د.أحمد شحروري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

حكومة فلسطينية برسم التشكيل

د.أحمد شحروري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

منذ قرن من الزمان اعتاد العرب أن يشكلوا حكومات إدارية تحت مظلة الدول التي استعمرتهم، لكن لو سُئل عامة الناس عن تلك الحكومات فقد يعجزون عن وصفها إما لأنهم لم يعاصروها أو لأنهم لم يقرؤوا شيئا عن تاريخها، وإذا أردتُ أن أقرب صورتها فلينظر من شاء إلى حكومة السلطة الفلسطينية التي أنشئت وفق مقاييس اتفاق أوسلو، إنها حكومة لا تملك تصريف أعمال كثيرة لا يريدها من أنشأها، فهي لا تملك من أمرها شيئا إلا بمقاييس من أذعنت له، حتى الضرائب التي تجنى من السكان تتحكم بها سلطة الاحتلال فإما أن تسلمها وإما أن تمسكها لتجعلها أداة ابتزاز لتحقيق أمر تريده أو مصيبة تفرضها بقوة الأمر الواقع وضعف السلطة المعينة.

حكومة تعمل تحت سقف الاحتلال يعني أنها خالية الدسم، فلا خطة إلا بإذن المحتل، ولا تصرف إلا برسمه، ولا سلاح إلا بعدّه وترقيمه، لا دخول إلا بتصريح ورقابة، ولا خروج إلا بموافقة ومحاسبة، بطاقات تُصرف لمن أرادوا تحركه واثقين من سلوكه تجاههم، وتحجب إذا غضبوا عليه فحجبها أول عناوين عقابه.

لا يعين رئيس الوزراء إلا بتنسيق ولا يقال إلا بقرار، وأذكر أن أبا عمار لم يرغب أن يستمر رئيس وزرائه في منصبه فأقاله، فكانت النتيجة تعنيفه وإعادة الرئيس المقال رغم أنفه، والحادث ليس قديما جدا ويحفظه كثيرون مثلي.

وأكثر من ذلك كائن، فقد امتثلت أمريكا لرغبة ربيبتها في كتم صوت فلسطين في المحافل الدولية فأهانت وزير خارجيتها بمنعه من التصريح في إطار مباحثات مجموعة الاتصال التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، ولما وُجّه إليه سؤال في مؤتمر صحفي قام وزير الخارجية السعودي بالإجابة نيابة عنه مسببا ذلك بفرض قيود على الوزير الفلسطيني تمنعه من التصريح داخل الولايات المتحدة!!

فهل مع مثل هذه التصرفات المهينة يمكن أن يكون لحكومة فلسطينية كرامة على الأرض دون تمتعها باستقلال حقيقي ؟!

ثم لماذا تقال حكومة السلطة في هذا الظرف الدقيق الذي يحاول العدو فيه تصفية القضية برمتها ؟ وهل كان لهذه الحكومة المقالة أي أثر إيجابي أوحتى سلبي تجاه الأحداث ؟ من كان يدري بوجودها إلا حين ظهر رئيسها المقال يبكي في خطاب متأثرا بما يجري لأهل غزة ؟ ودموعه ذكرتني بدموع رئيس وزراء لبنان على الهواء وهو يلقي خطابا في بيروت قبل سنوات، ألا ليت الدموع تكون عنصرا إيجابيا من عناصر الحكم الرشيد، إذن لنادينا باختيار رؤساء بكائين، نشاركهم مشروع البكاء ونخرج من حفلته جميعا ظافرين منتصرين!!

يقول محللون : لقد أقيلت الحكومة لترتيب أمور غزة بعد الحرب، وإن الوزراء المرشحين هم من التكنوقراط خبراء لا حزبيين، ثم يكشفون عن اسم رئيسها المرشح القوي فترى أنه فصائلي بامتياز كان عضوا في حكومات سياسية فصائلية، وهب أنها كما يقولون ستكون حكومة خبراء فماذا تملك أن تفعل ؟ حكومات عديدة في هذا العالم تضافرت ترجو حكومة الاحتلال أن تنهي عدوانها وأن تكتفي بما حققت من قتل ودمار فلم تستجب لهم، بل تحدت ولي نعمتها بأنه لا يملك أن يأمرها فيطاع لأنها لا تسمع غير صوت نفسها فيما يتعلق بمصالحها الإستراتيجية كما تدعي، فهل يمكن أن تسمح لحكومة سلطة سحبت منها الاعتراف سلفا -باعتبار أوسلو التي أوجدت حكوماتها كانت خطأ تاريخيا- أن تدبر أمرها بنفسها لتخطط لما بعد العدوان على قطاع غزة؟! 

لا تملك أي حكومة أو قل “شبه حكومة” أن تنتج شيئا لشعب طال احتلاله وتغول العالم كله عليه إلا بشروط :

أولا : أن يتم اختيار أعضائها بقرار فلسطيني ذاتي لا يسمح للعدو أن يتدخل في الموافقة على عضو أو رفض آخر أبدا.

ثانيا : أن تملك الحكومة سيادتها الكاملة في إدارة شؤون المواطنين الفلسطينيين دون إملاءات ملزمة تجعل الحكومة مسرح عرائس تدار ولا تدير.

ثالثا :  أن يكون العقد بين الحكومة والشعب الذي تدير مصالحه قائما على التأسيس لحياة مدنية بعيدا عن مقاسات الاحتلال ومنعا لتجييش الحكومة لإعادة النسخة الأمنية التي حولت السلطة إلى جلاد والمواطن إلى ملاحَق مقموع بحبل موصول بين السلطة والمحتل الذي يريدها أن تمسك عصاه بيدها وأن تضرب نيابة عنه.

إن الواجب على أي حكومة فلسطينية تشكّل ألا تنسى أنه لا سيادة لها ما دامت تحت الاحتلال، وأن من واجباتها الرئيسة أن تفكر جديا كيف تتخلص منه لا كيف تخدمه، وأن التاريخ لا يحفل بالحكومات التي باعت أوطانها لكنه يكتب بحروف الخلود سيرة الحكومات التحررية ويسجل رجالاتها أبطالا لا تغيب ذكراهم عن واقع الأجيال المتلاحقة. 

أما التطلع إلى ما بعد الحرب على غزة فليتم الاتفاق في الاجتماع المزمع في روسيا بين الفصائل الفلسطينية على التشارك في تحمل المسؤولية الوطنية سعيا للتحرير لا لنسج عباءة جديدة تغطي أكتاف الاحتلال وتطيل أمد بقائه في ظل اختلاف نوايا الفرقاء والتباعد بين برامجهم وتطلعاتهم، ولن يحرر فلسطين إلا إرادة قوية لرفض الإذعان تحت أي ظرف، وإذا كانت أوسلو لم تنتج خلاصا فإن طريق الخلاص لا يكون إلا بثني ذراع هذا المحتل بوحدة فلسطينية حقيقية ورافد عربي وإسلامي جدي، يكون بتحرر العرب والمسلمين أنفسهم من التبعية المذلة أولاً ليكونوا قادرين على تحقيق ذلك للفلسطينيين ثانيا.

هل منطق هذا الكلام تعجيزي؟ كلا، لو كنا نريد البقاء في هذه الحياة واقفين.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts