تقدير موقف: هل سيطول العدوان الإسرائيلي على غزة؟

تقدير موقف: هل سيطول العدوان الإسرائيلي على غزة؟

رصد – البوصلة

أكد مركز الزيتونة في تقدير موقف جديد أنّ الأهداف المعلنة للاحتلال الإسرائيلي ما زالت بعيدة المنال، لا سيما بعد أن دخل العدوان الإسرائيلي على غزة يومه الخمسين، وفشل فيما أعلن عنه من أهداف سواء في “سحق” حماس، أم تحرير أسراه، أم في فرض منظومة حكم بديلة، أم في أخذ ضمانات كاملة ألا يشكل قطاع غزة تهديداً لأمنه في المستقبل.

وقال المركز في تقدير الموقف الذي اطلعت عليه “البوصلة” إنه وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة من الشهداء والجرحى، والدمار الذي غطى القطاع؛ فإن حماس وقوى المقاومة، مدعومة بالحاضنة الشعبية، ما زالت تبدي مقاومة باسلة، وتلحق خسائر كبيرة بقوات الاحتلال، بل وتمكنت من فرض شروطها في الهدنة الإنسانية وصفقة تبادل الأسرى الأولى. وهي بعد أن حققت انتصارها يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر2023، ليست في وارد الاستسلام للشروط الإسرائيلية، التي ليس لها معنى سوى اجتثاث المقاومة في قطاع غزة، أو إفراغها من محتواها.

ويجيب مدير المركز الدكتور محسن صالح وهو الذي أعد تقدير الموقف على تساؤل مهم: هل سيطول العدوان الإسرائيلي على  غزة، وهل يصبح الوضع أقرب إلى حالة “كسر عظم” و”عض أصابع متبادل”. وهذا يعني أن الحرب قد تطول، ولكن إلى أي مدى؟!

حسابات الاحتلال

ويشير صالح إلى أنّ هناك العديد من “الحسابات الإسرائيلية” بعد اليوم الخمسين من الحرب، ما زالت وهي ما زالت محكومة بعدة عوامل أهمها استعادة نظرية الأمن والردع، واعتبار ذلك معركة “مصيرية” بالنسبة لدولة الاحتلال، حيث إن معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قد ضربتها في الصميم، وأسقطتها في أعين الكثيرين. إذ إن عدم استرجاع البيئة القوية الآمنة، سيعني أن مشروع الدولة الصهيونية كملاذ آمن لليهود قد فقد معنى وجوده، وأنه أصبح بيئة طاردة، كما أن دور هذا الكيان كقلعة متقدمة للقوى العالمية الغربية وكشرطي للمنطقة سيفقد معناه أيضاً.

ولفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي مسكون بـ”رعب الفشل” في عدوانه على غزة، ويرفض أن يُمنى بفشل استراتيجي جديد، بعد أن صُدم بفشله الكبير في 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ لأن ذلك قد يعني تجرؤ قوى المقاومة عليه، وفرض شروطها، مما قد يعني ضمناً بدء العد العكسي للاحتلال.

ويوضح أنّ ثمة شبه إجماع حكومي وشعبي إسرائيلي على الانتقام من حماس ومن القطاع، واسترداد الأسرى الصهاينة، ومنع قوى المقاومة في القطاع من تشكيل تهديد للاحتلال ولمستوطنات غلاف غزة؛ وإن كان هناك اختلاف في المدى الذي يمكن أن تستمر فيه الحرب، والشكل النهائي الذي يمكن قبوله.

وينوه صالح إلى أنّ الاحتلال يستفيد من الاختلال الصارخ في ميزان القوى العسكرية، بتوفر أحدث الأسلحة الفتاكة لديه براً وبحراً وجوّاً، ليصبّ في غرور القوة عنده.

كما يشير إلى أنّ نتنياهو وحزب الليكود من تراجع كبير في الشعبية، ويرى كثيرون أن معركة طوفان الأقصى أنهت الحياة السياسية لنتنياهو؛ وهو ما قد يدفعه للاستمرار في الحرب سعياً لتحقيق انتصار أو شبه انتصار يُرَمّم فيه صورته، محاولاً تفادي مصيره.

وأوضح أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يلعب دوراً كبيراً في التأثير على مدى إطالة الحرب، وفي رفع أو خفض الأهداف الإسرائيلية. هذا التحالف أعطى الاحتلال غطاءً دولياً لعدوانه وارتكاب مجازر بشعة أدت إلى 15 ألف شهيد بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، و4 آلاف امرأة؛ ووفّر لها الدعم بالسلاح والمال، وأحضر قواه للمنطقة لإظهار الدعم ولمنع أي تدخل إقليمي. ومع ذلك فإن هذا التحالف يشعر بضغط الوقت، مع استمرار المجازر، ومع تزايد الضغوط الشعبية في العالم الغربي، ومع استمرار الفشل الإسرائيلي في تحقيق منجزات حقيقية سوى الدمار وقتل المدنيين. ولذلك، ظهرت حالة التململ في أطرافه التي أخذت تسعى لأهداف أكثر واقعية.

وبحسب صالح  سيستفيد الاحتلال من وجود بيئة عربية ضعيفة أو متواطئة، غير قادرة أو غير راغبة في تقديم دعم عسكري أو لوجيستي حقيقي للمقاومة يمكن أن يحدث فرقاً نوعياً لصالح المقاومة.

وينوه إلى أن تزايد الخسائر العسكرية والبشرية الإسرائيلية يشكّل عاملاً ضاغطاً على الاحتلال للانتهاء من الحرب.

ويتابع بالقول:  وكذلك، فإن تزايد الخسائر الاقتصادية وتكاليف الحرب، وتعطّل الإنتاج في الكثير من المرافق، وتعطّل السياحة، وفقدان الأمن، يشكّل عاملاً ضاغطاً آخر.

ويشدد على أن مجريات المعركة أثبتت “فشل قوات الاحتلال في تحرير الأسرى، ونجاح حماس في فرض شروطها على الاحتلال”.

حسابات حماس والمقاومة

ويرى صالح أنّ المقاومة تراهن على إنجازها الكبير في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وعلى جاهزيتها لمعركة طويلة الأمد، وعلى نوعية مقاتليها المستعدين للتضحية الذين يزيد عددهم على 60 ألفاً، وعلى حاضنتها الشعبية التي تلتف حولها.

ويتابع بالقول: بالنسبة للمقاومة، فإن انتصار الاحتلال وسيطرته على القطاع وفرض شروطه سيعني اجتثاث المقاومة؛ وهو ما سيدفعها للقتال حتى النهاية. ولن تقبل أن يكون ثمن المنجزات والتضحيات أقل من مكاسب جديدة للمقاومة وللشعب الفلسطيني. وإذا كانت المقاومة قد أثبتت قوتها وكفاءتها وسيطرتها الميدانية على مدى خمسين يوماً، وهي ما زالت قادرة على إيقاع خسائر كبيرة ومتزايدة في قوات الاحتلال، وكذلك ما زالت قادرة على إطلاق الصواريخ على معظم مناطق فلسطين المحتلة 1948، فإن احتمال هزيمتها في المدى المنظور يصبح بعيداً جداً إن لم يكن مستحيلاً.

ويضيف أنه وبشكل عام، فإن البنية القيادية السياسية والعسكرية لحماس ما زالت قوية ومتماسكة، وتملك كفاءة عالية في السيطرة والتحكم في القطاع، وهو ما يعني فشلاً إسرائيلياً ذريعاً في ضربها بعد خمسين يوماً من عدوانه.

وينوه إلى أنّ المقاومة ما زالت تملك ورقة الأسرى الصهاينة، ولم ينجح العدوان العسكري في تحرير أسير واحد، وهي ورقة قوية تُمكن حماس من لعبها في أي ترتيبات مستقبلية.

ويقول صالح: ثمة تضحيات هائلة، خصوصاً على مستوى الحاضنة الشعبية، وعلى مستوى الدمار الهائل في المنازل والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس. غير أن هذه التضحيات لم تعد عنصر إخضاع وتطويع لدى الاحتلال، بل تحولت إلى عنصر يصبّ مزيداً من الوقود للمقاومة وللثورة واتساعها.

ويؤكد أن تصاعد الدعم الشعبي العربي والإسلامي والدولي للمقاومة يصبّ في رفع معنوياتها، وفي الضغط على الأنظمة السياسية لوقف العدوان وإسناد المقاومة.

ويتابع بالقول: إن استمرار العدوان واستمرار المجازر قد يدفع في النهاية إلى تصاعد حدة التوتر في المنطقة، وقد تخرج الحالة عن قواعد الاشتباك المستمرة منذ بداية الحرب في جنوب لبنان، وهو أمرٌ يقلق القوى الإقليمية والدولية، من احتمالات تحولها إلى حرب إقليمية أو عالمية.

خلاصة تقدير الموقف

ويخلص صالح في تقدير الموقف إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي سيحاول بكل قوة انتزاع انتصار أو صورة انتصار، باعتبار ذلك ضرورة أساسية لوجوده واستقراره ولهيبته ومكانته في المنطقة.

ويتابع بالقول: كما أن المقاومة ستحاول تعزيز انتصارها الذي حققته في 7 أكتوبر، ولن ترضى بأي تنازلات تؤدي لاجتثاثها أو تطويعها أو إفراغها من محتواها، خصوصاً بعد التضحيات العظيمة التي قدمتها هي وحاضنتها الشعبية.

ويصل إلى نتيجة مفادها: أن احتمال إطالة أمد العدوان ما يزال وارداً، غير أن قدرة المقاومة على الاستمرار في أدائها النوعي، والخسائر الكبيرة العسكرية والبشرية والاقتصادية المتوقعة في الجانب الإسرائيلي، وتصاعد الضغوط الشعبية العربية والدولية، واتساع دائرة الاشتباك في جنوب لبنان، سيجبر التحالف الدولي للاتجاه إلى حلول أكثر واقعية.

ويشدد على أنّ كل ذلك سيجبر الاحتلال الإسرائيلي على التراجع عن معظم مطالبه. وقد يحتاج ذلك أسابيع. ولكن كلما ازدادت حدة المقاومة، ولم يبقَ للاحتلال أهداف حقيقية يضربها أو نقاط يضغط عليها، فإن المدة الزمنية ستقل أكثر فأكثر، وسيلجأ لحلول لحفظ ماء الوجه.

جذير بالذكر أنّ تقدير الموقف السابق يأتي ضمن “إضاءات سياسية” وهي سلسلة دورية مختصة بتقديم تحليلات وتقديرات موقف سياسية مختصرة ومكثفة، تصدر عن مركز الزيتونة.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: