توتر بين كابول وإسلام أباد: الحدود واللاجئون أوراق ضغط

توتر بين كابول وإسلام أباد: الحدود واللاجئون أوراق ضغط

كلما ترتفع وتيرة أعمال العنف في باكستان، يزداد التوتر في العلاقات بينها وبين أفغانستان. وتوجه إسلام أباد أصابع الاتهام بشكل مباشر تارة، وغير مباشر تارة أخرى، إلى كابول، فتتهمها بدعم المسلحين مرة والسماح لهم بالنشاط في أفغانستان مرة أخرى.

لكن كابول لا تحرك ساكناً إزاء القضية، وتصرّ على موقفها الرافض للتعاون مع إسلام أباد في الملف الأمني، معتبرة أمن باكستان شأناً داخلياً للأخيرة ولا يمكن لها التعاون فيه.

ويتخذ التوتر هذه المرة بعداً جديداً مع تركيز إسلام أباد على ضرورة تقليص أعداد الأفغان في باكستان، بعدما أمهلت الافغان المقيمين بشكل غير قانوني حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لمغادرة البلاد تحت طائلة ترحيلهم ضمن مرحلة أولى، لكن لا يتوقع أن تكتفي بذلك، إذ نقلت وكالة الأنباء الرسمية في باكستان عن مصادر حكومية قولها إنّ السلطات تعتزم بعد ذلك إجبار جميع الأفغان، بمن فيهم أولئك الذين هم في وضع قانوني، على مغادرة البلاد.

وقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال الباكستانية سرفراز بكتي، أول من أمس الثلاثاء بعد اجتماع اللجنة العليا لخطة العمل الوطنية، وشاركت فيه القيادة العسكرية، إن أكثر من 50 في المائة من العمليات الانتحارية التي شهدتها باكستان منذ مطلع العام الحالي نفذها أشخاص من أفغانستان.

وأشار بكتي إلى أن باكستان شهدت منذ مطلع 2023، 24 عملية انتحارية، وكان منفذو 14 منها من الأفغان، موضحاً أن الأجهزة الباكستانية قدمت تلك المعلومات إلى حكومة “طالبان”. وشدد الوزير الباكستاني على أن الأولوية هي باكستان والشعب الباكستاني و”لن نساوم على أمن بلادنا بأي قيمة كان”.

كما صوب بكتي على اللاجئين الأفغان قائلاً إن باكستان لم تعد قادرة على استقبال اللاجئين الأفغان، ولذلك قررت إعادتهم إلى بلادهم، وفي المرحلة الأولى يجري إخراج الأفغان الذين يعيشون حالياً في باكستان بشكل غير قانوني وعددهم مليون و100 ألف أفغاني. كما قال وزير الإعلام الباكستاني، مرتضى سولنكي، في بيان مقتضب بعد الاجتماع، إن اللاجئين الأفغان أمامهم أيام محدودة كي يغادروا بلادنا.

وفيما أمهلت إسلام أباد مئات الآلاف من الأفغان الذين يعيشون بشكل غير قانوني في البلاد حتى الأول من نوفمبر لمغادرة البلاد تحت طائلة ترحيلهم، نددت السفارة الأفغانية في إسلام أباد بما اعتبرته إجراء يصل إلى حدّ “المضايقة”.

وأشارت السفارة الأفغانية في بيان نشرته على موقع إكس (تويتر سابقاً) إلى توقيف أكثر من ألف أفغاني خلال الأسبوعين الماضيين في باكستان، نصفهم في وضع قانوني. وقالت إنه “على الرغم من وعود السلطات الباكستانية المتكررة، إلا أنّ اعتقال ومضايقة اللاجئين الأفغان من قبل الشرطة مستمران في باكستان”.

كما اعتبر المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، في منشور على منصة إكس، أن “سلوك باكستان تجاه اللاجئين الأفغان غير مقبول”. وقال مجاهد إنه يتعين “على الجانب الباكستاني أن يعيد النظر في خطته. اللاجئون الأفغان ليسوا متورطين في المشاكل الأمنية الباكستانية. وطالما أنهم يغادرون باكستان طوعا فيجب على هذا البلد أن يتحملهم”.

وبموازاة التضييق على الأفغان في باكستان، قال قائد الجيش الباكستاني، الجنرال عاصم منير، في كلمة له أمام الاجتماع نفسه أول من أمس، إن القوات المسلحة الباكستانية بإمكانها أن تمشي إلى أبعد ما يمكن من أجل إحلال الأمن والسلام في باكستان، لأن الأمن والاستقرار في باكستان أهم للقوات المسلحة من أي شيء آخر.

وبينما يتصاعد التوتر بين كابول وإسلام أباد يقول المحلل السياسي الباكستاني وخبير العلاقات بين باكستان وأفغانستان، طاهر خان، إن “كل جهود باكستان فشلت في إقناع طالبان بقبول مطالب إسلام أباد، منها إرسال وفود علماء الدين، والزعامة القبلية، والمسؤولين والوزراء”، موضحاً أن “طالبان أفغانستان مصرة على موقفها”.

كابول لا تصغي لإسلام أباد

ويضيف خان،  الذي ينتمي إلى القبائل ويمتلك علاقة جيدة مع  “طالبان” الأفغانية، إنه قد زار كابول سبع مرات بعد سيطرة الحركة على العاصمة الأفغانية، ولم يجد أي رغبة لدى كابول في الإصغاء إلى إسلام أباد، لافتاً إلى أنها “تعتبر ما يحدث في باكستان شأناً داخلياً لها”.

من هنا يعتبر أنه “لا بد من إعادة باكستان النظر في العلاقة مع أفغانستان، وأن تعترف بالأخيرة كدولة ذات سيادة من دون تدخلات أجنبية، كما أن على كابول أن تتعاون مع إسلام أباد في تحقيق الأمن والسلام في بلادنا، وإلا فالجميع سيدفع الثمن”.

وقد أثيرت قضية إيواء أفغانستان للمسلحين الذين يستهدفون الأمن في باكستان مرة أخرى، حين هز في 29 من سبتمبر/ أيلول الماضي، انفجاران قويان شمال وجنوب غرب باكستان، استهدف أحدهما مهرجاناً دينياً في إقليم بلوشستان أدى إلى مقتل 59 شخصاً، بينهم رجال أمن وشرطة ومدنيون، بينما استهدف الثاني مسجداً داخل مجمع للشرطة في منطقة هنغو شمال غرب البلاد، أدى إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 9 آخرين.

وتحدث عدد من المسؤولين حول القضية، منهم وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال سرفراز بكتي، حين قال في مؤتمر صحافي عقب الهجومين، “إننا نعرف جيداً من أين يأتي هؤلاء المهاجمون، ومن يدعمهم، ومن وراءهم، نقول لكم بكل وضوح إننا سنستهدف المسلحين في المكان الذي ينطلقون منه قبل أن يدخلوا إلى الأراضي الباكستانية، وستصل قواتنا إلى كل بقعة يتحرك منها المسلحون بهدف استهداف المواطنين الأبرياء”، مشدداً على أن القوات المسلحة الباكستانية ستنتقم لدم كل مواطن. وكانت إشارات بكتي موجهة نحو أفغانستان.

كما سبق أن أكد رئيس الحكومة الباكستانية الانتقالية أنوار الحق كاكر، في تصريح له يوم 16 سبتمبر الماضي، أن القوات الباكستانية قد تنفذ عمليات خارج الأراضي الباكستانية للقضاء على المسلحين.

وهو ما أثار حفيظة حكومة طالبان، إذ قال نائب وزير الخارجية فيها شير محمد عباس ستانكزاي، في كلمة له أمام اجتماع للمسؤولين بكابول في 22 سبتمبر الماضي، إن ما تقوله باكستان “اتهامات لا أساس لها من الصحة”، وإن توجيه الاتهامات لا جدوى منه، بل يخرّب العلاقة بين الجارتين، بحسب تعبيره.

الحدود واللاجئون ورقتان في يد إسلام أباد

يستبعد المحلل الأمني الأفغاني محمد زبير وزيري، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن تقوم باكستان بأي عمل عسكري داخل الأراضي الأفغانية، معتبراً أن باكستان “تدرك جيداً مدى خطورة خوض الحرب مع أفغانستان، ولكنها تستخدم أوراقا مختلفة للضغط على حكومة طالبان”. ويضيف أن الحرب كذلك “لم تعد مجدية حتى اللحظة في ما يتعلق بموقف طالبان، غير أن المواطن العادي والتجار يدفعون ثمن ذلك”.

ويلفت من جهة أخرى إلى أن “أفغانستان تحتاج إلى فترة أطول كي ترتب أمورها وتسيّر شؤونها من دون الحاجة إلى باكستان، خصوصاً في ما يتعلق بالتجارة والاقتصاد، وهي ماضية إلى الأمام”.

ويرى وزيري أن “باكستان تستخدم الحركة على الحدود كورقة ضغط كبيرة وقوية ضد أفغانستان، وكلما تتوتر العلاقات مع كابول تغلق الحكومة الباكستانية الحدود”. ويلفت إلى أن “أفغانستان مغلقة من كل الجهات ولا طريق لها مع البحر، بالتالي هي بحاجة إلى استيراد كل ما تحتاج إليه من دول أخرى، تحديداً من باكستان وإيران ودول آسيا الوسطى، والاعتماد أكثر على باكستان، كما أنها بحاجة إلى تصدير البضائع خصوصاً الفواكه”.

ويشير إلى أن القوات الباكستانية أغلقت في الفترة ما بين 6 و15 سبتمبر الماضي، منفذ طورخم (المعبر الحدودي الرئيسي بين أفغانستان وباكستان)، “وخسر التجار ملايين الدولارات، وهذا ما تفعله باكستان دائما مع الأفغان في وقت الشدة ونضوج الثمار”.

كذلك الأمر في قضية اللاجئين الأفغان، فبحسب وزيري “تتعامل باكستان أسوأ أنواع التعامل مع اللاجئين هذه الأيام، وكأنها تنتقم منهم لما تشهده من أعمال عنف وعمليات تفجيرية، بينما الأفغان لا دخل لهم في القضية”.

لكن المحلل السياسي الباكستاني نويد صديقي، لا يتفق مع ما يقوله وزيري حول الحركة على الحدود. ويعتبر في حديث لـ”العربي الجديد”، أن باكستان لها يد طولى مع الأفغان خلال العقود الماضية، وهي ما تزال تتعامل مع القضية بروية، وإلا فإن القضية خطيرة للغاية، وصناع القرار في باكستان يعرفون ذلك جيداً”.

ويرى أن باكستان “لا تعاني من هجمات المسلحين فحسب، بل أيضاً من عدم منح طالبان أفغانستان أي أهمية لما تقوله إسلام أباد”، لافتاً إلى أنه “كلما تشتد أعمال العنف، تزداد المناوشات الحدودية بين الطرفين، وقوات طالبان هي التي تقوم بالهجمات على المواقع العسكرية الباكستانية على الحدود”.

صديقي: كلما يشتد العنف في باكستان تزداد المناوشات الحدودية مع أفغانستان

ويعطي صديقي مثالاً على ذلك أنه “عندما وقع هجوم كبير من قبل المسلحين على مدينة شترال شمالي البلاد في 6 من الشهر الماضي، وكان المسلحون قد عبروا الحدود الأفغانية الباكستانية وقتلوا عدداً من الجنود، شن في اليوم نفسه مسلحو طالبان هجوما على المواقع العسكرية في شمال غرب باكستان قرب منفذ طورخم ما أدى إلى إغلاق المنفذ لأيام عدة”.

ويوضح أن “باكستان تتعامل دوماً مع أفغانستان كدولة صديقة وشعب صديق، لذلك فقد فتحت المنفذ مرة أخرى، فالأفغان يحتاجون إلى نقل البضائع من باكستان إلى أفغانستان”، وبالتالي فإن “السبب وراء إغلاق الحدود هو تعامل طالبان وليس الحكومة الباكستانية” بحسب قوله.

أما في قضية اللاجئين فيقول صديقي إن “التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن أفغانا ضالعون في أعمال العنف في باكستان، وكذلك في جرائم، من هنا قررت الحكومة الباكستانية إجلاء كل الأفغان، ولكن على مراحل مختلفة”.

ويوضح أنه “في المرحلة الأولى سيتم إجلاء مليون و100 ألف أفغاني يعيشون في باكستان من دون أوراق رسمية، ثم في المرحلة الثانية سيتم إجلاء الأفغان الذين لديهم بطاقات اللجوء، وفي المرحلة الأخيرة سيخرج الأفغان الذين أخذوا الهوية الباكستانية بذريعة أو أخرى، ومعظمهم حصلوا على الهوية من خلال الغش والتزوير”.

كما يشير صديقي إلى تقرير الشرطة الباكستانية يوم 30 سبتمبر الماضي، والذي “يؤكد أن المهاجمَين اللذَين نفذا الهجوم على مسجد داخل مجمع للشرطة في هنغو كانا أجنبيَين”، ويقول إن “هناك أدلة تثبت أن أفغانا يشاركون في هذه الهجمات، ومن هنا لا بد من إخراجهم”.

ويتحدث عما سماه “ضلوع لاجئين في تهريب العملة الصعبة من باكستان إلى أفغانستان، كذلك في تهريب البضائع التجارية مثل السكر وغيرها، في حين أن الشعب الباكستاني يعاني من شح في تلك البضائع، من هنا ثمة حاجة ملحة أن يخرج الأفغان من باكستان، وهو ما قررته الحكومة الباكستانية”.

توترات كابول وإسلام أباد تؤثر على أمن المنطقة

وحول تأثيرات التوتر في العلاقات بين كابول وإسلام أباد على المنطقة، والصدام المسلح، إن حصل، فيعتبر الإعلامي الباكستاني حمزة أمير، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تبعات التوتر في العلاقات بين أفغانستان وباكستان لن تقتصر على الدولتين، بل ستتعداهما إلى المنطقة بأسرها”.

ويضيف بالتالي أن “أمن باكستان والمنطقة مرتبط بوضع أفغانستان، فإن أصبحت الأخيرة خالية من وجود الجماعات المسلحة حينها ستكون باكستان والمنطقة آمنة، لكن طالما هناك وجود لجماعات مسلحة مثل طالبان الباكستانية وداعش وجماعة الأحرار، فلن يحصل الأمن لا في باكستان ولا في المنطقة، كما لن تتحسن العلاقة بين الجارتين”.

ويعتبر أمير أن “على أفغانستان أن تخطو عدة خطوات، وهي كفيلة بأن تحل الأمن والاستقرار في المنطقة وتتحسن العلاقات بينها وبين باكستان”. ومن بين هذه الخطوات “أن تتخلى أفغانستان عن العداء لباكستان، فهي الآن تفعل كل ما يفعله العدو في حق عدوه، كذلك عليها أن تعترف أن جذور ما تشهده المنطقة من أعمال العنف موجودة في أفغانستان، وعليها أن تعمل لاستئصالها، كما لا بد من اعتراف كابول بأن حل مشاكلها يأتي في التعاون مع إسلام أباد والوقوف معها، وليس في العداء لها”.

(العربي الجديد)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: