن السجون ما تلبث أن تعود للامتلاء من جديد، وفي ذلك ما يشير إلى أن الحل يكمن إما في معالجة أسباب تزايد الجرائم، أو في معالجة محدودية القدرة الاستيعابية للسجون.

“في محاولة لاستمالة ود الرأي العام، يتمسك أنصار العفو العام من أعضاء مجلس النواب بأن الظروف الاقتصادية وتبعات جائحة كورونا لا تزال ترمي بظلالها على الأسر الأردنية، وهي التي تُجبر رئيس الوزراء على تكرار تمديد العمل بأمر الدفاع رقم (28)، الخاص بوقف سريان النصوص القانونية المتعلقة بحبس المدين، وتجميد عقوبة إصدار شيكات دون رصيد إلى حد مالي معين”، يقول أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية ليث نصراوين.

وأكد نصرواين في مقال له، أن هذه الإدعاءات لا تقوم على أساس قانوني سليم وحرية بالرد، موضحا، أن أي عفو عام جديد سيصدر لن يكون له تأثير مباشر على المدينين المتعثرين، باستثناء إعفائهم من مخالفات السير أو أي غرامات مالية أخرى إن وجدت. فالعفو العام يوجه إلى الجرائم الجزائية التي يرتكبها الأفراد خلال فترة زمنية معينة، فيُعفي عنها ويزيل حالة الإجرام من أساسها، ويمحو كل أثر من الآثار المترتبة عليها بمقتضى التشريعات النافذة. كما يسقط العفو العام كل دعوى جزائية وعقوبة أصلية كانت أو تبعية تتعلق بأي من تلك الجرائم الخاصة به، حسب قوله.

وعلق على قضية اكتظاظ السجون الأردنية، قائلاً، “هي ظاهرة وطنية مقلقة تدعونا إلى التفكير العميق في التعاطي معها، بحيث يتم تقديم الحلول المناسبة التي يجب ألا تكون على حساب المبادئ الثابتة في علم القانون”.

واقترح نصراوين لمعالجة هذه الظاهرة، “مراجعة نصوص قانون منع الجرائم فيما يخص التوقيف الإداري لصالح ربط صلاحية الحاكم الإداري بالتوقيف بمدة زمنية معينة، وذلك أسوة بالتوقيف الجزائي في الجنايات والجنح، حيث جرى تقييد صلاحية النيابة العامة في التوقيف بفترات زمنية معينة واردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: