خبير يقترح حلولًا لأزمة التأمين الصحي ويستهجن نأي “نقابة المواطنين” بنفسها

خبير يقترح حلولًا لأزمة التأمين الصحي ويستهجن نأي “نقابة المواطنين” بنفسها

عمّان – رائد صبيح

على الرغم من التدخل الحكومي في ترحيل أزمة “التأمين الصحي” إلى مطلع كانون أول القادم وادّعائها حلّ الخلاف بين نقابة الأطباء واتحاد شركات التأمين، إلاّ أنّ الخبير الاقتصادي حسام عايش استهجن في تصريحاته لـ “البوصلة” استمرار نأي الحكومة بنفسها عن العديد من الملفات الحساسة التي تمس أمن الوطن والمواطن باعتبارها “نقابة المواطنين” التي يجب أن تدافع عن مصالحهم وتصونها، مؤكدًا في الوقت ذاته على ضرورة أن يتمّ حل الأزمة جذريًا من خلال تعديل “قانون نقابة الأطباء”، وفرض رقابة مشددة على سلوك شركات التأمين وكذلك المنتفعين بالتأمين الصحي لمنع حدوث تجاوزات تضر بالعملية بأكملها.  

وفي قراءته للسجالات الحاصلة بين نقابة الأطباء واتحاد شركات التأمين وحالة الترقب والخوف التي عاشها المواطن الأردني، قال حسام عايش: في الواقع إذا كانت شركات التأمين لديها هذا النفوذ، وإذا كانت نقابة الأطباء لديها هذه الحماية للمنتسبين إليها، فيفترض أنّ الحكومة هي “نقابة المواطنين” التي يفترض أن تدافع عن حقوقهم وتصحح المشكلات المتعلقة بالتعامل معهم، وهذا من الواضح أنّ الحكومة تحاول أن تنأى بنفسها عنه في أغلب المحطات.

هل باتت مظلة التأمين عاجزة وغير مستقرة؟

وأضاف بالقول: إنّ القطاع الصحي يقدم من قبل الدولة باعتباره قطاعًا قادرًا على تأمين المواطنين عبر وسائل مختلفة من ضمنها التأمين الصحي من خلال شركات التأمين، فيما استقر العرف الصحي والتأميني في الأردن على قيام الشركات والمؤسسات أو الفعاليات الاقتصادية المختلفة بتأمين موظفيها من خلال التعاقد مع إحدى شركات التأمين.  

ولفت عايش إلى أنّ ما حدث ويحدث في قطاعات أخرى كثيرة فإنّ الأوضاع لم تعد مستقرة، وأنّ الأوضاع التأمينية لم تعد تجري على سياقها المعتاد.

شركت التأمين بين ظالمٍ ومظلوم

وأضاف أنّ “شركات التأمين تشكو من أنّ بعضها يتعرض للإفلاس وبعضها الآخر يتعرض للعجز المالي، وبعضٌ ثالثٌ أحيانًا يشكو من عمليات احتلال من خلال التأمين على إطلاقه أو التأمين الصحي من بينه”.

وأشار إلى “أنّ شركات التأمين اليوم تحاول أن تقلل هذه التكالف المتعلقة بالخسائر من هذه الأبواب، وهي تتعامل مع الأطباء كما سمعت من أكثر من طبيب بطريقة ليست مهنية بعلاقاتها بهم”.

وأوضح أنّ “الطبيب الاستشاري أو الطبيب المختص أو الطبيب الذي يجري عمليات جراحية كبيرة، أو حتى الطبيب العادي يتم التعامل معهم في سياقٍ واحدٍ، أو حتى عائد منخفض جدًا لأي طبابة يقومون بها قياسًا لما يحصلون عليه بدون التأمين”.

وتابع قائلا: ثانيًا وهذه هي الإشكالية، أنّ أمد الحصول على مستحقاتهم يكون طويلاً وأحيانًا يحتاج لعمليات أخذٍ وردٍ طويلة.

واستدرك عايش بالقول: من هذا الجانب، لا شك أنّ شركات التأمين لا تؤدي الدور بالشكل المطلوب، ناهيك أيضًا عمّا يعانيه المؤمنون من الموظفين وغيرهم في علاقتهم بشركات التأمين، التي تحاول أن تقلص التكاليف أو تقلل مستوى التأمين الطبي للمشتركين، بما يحقق عائدًا وربحًا لها.

ولفت إلى أنّه في الجانب الآخر، بلا شك فإنّ الرسالة التي يتم الحديث فيها عن دور الطبيب ومكانته الإنسانية، من الواضح أنّ هناك مشكلة في استكمال التعاطي بها، ويأتي ذلك على خلفية هذا القرار المفاجئ بالتوقف عن كل الحالات التأمينية ورمي الكرة في ملعب المؤمّن عليه وشركات التأمين لتسوية حساباتهما المالية ودفع الكلف للأطباء.

نموذج على التحديات التي ستواجه المواطن

وذكر الخبير الاقتصادي مثالاً على الإشكال الحقيقي الذي سيواجه المواطن حال نفذت نقابة الأطباء قرارها في كانون الأول المقبل، قائلا: لنتخيل أنّ معدل الرواتب في الأردن ونتحدث عن (650 – 670 ) دينارًا، أنّ زيارة للطبيب من أي موظف سيدفع كشفية الآن تقارب الخمسين دينارًا، وهذا يعني أنّ 7% من إجمالي راتبه، سيدفعه مقابل هذه الكشفية، ثم سيذهب لشراء الأدوية في حال أنّه لم يحتاج إلى دخول المستشفى، وسيدفعها مباشرة من جيبه، علمًا بأنّه لا يملك أو لم يكن مخططًا له أن يدفع مثل هذه التكاليف.

وحذر من أنّ هذا الأمر الذي سيؤدي إلى مشكلات في القدرة على الإنفاق حتى على احتياجاته الأساسية الأخرى، وسيدخل في جدال طويل مع شركات التأمين التي ربما ستخفض مما ستدفعه لهذا المؤمن عليه كما تفعل مع الأطباء، وبالتالي يصبح المواطن هو الضحية.

حلول مقترحة.. المواطن هاجس القوانين

وفي معرض تقديمة لوصفة لبداية حل الأزمة الحاصلة في التأمين الصحي، أكد عايش أنّ القوانين والأنظمة والسياسات يجب أن يظلّ هاجسها الإنسان والمواطن، ومن عنده تبدأ الخطط والبرامج والسياسات وتعدل القوانين والتعليمات والأنظمة.

وشدد على أنّه لا بدّ إذن، إمّا تغيير قانون نقابة الأطباء، حتى لا يكون هناك مجال لمثل هذا الموقف مستقبلاً حتى لو تمّ تأجيل المشكلة إلى أربعة شهور قادمة، وأيضًا أن تكون هناك رقابة على أداء شركات التأمين، وأن تكون هناك رقابة داخلية على المؤمن عليهم من الموظفين وغيرهم، حتى لا يتم استغلال التأمين الطبي بدون أي حاجة.

وعبر عن أسفه الشديد من أنّ كثيرًا من الشركات والمؤسسات، وكثيرًا من القطاعات الاقتصادية بدأت إمّا تفرض رسومًا أو كلفًا إضافية على مستهلكي خدماتها دون الإعلان، وتذهب وتتفاجأ بذلك، ومن الواضح أنّ ذلك إذا لم يكن يتم بعلم الحكومة فيجب عليها أن تعلم.

لنكن أكثر شفافية

 وتابع عايش بالقول: الأهم من هذا وذاك أنّ الأمور ما دامت ذهبت بهذا الاتجاه فيجب أن تكون أكثر شفافية ونزاهة وإفصاحًا وأن تكون مبررة إذا كان هناك من تبرير، وأن تكون خاضعة للنقاش إذا ما كانت تحتاج إلى تعديل أو تغيير أو إضافة.

وقال عايش: لذلك، الحكومة وهي تتحدث عن القادم الأجمل، لا بد أن يكون القادم أجمل على صعيد المستوى المعيشي وعلى صعيد تقليل الكلف على المواطن، وعلى صعيد الجودة في الخدمات والمنتجات، لكن أن نصل لمرحلة نرفع الغطاء التأميني عن الموظفين الذين تقول الحكومة إنهم من المشمولين في المظلة الشاملة للتأمين الصحي والطبي مع عائلاتهم وأسرهم وأطفالهم، فهذا لن يلحق الضرر فقط بصورة الأردن الاجتماعية وإنما سيخلق اضطرابات في هذا المجال والتداعيات ستكون خطيرة.

وحذر الخبير الاقتصادي من تفاقم هكذا أزمة بالقول: لنتخيل أن المواطنين سيتوقفون عن الذهاب للأطباء أو التوقف عن دفع كلفة مراجعة الأطباء وإلغاء دور شركات التأمين الضروري في أي مجتمع وأي اقتصاد، ومن ثم ّ ندخل في حالة من الصراع بين أطراف يفترض أن تنظم أشكال العلاقة بينها الحكومة، والتي أصبح من الواضح أنها تنأى بنفسها كثيرًا عن مواضيع كثيرة.

وأشار إلى أنّ الحكومة تنأى بنفسها عن موضوع المالكين والمستأجرين وتنأى بنفسها عن موضوع الكلف المتزايدة في السوق، وتنأى بنفسها عن المدرسين في المدارس الخاصة والحد الأدنى للأجور كأمثلة.

وختم عايش تصريحاته لـ “البوصلة” بالقول: هذا في الحقيقة سيسبب الكثير من المشاكل والأضرار، وربما يخلق حالة من عدم الاطمئنان واليقين بشأن المستقبل الاقتصادي والاجتماعي، وأيضًا يحبط المواطن، وهذا كلما قل التفاؤل وزاد التشاؤم كلما انعكس ذلك على الأداء الاقتصادي وعلى النموّ الاقتصادي وعائده الاجتماعي، ولعلّ مشكلة التأمين تظهر هذه الحالة بأجلى صورها.

ترحيل الأزمة.. شكّل لها لجنة

وانهى اجتماع عقد بوزارة الصحة اليوم الثلاثاء خلافا حول آلية لائحة أجور الأطباء وتطبيق نظام الصندوق التعاوني.

وفي الاجتماع الذي ترأسه وزير الصحة الدكتور فراس الهواري بحضور محافظ البنك المركزي الدكتور عادل شركس ونقيب الأطباء زياد الزعبي وممثلي مجلس النقابة وممثلين عن الاتحاد الأردني لشركات التأمين، والجمعية الوطنية لحماية المستهلك، والجمعية الأردنية للتأمينات الصحية، والاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، ولجنة دافعي الفاتورة العلاجية، أكد وزير الصحة حرص الحكومة على التوصل إلى اتفاق يرضي كافة الأطراف ويصب في مصلحة الوطن والمواطن، واعتماد الحوار كأساس لحل أي خلاف قائم بين كافة الأطراف.

وتم خلال الاجتماع وبناء على اتفاق الأطراف المعنية اعتماد قرار وزير الصحة بتشكيل لجنة برئاسة أمين عام وزارة الصحة للشؤون الإدارية والفنية وعضوية كافة الأطراف المعنية لوضع التوصيات اللازمة حول آليات تطبيق نظام الصندوق التعاوني للأطباء، إضافة الى مراجعة لائحة أجور الأطباء تمهيداً لإقرارها حسب الأصول وبما يحقق طموح جميع الأطراف ويتواءم مع التطور في القطاع الطبي خاصة ما لم تعالجه لائحة الأجور المطبقة حالياً فيما يتعلق بالإجراءات الطبية.

ووافقت النقابة على تأجيل قرار وقف استقبال المرضى الذي كان مقررا في 2 أيلول المقبل إلى حين الانتهاء من أعمال اللجنة بموعد أقصاه الثاني من كانون الأول المقبل.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: