رسالة للشهيد عبد العزيز الرنتيسي: هل كنت عصياً على الموت!

رسالة للشهيد عبد العزيز الرنتيسي: هل كنت عصياً على الموت!

حين ظننا بأنك بعيداً عنه، كان أقرب إليك من حبل الوريد..

كنت تقول دائماً:” إن المرء يمكن أن يموت بالسرطان، أو لأي سبب آخر”، وأنك إذا خيرت فإنك تفضِّل أن يكون موتك بـ”الأباتشي” هل حققت أمنيتك أيها المتماوت ومدعي الموت، الشهيد الحي؟!

سمعتك ذات مرة تقول لصحفي عربي بأن لا أحد يستطيع اغتيالك إلا إذا أراد الله ذلك، وقد أراد الله كما حلمت أنت، أن تصطفى مع من اصطفوا قبلك عبر مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، وأن تغدق روحك على قلوبنا عطوراً وزنابق، وأن يتدفق نهر الدم الزكي في طرقات نابلس وغزة وجنين، وأن يزركش دمك حجارة القدس العتيقة.

ترجلت عن حصانك بعد أن كنت المحارب العنيد الذي تكسرت السيوف والنصال على جسده، وحده دمك بدفقة سحرية ملحمية جمع ما تناثر من شتات دمنا عبر ردهات الجامعة العربية والأمم المتحدة، وما تبقى من منظماتنا وهيئاتنا الإقليمية، دق دمك أبوابنا المغلقة التي ضربها العفن، حين كنا غارقين حتى آذاننا في وحل حروب البسوس، وأيهما سبق الآخر داحس أم الغبراء، ووهم عنترة العبسي وحاتم الطائي وأبو زيد الهلالي.

نتشبث بفائض الكلام، ونريق أطنان الأحبار، وملايين الكلمات، ونعود إلى قاموس الشجب العربي بطبعته الجديدة المزيدة والمنقحة، ونستخرج منه كل مترادفات الرفض والإدانة، وبكائيات الشعراء على أطلال الحبيب الذي فارق الديار إلى مكان قصي في أطراف الصحراء، نسوّد آلاف الصفحات في صحفنا اليومية والأسبوعية، ويتزاحم الأثير فيضاً من لغو الكلام تغرقنا به الفضائيات والإذاعات العربية، لا بأس، فالكلام أفضل من الصمت، وليس صحيحاً ما يقال بأن الكلام من فضة والسكوت من ذهب، فالساكت شيطان عقد الحق لسانه، والنجمة ضوء النهار.

كان مشهد وداع الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم  لك يوما استثنائياً وغير قابل للوصف، الآلاف أرادوا لمسك والتبرك من وجهك، وأن يأخذوا شيئاً منك، من رائحتك الطيبة، من عبير الشهادة الذي أشبع به المسجد العمري بغزة حيث أقيمت صلاة الجنازة على روحك، كأن الندى كان يغفو على خديك، وأوراق الشجر تفتحت فوق سجاد المسجد حيث لامس القماش المخضب بدمك، كأني بك والناس تتزاحم للمس وجهك وتقبيلك، تقول لهم دعوني امضي إلى حيث اصطفيت، وعودوا انتم إلى ساحات الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني على امتداد الوطن العربي الكبير.

كأنك تطردهم من زحمة شوارع غزة الضيقة إلى لغة برع بها الاستشهاديون والمقاومون، لغة الحوار، حوار العدو بالدم، وباللغة التي يفهمها، بالبنادق والأحزمة الناسفة، فالمسألة هنا، ليست عبد العزيز الرنتيسي أو أحمد ياسين أو أبو علي مصطفى أو إسماعيل أبو شنب أو محمود طوالبة او رائد الكرمي، أنها قضية منهج، أسلوب حياة، إما نحن أو الآخر، النقيض، العدو النقيض لإنسانيتنا، وقيمتنا كبشر.

تكاد أن تكون المرة الأولى التي يتفق فيها الشارع العربي في عمان والقاهرة ودمشق ونابلس وغزة، وعواصم أخرى، على أن ثلاث جهات اشتركت في قتلك، الإدارة الأمريكية، وحكومة ارئيل شارون، والنظام الرسمي العربي الذي قبل بالذل، وأدمن إهانات بوش وإدارته المتعجرفة، النظام الرسمي العربي الذي ويأكل أصابع يديه وقدميه من القلق، أمام الأمريكي.

نحن أيضاً قتلناك، 400 مليون عربي، قتلناك بصمتنا، وخوفنا من بطش أجهزة النظام الرسمي العربي وسطوته واتكائه على دعم الحليف الاستراتيجي، وأصبحنا مثل النظام العربي، نؤثر السلامة، ونرضى بالقليل، تهزنا النكبات والكوارث لساعات أو أيام معدودة، ثم نمضي إلى كهفنا لنغفو سنوات، الله وحده يعلم عدتها.

قتلك ثلاثتهم، ونحن أيضاً بصمتنا، وسيقتل الكثيرون، لأن صمتنا أقرب إلى التواطُؤ.

علي سعادة

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: