خبير في القانون الدولي: “الرأي الاستشاري” للعدل الدولية مهمٌ لكنّ وقف الإبادة بغزة أكثر أهمية

خبير في القانون الدولي: “الرأي الاستشاري” للعدل الدولية مهمٌ لكنّ وقف الإبادة بغزة أكثر أهمية

عمّان – رائد صبيح

أكد أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى في تصريحاته لـ “البوصلة” أنّ الحالة الاحتفائية التي يقوم بها الإعلام العربي اليوم تجاه المرافعات الشفوية أمام محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالرأي الاستشاري حول العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي الأطول في التاريخ للأراضي الفلسطينية، لا مبرر له، لا سيما وأنّنا لسنا أمام حكم قضائي، فالمحكمة ستقدم استشارة فقط، وستقدم فتوى وتفسيرًا واجتهادًا “غير ملزم” حول الأسئلة المستفتى بها، وتوضح من وجهة نظرها ما هو رأي القانون الدولي.

وأكد الموسى أنّ علينا انتظار رأي المحكمة الذي قد يأخذ فترة طويلة ربما تستغرق أشهر، وفي نهاية الأر قد يكون هناك نقاط ربما تكون جيدة، وربما تأتي المحكمة بتفسيرات وآراء أقل مما نتوقع وأقل مما يمنح القانون الدولي للفلسطينيين، وقد تأتي بأسانيد ضعيفة وقد تغفل بعض المسائل.

وقال الموسى إنّنا نريد أن نرى ما الذي سيخرج عن المحكمة، ويقيّم ويدرس، ويكتب فيه، ثم نرى ما الذي جاءت به المحكمة، وليس بالضرورة أن المحكمة إذا ما طلب منها رأي استشاري معين، أن ما ستقدمه في الرأي أن يأتي متوافقًا مع ما نرغب وتوقعاتنا من القانون.  لا اريد الدخول في التفاصيل، لكن القانون الدولي يتضمن أحكاما بالنسبة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، أتمنّى أن تأتي باجتهادات وتفسيرات ورأي استشاري بحجمها.

ولكنّه عبر عن خشيته من أنّ رأي المحكمة سيكون “أكثر محافظة” وسيأتي بتفسيرات أضيق ومواقف أكثر محافظة، على الرغم من أنّ الرأي الذي قدمته عام 2004 بالنسبة للجدار الفاصل كان رأيًا ممتازًا وقدم تفسيرات رائعة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكن هل ستكرر المحكمة في هذا الرأي موقفها السابق وتقدم اجتهادات بالجودة ذاتها وبالروعة ذاتها، أم أنها ستأتي أكثر محافظة؟.

دعم قضية الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا أكثر أهمية

وعبر الخبير القانوني عن أسفه من أنّ الزخم الذي وجدناه اليوم في عدد الدول التي تقدم مواقفها ومذكراتها الشفوية افتقدناه في دعم قضية الإبادة الجماعية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا وكانت هي الأولى والأهم من وجهة نظره.

د. محمد الموسى: دول العالم وعلى رأسها الدول العربية مسؤولة أمام شعوبها بالتحرك لوقف الإبادة الجماعية في غزة

وقال الموسى: من الملاحظ أنّه ولأول مرة في هذا الرأي الاستشاري أن تتقدم 52 دولة برغباتها لتتحدث وتقدم مواقفها ومذكراتها الشفوية، وهذا من وجهة نظري، على الرغم من أنّه كان لدينا قضية جنوب أفريقيا والإبادة الجماعية، ولم نقل إنّ هذا الراي ليس مهمًا وليس له قيمة، لكنّه لا يلزم الكيان وليس أداة تنفيذية بوجه الكيان.

وشدد أستاذ القانون الدولي أنّ القضية التنازعية والتحاكمية التي رفعتها جنوب أفريقيا، تزعج الكيان أكثر لأنها حكم قضائي، يرتب التزامات على الكيان، ولاحظنا أن الدول العربية لم تنضم إلى تلك القضية ولم تعبأ بها، لكنّها في هذه الحالة للرأي الاستشاري حرصت حتى الدول الداعمة للكيان حرصت – حتى نكون صريحين – على أن تقدم وتشارك في جلسات الاستماع لتعوض عن موقفها المتخاذل في عدم الانضمام لقضية جنوب أفريقيا.

المسؤولية الأخلاقية لوقف الإبادة قائمة

ولفت الموسى إلى أنه يجب علينا ان لا نخلط بين الموقفين، حتى الدول العربية التي شاركت وقدمت مذكرات ومرافعات خلال جلسات استماع في الرأي الاستشاري، هذا لا يعفيها من أنها مسؤولة أمام شعوبها وهناك عليها واجبات كدول أطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية، بأن تنضم إلى جنوب أفريقيا وأن تكون طرفًا في هذه القضية في مواجهة الكيان الصهيوني، خاصة وأنّ القضية ستفضي إذا ما بتت بها المحكمة لصالح جنوب أفريقيا بحكم قضائي ملزم لدولة الكيان الصهيوني.

وأضاف، يجب أن لا نتخذ من الرأي الاستشاري وما تقوله الدول العربية هنا (غربالاً) تتغطى وراءه من أجل أن تخبئ خلفه مواقفها صراحة غير المفهومة وغير المقبولة من قضية جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني.

تواصل تقديم المرافعات الشفوية

وكانت محكمة العدل الدولية بدأت الاثنين جلسات استماع لمدة أسبوع حول العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في لاهاي، ومن المقرر أن تستمع المحكمة إلى إحاطات 52 دولة، بالإضافة لمنظمة التعاون الإٍسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.

وتأتي هذه الجلسات بناء على طلب سابق قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2022، التي طلبت من المحكمة إصدار رأي استشاري حول الاحتلال الإسرائيلي. وهذه هي المرة الثانية التي تطلب فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة.

قراءة في الرأي الاستشاري

وفي قراءته للمشهد بمحكمة العدل الدولية قال الموسى: إنّ علينا التفريق بين الرأي الاستشاري والاختصاص التحاكمي القضائي لمحكمة العدل الدولية، فما يحصل الآن فيما يتعلق بالرأي الاستشاري المطلوب من المحكمة تقديمه بشأن التبعات القانونية المترتبة على الاحتلال طويل الزمن لأنه هذا احتلال غير مسبوق طويل المدة بالنسبة للاحتلال الصهيوني لفلسطين، والسياسات الاستيطانية والإحلالية والتهويدية، التي يتبعها الكيان في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية، فإنّ هذا الرأي الاستشاري في الحقيقة “عبارة عن فتوى، وعبارة عن استشارة قانونية”، طلبتها الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية بموجب الاختصاص المعترف به بميثاق الأمم المتحدة للجمعية العامّة في هذا الإطار.

ولفت الخبير في القانون الدولي إلى أنّ “هذا الرأي الاستشاري إجراءاته تشبه إجراءات القضايا، بمعنى: أنّ هناك فترة لتقديم المذكرات الكتابية، ثم هناك جلسات استماع، ومن ثم ترفع للمداولة، وتأخذ أشهر ربما تصل إلى ثمانية أشهر حتى يخرج الرأي الاستشاري النهائي بعد جلسات الاستماع.”

كما أوضح أنّ الرأي الاستشاري هو فتوى قانونية وتوصية من محكمة العدل الدولية، وهي تختلف في هذه الحالة عن قضية جنوب أفريقيا التي قدمتها ضد الكيان والمتعلقة بجرائم الإبادة الجماعية، فالحالة هنا قضية نزاع والمحكمة تصدر بموجبه حكم قضائي ملزم، لكن في الرأي الاستشاري لا تصدر حكماً قضائيًا ملزمًا؛ بل تصدر رأيًا استشارياً، وهذا الرأي بحد ذاته لا يرتب أثرًا قانونيًا، ولا يرتب تنفيذًا ضد دول، ولا يرتب إلتزامات في مواجهة الدول.

وتابع بالقول: إذا لاحظنا، أنه ليس هناك أطراف دعوى، لكن السؤال هل هذا الرأي الاستشاري يخلو من قيمة قانونية رغم كونه غير ملزم.

تطوير نظريات القانون الدولي

وعلى الرغم ممّا سبق، لكن الخبير في القانون الدولي الدكتور محمد الموسى يرى أنّ “آراء المحكمة الاستشارية لها قيمة أولاً كبيرة في تطوير القانون الدولي، وتساهم في تطوير نظريات في القانون الدولي، وتفسر مبادئ وأحكام في القانون الدولي، وتطوّر من الأحكام القانونية في هذا القانون.”

ويؤكد أنّ أهميتها أحيانًا تتأتى من أنّها كاشفة عن أعراف دولية، يعني، تُسال المحكمة وتستفتى بقضية معينة لتبين وجهة نظرها، وتوجه نصيحة قانونية بشأنها، لتقدم تفسيرًا معينًا بشأنها، وليس بالضرورة أن يكون موقف المحكمة أو تفسيرها في الآراء الاستشارية دائمًا يحظى برضا الفقهاء القانونيين.

ولكنّه لفت في الوقت ذاته إلى أنّه: في كثيرٍ من الأحيان تكون الآراء الاستشارية الصادرة عن المحكمة غير مرضية، وشعر فقهاء القانون الدولي إزاءها أنّها ضعيفة أو جزء منها قوي والجزء الآخر ضعيف، وحاججوا المحكمة في اجتهادات أخرى فقهية، يعني هي مجال لتطوير القانون الدولي.

كما أشار الموسى إلى أنّ اهمية الآراء الاستشارية أنّها تأتي كاشفة عن أعراف، أو قد تأتي منشئة لأعراف دولية جديدة وتسهم فيها.

أهمية الرأي الاستشاري في حالة فلسطين

وقال: الآن في الحالة الفلسطينية، أين تكمن الأهمية، أنّ المحكمة عندما تصدر رأيها الاستشاري في الأسئلة المطروحة على الرغم من أننا لا نستطيع تنفيذه ولا يلزم الكيان الصهيوني كونه “رأيا استشاريًا”، لكنّ هذا الرأي يرتب آثارًا على الكيان الصهيوني، بصفته قانونًا دوليًا عرفيًا، يعكس موقف القانون الدولي، رغم أنّه ليس ملزمًا بل بما يكشف عنه من أحكام وقواعد القانون الدولي.

وتابع بالقول: لنأخذ مثلاً الرأي الاستشاري الذي قدمته العدل الدولية فيما يتعلق بالجدار، عندما قالت أنّ الأراضي الفلسطينية وراء الخط الأخضر كلها اراضٍ محتلة، وأنّ الزمن مهما طال في ذلك الاحتلال تبقى هذه الأراضي محتلة، هذا صحيح، ما جاء في الرأي الاستشاري، هو رأي لا أستطيع تنفيذه وألزم به الكيان، لكنّه ملزم للكيان من جانب آخر، بصفة المحكمة قالت هذا هو القانون الدولي.

وهنا المحكمة، بحسب الموسى، عبرت عن موقف القانون الدولي، وبمعنى هذا الرأي الاستشاري يصبح موقفًا ودليلا يؤشر على موقف القانون الدولي من ممارسات وسلوكيات الكيان، وبالتالي يمكن أن نستند إليه أحيانًا في إطار مساءلة الكيان عمّا يرتكبه من احتلال، وما يصحب ذلك الاحتلال من أوضاع قانونية.

وأضاف، هناك مسائل مثارة ينازع حولها، قد تأتي المحكمة وتبت بها، وبالتالي توضح موقف القانون، وهذا يصلح أساسًا للرجوع للكيان ومساءلته، وليس بموجب الرأي الاستشاري ذاته، بل بما تضمنه من مبادئ واجتهادات قانونية.

القيمة الحقيقية للمرافعات الشفوية؟

وأوضح الموسى بالقول: لا نستطع الحكم على القيمة المضافة للمرافعات الشفوية، حتى نرى الرأي الاستشاري للمحكمة، فهل جاءت المحكمة ومن الممكن أن تكون موقف الأحكام القانونية متقدمة أكثر، ومن الممكن أن تفسر المحكمة أحكام القانون الدولي بشكل أضيق من اللازم.

وقال: نريد الحذر من هذه المسألة، الرأي الاستشاري هو فتوى ستقدمه المحكمة كاجتهاد قضائي، ودعونا نرى وننتظر، ولا يجوز أن نتحدث عن هذا الرأي الاستشاري وكيف سيخدم القضية الفلسطينية.

وأضاف بالقول: أولاً يجب أن يصدر الرأي الاستشاري، وندرسه ونحلله تحليلاً عميقًا على يد باحثين ودارسين في القانون الدولي، بشكل عميق وفق مناهج وأصول القانون الدولي، ثمّ نرى هل المحكمة طورت أحكام القانون الدولي إزاء الأسئلة التي قدمت لها، وهل المحكمة عكست حالة القانون الدولي العرفي، إزاء القضية الفلسطينية، وهل جاءت بموقف يتسق مع الموقف الراهن للقانون الدولي، أم أنها جاءت بتفسيرات أضيق ممّا يجب أن يكون، وقلصت من الموقف القانوني الدولي.

ولفت إلى أنّنا نريد ان نرى هل ستقدم المحكمة موقفًا متقدمًا، في اجتهاداتها وفي رأيها الذي ستقدمه، أم أنها ستأخذ موقفًا محافًا متوازنًا يراعي جميع الأطراف، لا نستطيع الحكم الآن.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: