خبير لـ “البوصلة”: الحكومة لم تقدم أي معالجة حقيقية لأزمتنا الاقتصادية المتراكمة

خبير لـ “البوصلة”: الحكومة لم تقدم أي معالجة حقيقية لأزمتنا الاقتصادية المتراكمة

عمان – رائد الحساسنة

أكد الخبير الاقتصادي محمد البشير في تصريحات إلى “البوصلة” أن الحكومة الحالية لم تقدم حتى اللحظة للشارع الأردني أي معالجة حقيقية للأزمة الاقتصادية المتراكمة، مشددًا في الوقت ذاته على أنها مدينة لكل الآراء المقدمة لها من باب الحرص على أن المعالجة الحقيقية لأزمتنا الاقتصادية اليوم تتمثل في معالجة هيكل المالية العامة وهيكل الاقتصاد الأردني.

وقال البشير: إن هيكلية المالية العامّة تتعلق بالضرائب، فيما تتمثل هيكلية الاقتصاد بما انعكس من سياسات ضريبية على كلفة المنتج الأردني، مشددًا على أن “هذا هو الجوهر في علاج الأزمة”.

وأضاف، أن هذه الأزمة ما زالت مستمرة والحكومات المتعاقبة عبر 30 عامًا كانت متبعة لإرشادات صندوق النقد الدولي التي عبثت بالنتيجة والمحصلة النهائية بالنظام الضريبي الذي كان سائدًا، موضحًا في الوقت ذاته أن هذا النظام كان تحفيزيًا في السابق ويتفق مع المادة (111) من الدستور وساهم في الحد من تغوّل الحكومات على النفقات بشكلٍ أو بآخر، لا سيما وأن إدارتها كانت تواجه مشكلة عميقة.

ونوه إلى أن الحكومة الحالية اليوم تعيش أزمة متراكمة، ولم تعط للشارع الأردني أو المراقب السياسي أو الاقتصادي أي معالجة حقيقية لهذه الأزمة المتراكمة، المتمثلة في المالية العامة وما يتعلق بالضرائب على وجه الخصوص، وتخفيض النفقات التي تحدثنا عنها كثيرًا.

وتابع بالقول: ما اتخذته أوامر الدفاع فيما يتعلق بالزيادات والمكافآت الخ قد تكون مدخلاً لما تحدثنا به، لكن مسألة الرواتب في القطاع العام والخاص يجب أن تكون لها منظومة مرتبطة بمعالجة مشكلة العبء الضريبي على المواطنين المتمثل في سيادة الضريبة غير المباشرة (ضريبة المبيعات)، مقابل ضريبة دخل متواضعة أدت لتعميق الفجوة في الدخول بين المواطنين.

وشدد البشير على أن “هذا يحتاج لمعالجة حقيقية، تؤثر مباشرة على الوضع الاقتصادي، بمعنى أن هذا الوضع هو نتاج سياسات ضريبية ومالية أدت إلى ارتفاع كلفة السلع والخدمات المقدمة للمواطنين، وأصبحت الدخول التي يُعبر عنها في الاقتصاد بالتضخم من حيث ثباتها وزيادتها بتواضع وفي الوقت ذاته ارتفاع كلف السلع الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الاستهلاك بشكلٍ عام”.

وأوضح الخبير الاقتصادي أنه مع انفتاح الأردن مع منظمة التجارة العالمية واتفاقية التجارة الحرة أصبحت السلع القادمة (الاستيراد) أرخص من السلع الأردنية المكبلة بالضرائب غير المباشرة (ضريبة المبيعات)، وتأثيرات وتشابك ضريبة المبيعات ليس فقط على السلعة وإنما على الطاقة أيضًا والاتصالات، مع كلفة كبيرة في التمويل، وكلفة على رواتب الموظفين في المنشآت (نسب الضمان الاجتماعي)، وجميعها جعلت من السلعة الأردنية غير قادرة على منافسة السلع المستوردة الأمر الذي أثر بشكل واضح على ميزان التجارة.

وتابع حديثه بالقول: وفي الوقت ذاته هذه السلعة التي كانت تصدر للخارج وتأتي بعوائد نقدية أجنبية أيضًا تأثرت بهذه الكلفة.

وخلص البشير إلى أن السياسة الضريبية ابتداء أدت إلى خلل في واردات الخزينة، وفي الوقت ذاته أدت إلى ارتفاع كلف الاقتصاد، وبالتالي عشنا حالة الانكماش الاقتصادي.

القرارات المالية الصعبة المرتقبة

وقال الخبير الاقتصادي: “صدق وزير المالية عندما تحدث عن ظروف اقتصادية وقرارات مالية صعبة في مقبل الأيام، لكن التعافي الذي يتحدث عنه دون إجراءات حقيقية في هذه المعالجة لن نستطيع أن نرى التعافي”.

وعند سؤاله عن تصريحات وزير المالية حول قرارات مالية صعبة للإسهام في تعافي الاقتصاد، وهل يمكن أن تكون هذه القرارات وضع الحكومة قدم الاقتصاد على السكة  الصحيحة أم اللجوء مرة أخرى إلى جيوب المواطنين، أجاب البشير بالقول: “لا يوجد خيارات أمام الحكومة حاليًا وهي تستدين لمعالجة ضغط وباء كورونا على الأردن اقتصاديًا وتراجع تحصيلاتها المالية”.

وتابع حديثه بالقول: عندما تحدث الوزير عن تراجع قدره 600 مليون بالنسبة للواردات الضريبية، وسبب ذلك تأجيل الإقرارات الضريبية إلى 30 حزيران، والتي كانت تعبيرًا عن تحصيلات تخص العام 2019، فهذه تم تأجيلها ولم تأتي للخزينة، والذهاب إلى النفقات الجارية أكثر من النفقات الرأسمالية جميعها ستؤثر مستقبلا في برنامج إصلاحي لتسديد أي ديون قادمة والديون انحصرت خلال الأيام الماضية، وهذا كله لن يأتي إلا بمزيد من الضرائب.

وشدد البشير على ضرورة أن تقوم الحكومة بهيكلة الضرائب بشكل سليم، والتخفيف من ضرائب المبيعات، والاستفادة من تراجع النفط، والدفع باتجاه ضريبة دخل على الأغنياء سواء كان هؤلاء الأغنياء رواتب موظفين أو شركات وبنوك على وجه الخصوص.

ما دور البنوك والشركات المالية في حل الأزمة؟

نحن نرى كل هذه الأزمة ونرى الجهات الوحيدة التي تربح هي البنوك وشركات التأمين، والشركات المالية وبعض الشركات الصناعية الاستخراجية (بوتاس، فوسفات)، وهذا مؤشر على خلل في هيكل الاقتصاد الأردني.

العدالة تقتضي أن تكون الفروقات في الأرباح بين القطاع التجاري والقطاع المالي على وجه الخصوص والقطاعات الأخرى في هوامش معقولة، وفي مقابل ذلك إذا كان لا بد من هذه الفروقات الكبيرة فالأصل أن تكون ضريبة الدخل قائمة بالدور من خلال ضريبة تصاعدية تخفض من هذه الفروقات، لأن هذه العوائد القادمة للخزينة ستكون قادرة على تقديم خدمات الصحة وخدمات التعليم والنقل بشكل أو بآخر هذه العناوين الثلاث الأساسية على وجه الخصوص بالنتيجة تخفيض الأعباء الضريبية على المواطنين.

بهذه الطريقة نستطيع أن نعالج وندفع الناس أن تذهب للاستثمار بدلاً من الودائع التي وصلت اليوم إلى 35 مليار دينار، لمن هذا المبلغ؟

هذا المبلغ هو تعبير وتجلي للسياسة الضريبية الخاطئة التي تمت خلال الفترات الماضية، فبدل أن تكون هذه الودائع أموالًا مدورة بناء على سياسة ضريبية تدفع للخزينة من جهة، وتدفع للاستثمار في مشاريع عوائدها أفضل من عوائد الودائع لدى البنوك، وهذه السياسة تاريخيًا أثبتت أنها سياسة خاطئة.

كم يحتاج اقتصاد الأردن ليبدأ بالتعافي؟

أكد الخبير الاقتصادي محمد البشير أن تنشيط القطاع الصناعي والزراعي لا يحتاج لمبالغ هائلة، مع أهمية البنية التحتية التي تتعلق بالنفقات الرأسمالية، فواجب الحكومة دائمًا أن تهيئ البنية التحتية من أجل استقطاب الاستثمارات.

وتساءل البشير لماذا تراجعت استثماراتنا الخارجية في الأردن؟ مؤكدا أن البنية الاستثمارية والصرف على الطرق وعلى البنية الصحية والتعليمية تراجع، هذه البيئة لم تساعد، ولذلك نحن بجاجة لنفقات رأسمالية أفضل.

الزراعة والصناعة حتى ندعمها ونستقطب استثمارات خارجية ليس مطلوبا من الحكومة سوى أن تعمل بهذا الاتجاه عبر تعديل التشريعات، وتهيئة فرص مناسبة لبنية تحتية سليمة.

ونوه إلى أن الشراكة في الاستثمار بين القطاع العام والخاص وأن الحكومة ستشارك في ذلك غير ممكن والحكومة عليها ديون أكثر من 30 مليار، وهذا الأمر سيتطلب منها مزيدًا من الديون وهذا الأمر في غاية الصعوبة.

وأضاف أنه يجب العمل على بنية تحتية صحيحة لاستقطاب الاستثمارات وتخفيض كل أسباب ارتفاع كلفة المنتج الأردني، وبهذه الطريقة يقبل الناس على الصناعة والزراعة.

ودعا البشير الحكومة إلى تطبيق ما كانت تتحدث عنه قبل سنوات حين سنّت قانون صندوق الاستثمار الأردني، وذلك عبر استثمار 4 مليارات دينار على مدار 10 سنوات، مشددًا في الوقت ذاته على أنه إذا ما استثمر هذا المبلغ في الصناعة والزراعة فإنه على الأقل سيعمل على الحد من الاستيراد.

وختم البشير حديثه بالتأكيد على أنه من السهل جدًا أن ندخل إلى أي مول أو سوبرماركت وننظر ماذا نستورد ونسعى لإيجاد بدائل له، فهل هذا صعب؟، مجيبًا على هذا التساؤل بالقول: “أنا أعتقد أن هذا الأمر سهل وهو في متناول الحكومة”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: