خبيرة تربوية: متى تُزال جميع الـ “أقنعة” التي تُشوّه مجتمعنا؟

خبيرة تربوية: متى تُزال جميع الـ “أقنعة” التي تُشوّه مجتمعنا؟

عمّان – البوصلة

سلطت الخبيرة التربوية بشرى عربيات الضوء في سلسلة حديثها لـ “البوصلة” حول عددٍ من القضايا المجتمعية والتربوية حول ما وصفته بـ “الأقنعة” التي أصبحت تغطي كثيرًا من معاملاتنا وتعاملاتنا اليومية في مختلف القطاعات وتضفي عليها آثارًا سلبية بالغة السوء في أثرها علينا جميعًا لما تخلفه من أخلاقٍ سيئة من نفاقٍ وكذبٍ وتدليسٍ وتعددٍ للوجوه، في واقعٍ مريرٍ علينا جميعًا أن نسعى نحو تغييره وتحسينه نحو الأفضل.

وقالت عربيات: كثيرةٌ هي المشاهدات التي تغزو وتنتشر في المجتمع، والتي تؤكد على استخدام الأقنعة في المعاملات والتعاملات، والتي باتت مكشوفة لكثيرٍ من الناس، ولكن يبقى السؤال: حتى متى؟ وكيف يمكن أن تُزال هذه الأقنعة؟

وأضافت، “لنبدأ بقناع الوجه الذي كان يقال عن الشخص قديماً “ذو الوجهين” أما الآن فقد اشتاق الناس لذي الوجهين، والسبب أنَّ هناك من أصبح لهم وجوه متعددة، حسب الموقف والمكان والزمان، ولذلك قلت يوماً هذه العبارة: تعدَّدَت الوجوه والشخصُ واحدُ!”.

ولفتت إلى “أنّني قد وجدت أنّ هذه الصورة التي تعبِّر عن هذه المقولة، ليس فقط لأنها تتوافق مع ما كتبت، ولكن لأنها تُحاكي الواقع المرير، على سبيل المثال، تجد من يبتسمُ في وجهك وقلوبهم مليئة بالحقد والحسد، وقد أصبح قناع صلة الرَّحم في يوم واحد من أيام السنة مكشوفاً، كما أن هناك بعض الرجال أو السيدات يتصدرون المجالس، وهم أو هنّ في حقيقة الأمر رأس للفتنة في المجتمع وبين الإخوة!”.

وأضافت عربيات أنّ هناك من يلبس قناع الغش والخداع عند بيع عقار معين، فترى الصيانة الحثيثة والإهتمام بالمبنى عند الرغبة في الشراء، ولكن لا تعلم أنهم يقومون بإخفاء عيوب البناء بشكلٍ دوريّ، وأنهم لبسوا قناع الغش، وغالباً ما تكتشف ذلك بعد فوات الأوان! وهنا أقول “تعددت الأبنية والمُخرَج فاسدُ “! تُرى لو صدر قرار بإلزام المالك خمس سنوات كفالة على الأقل فهل يبقى هذا الغش؟ لا أعتقد!، على حد تعبيرها.

واستدركت بالقول: “حتى أن كعك العيد لم يسلَم من قناع السُكَّر الناعم على الوجه لتجميل المشهد فقط ! ومن الداخل منتج فاسد!”.

أقنعة في مختلف المنابر

وعبرت عن أسفها من أنّ الأقنعة انتشرت في العديد من المنابر التعليمية والإعلامية والدينية – للأسف الشديد – لتجد أعداداً كثيرة منها، وفيها الغثّ والسَّمين دون مراعاة أصول الدِّين في كثيرٍ من الأحيان، لتكون النتيجة أنه لا يوجد لها أثراً إيجابياً على أرض الواقع! ولذلك أقول “تعدَّدَت الأقلامُ، والخبرُ واحدُ”!

وقالت عربيات: ولأنني متخصصة بالشأن التربويّ، أرى أنه تعددت المدارس ومخرجات التعليم شاهدُ! وقد تعددت الوسائل التعليمية ، والتعليمُ جامدُ! وقد تعددت المناهج وما زال التعليم بين مفقودٍ وفاقدُ!

واستدركت، “لذلك أريد أن أقول ليست العبرة بكثرة عدد المدارس والجامعات إذا لم يكن إهتمام  بالعملية التعليمية، وإذا لم يكن إهتمام بالتربية قبل التعليم، بدءاً من الأسرة، مروراً بالمدرسة، وصولاً للجامعات، إذ أصبح أكبر همّ لأولياء الأمور أن يتحدث الأطفال لغة أجنبية أو أكثر، وكذلك المدارس، وتضييع اللغة العربية بالتأكيد، دون الإهتمام بمبادئ التربية والتعليم التي صنعت أجيالاً حتى وصلت إلينا!”.

وأوضحت بالقول: “لو أردنا عقد مقارنة بين الوسائل التعليمية المتاحة حالياً وبين ما كان موجود سابقاً، لوجدنا أن هناك قفزة حقيقية، لكن للأسف لا يتم استغلالها عملياً، فتجد معظم المدارس الخاصة تكتفي بعرض فيديوهات للتجارب العلمية دون تطبيق، وبذلك أصبح التعليم جامداً، إذ لا يمكن للطالب استيعاب فكرة معينة في الفيزياء أو الكيمياء دون أن يرى التجربة على أرض الواقع، لكن المدارس تعمل على توفير النفقات على حساب الطلبة، وعلى حساب العملية التعليمية!!”.

وأضافت عربيات: “أما بالنسبة للمناهج التي تتم محاولة تطويرها، والتي تمَّ ترجمة ونسخ ولصق معظمها من كتب أجنبية، دون مراعاة ما هو المناسب لأبنائنا الطلبة، فقد عملت هذه المناهج على زيادة فجوة الفاقد التعليميّ، والفاقد التعلُّميّ على حدٍّ سواء، وأصبح التعليم بين مفقودٍ وفاقدُ! لذلك لا بد من إزالة الأقنعة التي وُضعت على العملية التعليمية سواءً في المدارس أو المناهج أو أسلوب التربية المتَّبَع في البيت والمدرسة، هذه الأقنعة التي سوف تعمل بالضرورة على مخرجات تعليم لا ترقى لمستوى الطموح!”.

وأشارت إلى أنّ “تلك هي مجموعة من الأقنعة التي عملت على تشويه المجتمع والنفوس، وعلينا جميعاً بذل قصارى جهودنا حتى نعمل على إزالتها، وفرز القبيح منها، فنحنُ لا نحتاج إلى المزيد منها!”.

وختمت عربيات حديثها بهذه الأبيات من الشعر لأبي العتاهية، يقول فيها:

وفرزُ النّفوس كفرزِ الصّخور ..
ففيها النّفيس وفيها الحجر

وبعضُ الأنام كبعض الشّجر ..
جميلُ القوامِ شحيحُ الثّمر

وبعضُ الوعودِ كبعض الغُيُوم ..
قويّ الرعودِ شحيحُ المطر

وكمْ من كفيفٍ بصيرِ الفؤاد ..
وكم من فؤادٍ كفيفِ البصر

وكمْ من أسيرٍ بقلبٍ طليق ..
وكم من طليقٍ كواه الضّجر

وكم من شهابٍ بعالي السّماء ..
بطرفةِ عينٍ تراه اندثر

وما كلّ وجهٍ مضيءٍ يدور ..
بعتمةِ ليلٍ يسمّى قمر

وخيرُ الكلامِ قليلُ الحروف ..
كثيرُ القطوفِ بليغُ الأثر

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: