خبير قانوني: بدون وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار كيف يمكن منع جرائم الإبادة بغزة؟

خبير قانوني: بدون وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار كيف يمكن منع جرائم الإبادة بغزة؟

عمّان – رائد صبيح

استهجن الخبير في القانون الدولي الدكتور محمد الموسى عدم نص قرار محكمة العدل الدولية في قرار التدابير لمنع جرائم الإبادة الجماعية في غزة صراحة على ضرورة وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية وبشبه إجماعٍ من قضاة المحكمة الأمر الذي من شأنه أن يوقف الإبادة الجماعية بشكلٍ فعليٍ.

وعبّر الموسى في تصريحاته لـ “البوصلة” عن أسفه الشديد من أنّ محكمة العدل الدولية لم تتعامل بهذه القضية على قدم المساواة مثلما تعاملت مع قضية أوكرانيا ضد روسيا، وهي تتعلق أيضًا بتطبيق اتفاقية تحريم الإبادة الجماعية، وعندما تقدمت أوكرانيا بطلب تدابير تحفظية، فإنّ المحكمة فعلاً بتلك الفترة طلبت – قائمة تدابيرها التحفظية التي أقرتها – من روسيا وقف العمليات العسكرية، بل والانسحاب من أوكرانيا.

علامات استفهام حول القرار

وأوضح الخبير القانوني أنّ حجم الإجرام الذي يمارسه العدوّ الصهيوني في غزة، لم يمارسه الروس ضد المدنيين في أوكرانيا، وهذا الأمر يثير علامات استفهام حول قرار المحكمة.

كما عبر الموسى عن استغرابه من عدم مخالفة أي قاضٍ من القضاة للمحكمة في سياق “التطرق لضرورة وقف إطلاق النار”، لا سيما وأنّه دون وقف إطلاق النار صراحة، لا يمكن منع الإبادة الجماعية.

وأشار إلى أنّ المحكمة لم تكن لتعدم الحيلة لإيجاد أدلة والبحث عن أسانيد لوقف إطلاق النار في سياق منع الإبادة الجماعية، وما يثير الاستفزاز أكثر، أنّ القضاة العرب محمد دنونة أو نواف سلام من لبنان أو القاضي عبد القوي من الصومال، لم يتطرق أي واحدٍ منهم إلى ذلك في أمرٍ مستغرب.

د. محمد الموسى: قرار العدل الدولية لم يدخل بعد في الدعوى ولم يدن الكيان الصهيوني بجرائم الإبادة الجماعية

وقال الموسى إنّ عدم وجود آراء مخالفة تربط ما بين الإبادة الجماعية في قطاع غزة ووقف إطلاق النار، أمرٌ بالغ الاستفزاز لنا كقانونيين، خاصة وأننا نعلم جميعا أن بإمكانهم الإتيان بحجج لإدراجها ضمن الإجراءات الاحترازية، في سياق ما ذكرته رئيسة المحكمة حول التقارير الأممية الإنسانية التي تثبت ذلك، وما قاله الأمين العام للأمم المتحدة، من إشارات إلى أنّ الاستمرار بالعمليات العسكرية سيجعل من الصعب إصلاح الضرر الواقع على أهل القطاع.

وتساءل كيف يمكن أن نوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة طالما لم نستطع وقف إطلاق النار، وطالما استمر العدوان على غزة بهذه الوتيرة المتصاعدة.

قضايا ولفتات مهمّة  

وقال الموسى: رغم أنني لم أتفاجأ من قرار العدل الدولية، لكنّه كان لافتا أنّ المحكمة تنظر في إطار تدابير تحفظية في الحماية من الإبادة الجماعية أظهرت بأنّها ربما لا ترغب في هذه المرحلة من الدعوى النظر في قانون استعمال القوة.

ومن جانب آخر، لفت الموسى إلى أنّ المحكمة في هذا التدبير، أخذت تدابير مشابهة لما أخذته من تدابير تحفظية في قضية غامبيا ضد ماينامار، وأنّه بالرغم من معرفتنا باعتبار قضية جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني هي تشبه هذه القضية من حيث أنّ الجرائم التي ترتكب ليست في صراع ونزاع بين دول، بل مع جماعات مسلحة، لكن الفرق في هذا الإطار، واستهجانا لعدم تطبيقها نموذج “أوكرانيا وروسيا”، أن في حالة ماينمار النزاع كان داخليًا، بمعنى بين الحكومة في ماينمار وجماعات داخل ماينمار، بينما في حالة غزة والنزاع لا نستطيع القول إنّ الإبادة تمّت في (أراضٍ تحت السيادة الإسرائيلية، بل خارج الأراضي التابعة للكيان الصهيوني).

واستدرك بالقول: بالتالي يصعب القياس من هذه الزاوية على حالة غامبيا، وهناك في حالة غزة تعدٍ حيث حصلت الجرائم خارج الحدود الدولية لـ “الكيان الصهيوني”، وهنا الحالة الأقرب أن تقاس على أوكرانيا وروسيا منها على غامبيا وماينمار، بالرغم من علمي أنّ محكمة العدل الدولية لا تخاطب كيانات غير الدول.

والمسألة الأخرى، التي لفتت الخبير القانوني أنّ هناك الفقرة 85 أدرجتها المحكمة وتعبر عن قلقها من وجود رهائن بأيدي حماس والمقاومة الفلسطينية، وتطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم، وهذه في الحقيقة أدرجتها في النهاية، قبل أن تذكر منطوق الحكم، وهي مستغربة لأنّ هذا الموضوع خارج اختصاص المحكمة، وخارج موضوع اتفاقية الإبادة الجماعية، وخارج الطلبات، ولم يطلبه أحد ولا صلة له بالتدابير التحفظية وهي مسألة تثير الانتباه.

مسائل أساسية تتعلق باختصاص المحكمة

وفي إشارته للتدابير الاحترازية التي أقرتها محكمة العدل الدولية، نوه الخبير في القانون الدولي إلى أنّ المحكمة لم تدخل بعد في الدعوى، ولم تدين الكيان الصهيوني، ولم تنظر بعد إلى ارتكاب إبادة جماعية من عدمه، وانّ ما اتخذته من تدابير تحفظية لا يعني أنّه ثبت لديها وجود إبادة من عدمه.

كما لفت الخبير القانوني من جانب آخر إلى أنّ المحكمة اختصاصها محدود في جرائم الإبادة الجماعية حصرًا، لأنّ الكيان الصهيوني لا يعترف باختصاص المحكمة بشكلٍ عام.

وأوضح أنّ الاحتلال يعترف باختصاص المحكمة فقط بناء على المادة 9 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، واختصاصها محدود في الإبادة ومنع الإبادة، وليس بجوانب أخرى متعلقة بقانون استعمال القوة، أو غيره.

وأشار الموسى إلى أنّ محكمة العدل الدولية توازن بين حقوق طرفي الدعوى، وليس طرفًا واحدًا، وهذه مسألة يجب أن ننتبه لها، خاصة وأنها لم تصدر في أساس الدعوى، وتخشى أن تكون تدابيرها التحفظية تضيع طرف آخر إذا ما ثبتت لاحقًا في أساس الدعوى، وأنّ ما حصل اليوم، أنّ المحكمة فقط حاولت أن تتأكد من أنّ شروط التدابير التحفظية متحققة كي تصدر هذه التدابير.

وأوضح الموسى بالقول: بمعنى أنه إذا أخذنا رئيسة المحكمة في منطوق القرار الذي قرأته قالت: أنّه ثبت لنا أن المحكمة تختص لأول وهلة، وبأن هناك إمكانية بالقول بوجود اختصاص لنا، ولكن هذا لا يعني أنّها حين تدخل في الدعوى ستقول أنّ هذا ملزم لها كاختصاص.

ولفت إلى أنّ أهم تدبير اتخذته المحكمة أنّها لم تستجب لطلب وقف العمليات العدائية فورًا، واستبدلته بمطالبة الكيان الصهيوني أن يمتنع جنوده عن أي أعمال تندرج ضمن المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

وشرح الموسى أنّ المادة 2 تحدد الأفعال التي تشكل جريمة الإبادة الجماعية، وهي قتل أفراد الجماعة المحمية، أو إلحاق أضرار جسدية أو عقلية جسيمة بهم، أو إخضاعهم لظروف معيشية الهدف منها تدميرهم كليا أو جزئيا، ومنع الإنجاب في الجماعة، أو أخذ الأطفال عنوة من الجماعة ونقلهم إلى جماعة أخرى، وبالتالي الكيان الصهيوني عليه أن يمتنع عن هذه الأفعال.

وأشار الموسى إلى أنّ المحكمة قالت إنّ على الكيان الصهيوني اتخاذ تدابير لإدخال المساعدات الإنسانية والمواد اللازمة، وأن يمتنع عن تدمير بيئة القطاع وإجراءات فورية لعدم تدمير الأدلة التي تتعلق بارتكابه جرائم إبادة جماعية، وأيضًا العمل على ملاحقة ومقاضاة من يشتبه أنهم ارتكبوا جرائم تدخل في إطار الاتفاقية، وطلبت منه خلال شهر أن يبلغ المحكمة بما اتخذه من تدابير، والمحكمة لها أن تقيم حسب اللوائح الداخلية، وتعدل التدابير أو تستعيض عنها.. الخ.

فرض “تدابير مؤقتة” لمنع الإبادة في غزة

أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، حيث رفضت -في حكمها الصادر اليوم الجمعة- الطلب الإسرائيلي برفض الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا.

وصوتت أغلبية كبيرة من أعضاء لجنة المحكمة المؤلفة من 17 قاضيا لصالح اتخاذ إجراءات عاجلة تلبي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا باستثناء توجيه الأمر بوقف الحرب على غزة.

وقالت المحكمة في النص الذي تلاه القضاة إن على إسرائيل أن تتخذ “كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية”.

وذكرت المحكمة أنها تقر بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية، مؤكدة أن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل.

وأضافت المحكمة أن على إسرائيل الالتزام بتجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري.

وبموجب الحكم أيضا يتعين على إسرائيل أن ترفع تقريرا إلى المحكمة في غضون شهر بشأن كل التدابير المؤقتة.

وقالت المحكمة إن على إسرائيل أن تتأكد فورا من أن جيشها لا يرتكب الانتهاكات المذكورة سابقا.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: