خبير سويدي: حرق المصحف يفقد ستوكهولم “حيادها”

خبير سويدي: حرق المصحف يفقد ستوكهولم “حيادها”

مسعود كمالي، باحث ومسؤول سابق عن البحث في مسألة الاندماج والتمييز الهيكلي والسلطة في السويد:
– حرية التعبير تستخدم “ذريعة” من السياسيين والعنصريين لمهاجمة المهاجرين والمسلمين.
– يحكم السويد حاليا ائتلاف يميني وأي مقاومة لأفعال الجماعات العنصرية قد تؤدي إلى انسحاب حزب “ديموقراطيي السويد” من التكتل وانهيار الحكومة.
– حرق نسخ من المصحف تأتي نتيجة سنوات من عقلية “معاداة المسلمين” المكرسة في الكتب المدرسية في السويد وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والنمسا وبولندا وقبرص الرومية.

بين سنة وأخرى، تتكرر مشاهد حرق وتمزيق نسخ من القرآن الكريم في دول الغرب بحماية أمنية، بذريعة حماية الحق في حرية التعبير.

لكن الخبير السويدي البارز مسعود كمالي، رأى في حديث للأناضول أن السماح بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام سفارة تركيا في السويد، “رسالة سياسية وعنصرية” تفقد ستوكهولم حيادها.

والسبت الماضي، أحرق زعيم حزب “الخط المتشدد” الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان، نسخة من القرآن قرب السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة التي منعت اقتراب أي أحد منه أثناء ارتكابه العمل الاستفزازي.

وبعد صراخ طويل هاجم فيه لفظيًا الإسلام ونظام الهجرة في السويد، قال بالودان: “إذا كنت لا تعتقد أنه يجب أن تكون هناك حرية تعبير، فعليك أن تعيش في مكان آخر”.

كمالي، وهو باحث ومسؤول سابق عن البحث في مسألة الاندماج والتمييز الهيكلي والسلطة في السويد، قال إن حرق المصحف أمام سفارة تركيا في السويد يعد “رسالة سياسية وعنصرية” تستهدف المسلمين وتمتدّ إلى جميع الدول الأوروبية وخارجها.

وأضاف أن “حرية التعبير تُستخدم اليوم بشكل صريح كذريعة من قبل السياسيين والجماعات العنصرية لتمكينهم من مهاجمة المهاجرين والمسلمين والسماح لهم بفعل وقول ما يريدونه”، واصفًا الأمر بأنه “مجرّد لعبة سياسية”.

ومنذ أكثر من عام، شرع بالودان في “جولة” لحرق القرآن الكريم في السويد خلال شهر رمضان المبارك، ما أثار أعمال شغب كبيرة في البلاد، حيث نزل الكثيرون إلى الشوارع احتجاجًا على قرار السلطات السويدية السماح لجماعة اليمين المتطرف بحرق نسخ من المصحف.

وقالت الشرطة السويدية حينها إنها “لن تسمح بعد الآن بحرق القرآن في البلاد”، معلّلة ذلك بأن “التكاليف المجتمعية كانت باهظة للغاية”، لكنها سمحت لبالودان هذه المرة بتنفيذ أفعاله أمام سفارة تركيا.

وعقب الحادثة، أعرب وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، عن مخاوفه من أن يتسبب تصرّف السياسي اليميني المتطرف في “زيادة المخاطر بشأن عدم مصادقة تركيا على محاولة السويد الانضمام إلى حلف الناتو”.

واستدرك قائلاً إنه “من غير المناسب جدًا” أيضًا منع شخص من القيام بمظاهرة، حسبما ذكرت صحيفة “إكسبريسن” المحلية.

ورداً على سماح السويد بهذا العمل، استدعت أنقرة السفير السويدي ستافان هيرستروم إلى مقر وزارة الخارجية وأبلغته إدانتها للعمل “الاستفزازي”، كما ألغت زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون التي كانت مقررة إلى تركيا هذا الأسبوع.

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، السبت الماضي، إن “زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون إلى تركيا في 27 يناير/ كانون الثاني الجاري فقدت أهميتها ومعناها، لذلك ألغينا الزيارة”.

كما انتقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، السويد بشدة لمنحها الإذن لـ بالودان بحرق القرآن.

وفي تصريحات صحفية في مدينة أنطاليا بجنوب تركيا، أكد الوزير على أن “العنصرية وجرائم الكراهية لا تعتبر من حرية الفكر”.

وقال جاويش أوغلو: “على الرغم من كل تحذيراتنا، للأسف تم منح الإذن لهذا الشخص، لا أحد يستطيع أن يطلق على هذا العمل حرية في التعبير وحرية في الفكر”.

** حكومة عنصرية

الباحث كمالي أشار إلى نقطة جوهرية في الموضوع، تتمثل في أن الحكومة السويدية الحالية تعتمد على دعم حزب اليمين المتطرف “ديمقراطيو السويد”.

وحتى زمن قريب، كان هذا الحزب الشعبويّ محظورًا سياسيًا بسبب علاقاته بالنازيين الجدد، لكنه أصبح حاليًا ثاني أكبر حزب في السويد وجزءًا من الكتلة اليمينية الحاكمة.

وأوضح كمالي أن “أي مقاومة لأفعال الجماعات العنصرية قد تؤدي إلى انسحاب اليمين المتطرف من التكتل”، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار الحكومة وبداية أزمة سياسية في البلاد.

ونوّه الخبير السويدي بأن “ديموقراطيو السويد” ليسوا الحزب العنصري الوحيد داخل الحكومة، حيث توجد مجموعات عنصرية قوية جدًا تنتمي إلى حزب “المعتدلين” والحزب “الليبرالي” والحزب “الديمقراطي المسيحي”.

وأضاف: “لذا فإن ديمقراطيو السويد يمتلكون شراكة جيدة جدًا، وعليه، فأنا لست مندهشًا من أن وزير الخارجية (السويدي) لن يفعل أي شيء لمنع حرق القرآن”.

** معاداة المسلمين

يرى كمالي، المسؤول عن مشروع كبير للاتحاد الأوروبي يهتم بالبحث في التمييز والعنصرية في أوروبا، أن الجانب الرئيسي للعنصرية في أوروبا يترجم اليوم بشكل أساسي في “معاداة المسلمين”، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الإسلاموفوبيا.

وأكد الباحث أن السماح بحرق كتاب المسلمين المقدس أمام السفارة التركية وإهانة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، يتعلق بـ “معاداة المسلمين” التي كانت سائدة في السويد وأوروبا ككل منذ “الحروب الصليبية”.

وأضاف: “ما نشهده اليوم يعد من تأثير الحروب الصليبية، والعقلية التي كانت واضحة في الأوقات التي أثيرت فيها أسئلة حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”.

وبحسب كمالي، “لطالما كانت معاداة المسلمين جزءًا من سياسات الدول الأوروبية، بما في ذلك السويد”.

وتابع: “كتبت عدة مرات أن تركيا كانت لعدة قرون جزءًا من أوروبا، في وقت لم يكن فيه شيء يسمّى أوروبا، وكان لدينا فقط بعض البلدان”.

ورأى كمالي أن معارضة الدول الاسكندنافية والدول الأوروبية الأخرى لعضوية تركيا للاتحاد الأوروبي “متأثرة بحقيقة أن تركيا دولة مسلمة”.

وفي كتابه بعنوان “التمييز العنصري: السياسة والأنماط المؤسسية”، كشف كيف يتم تصوير المسلمين بشكل سلبيّ في الكتب المدرسية في السويد وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والنمسا وبولندا وقبرص الرومية.

وباعتقاده، فإن حرق القرآن في السويد، والخطاب العنصري المعادي للمسلمين من قبل السياسيين اليمينيين المتطرفين مثل مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” في فرنسا، أو الحزب الوطني البريطاني في المملكة المتحدة، ما هو إلا انعكاس لتقليد طويل يعيد إنتاج نفسه بسرعة من خلال “نظام تعليمي وسياسي” في الدول الأ​​​​​​​وروبية وخارجها.

وأضاف كمالي أن الأحزاب العنصرية الأوروبية تشترك جوهريًا في شيء واحد وهو “معاداة المسلمين”.

وأشار إلى أن هذه الأيديولوجية العنصرية ضد المسلمين هي “جزء من فكرة كبيرة عن الحرب وعقلية أنه يجب على الشعب الأبيض المسيحي الأوروبي أن ينتشر ويحتل العالم بأسره”.

** تاريخ من التعاون مع النازية

وفق كمالي، تمتعت السويد “بوهم البراءة” (من العنف)، لكن الحياد المثالي الذي كان يُعتقد أنها حافظت عليه خلال الحرب العالمية الثانية، أصبح بعيدًا كل البعد عن “الواقع التاريخي” للبلد.

وأضاف أن الدولة الإسكندنافية حاولت يائسةً، على مدى عقود، التستر على حقيقة تعاونها مع ألمانيا النازية، حيث كانت السويد في الواقع “آخر دولة تخلّت عن تعاونها مع ألمانيا النازية، وتركت شراكتها فقط بعد مقتل هتلر”.

وأشار كمالي إلى أن السويد كانت الدولة “الوحيدة” في شمال أوروبا التي لم يحتلها الألمان بسبب تعاونها معهم والسماح لهم باستخدام السكك الحديدية في هجماتهم ضد فنلندا والاتحاد السوفيتي (روسيا حاليًا).

وبيّن أن مئات الجنود السويديين تطوّعوا للخدمة في الجيش الألماني أثناء الحرب، ولم تحاول السلطات السويدية “نهائيًا” التحقيق في الفظائع التي ارتكبوها.

وتعود جذور حزب “ديموقراطيي السويد” إلى حقبة النازية في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك، فقد أصبح ثاني أكبر حزب في البلاد وجزءًا من الائتلاف الحاكم من خلال “الدفع بروايته المعادية للمسلمين والمناهضة للهجرة”، بحسب كمالي.

وتعتبر السويد نفسها “المجتمع الأكثر حداثة وليبرالية، والأكثر تنوّعًا وتعددًا في الثقافات”، لكن كمالي يرى أن ذلك “ليس صحيحا”.

ويؤكد أن حرق القرآن من قبل السياسي العنصري بالودان، وبدعم من الشرطة السويدية بحجة “حرية التعبير”، لا يشكل بطريقة أو بأخرى مفاجأة، خصوصًا إذا أخذنا السياق التاريخي بعين الاعتبار.

الاناضول

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: