سفن أمريكية “تحاصر وتفتش” العقبة… لماذا استدعى الأردنيون المشهد؟

سفن أمريكية “تحاصر وتفتش” العقبة… لماذا استدعى الأردنيون المشهد؟

البوصلة – صحيح تماماً عندما يتعلق الأمر بعمق المشهد النخبوي الأردني اليوم أن الجناح الداعي في السلطة السياسية إلى هامش مناورة أفضل تصل عبره البلاد للمشاركة في الترتيبات الاقتصادية الإقليمية بعنوان “النقب 2” المؤجل، لديه وجهة نظر مرتكزة على “حسابات المصالح”.

ومنطقي القول بأن هذا الجناح من بعض المسؤولين الأردنيين يطرح أسئلة من طراز البحث عن الكلفة والفاتورة في حالة معاندة خطة الثنائي الأمريكي أنتوني بلينكن وجاك سوليفان، اليوم، مستذكراً الخروج من “المولد بلا حمص” إبان ترتيبات صفقة القرن بنسختها الأولى.
وصحيح للمرة الثالثة أن هذا الجناح حصراً، الذي يوجد بقوة في وزارة الخارجية وفي بعض المكاتب السيادية، لديه “وجهة نظر” براغماتية تستوجب التوقف والنقاش عندما يتعلق الأمر بجدوى وإنتاجية مسار التكيف حصراً، خصوصاً في الجزء المرتبط بفكرة “التكيف مع الإسرائيلي اليوم هو جسر البقاء في تواصل مع الاقتصاد الغربي”.

مسار التكيف بات يقلق الأردنيين جميعاً، ليس على مستوى قطاع واسع من المكونات الاجتماعية فقط، ولكن على مستوى بعض النخب الرسمية والموالية في الدولة والصالونات السياسية ومكونات ثقافية مجتمعة تخشى من التورط في كمين التكيف تحت ستار التفاهمات الاقتصادية وصولاً إلى مرحلة قد يجد الأردن نفسه فيها بمواجهة مقايضة أمنه واستقراره الاقتصادي بمزيد من التنازلات المؤلمة على حساب الحقوق الوطنية الشرعية للشعب الفلسطيني. وأيضاً على حساب مبدأ فكرة الدولة الفلسطينية لتمرير مخططات وهندسات اليمين الإسرائيلي المتطرف في سياق التواطؤ الأمريكي مع ذلك اليمين.
لكن جرعة القلق زادت بوضوح خلال اليومين الماضيين أيضاً بعد الإعلان فلسطينياً عن “قمة أمنية” ستعقد بحضور أمريكي وإسرائيلي ومصري وأردني، ضمن سلسلة ترتيبات على الحافة السياسية الأمنية من الصنف الذي يقلق كل أوساط القرار الأردني، ثم أوصال المجتمع حيث “مجازفة كبرى” الآن يمكن تجنبها في سياق “المنزلق الفلسطيني”.

البيان الذي صدر مؤخراً باسم 212 شخصية مهمة ووطنية في الأردن يرصد المفارقة ويحذر ضمناً من التنكر للحقوق الأساسية، والدكتور مروان المعشر نصح مراراً أمام “القدس العربي” نخبة القرار في بلاده بقراءة الواقع الإسرائيلي كما هو بدون أوهام، حيث يمينيون عقائديون حاكمون لا يؤمنون لا بوجود شريك فلسطيني ولا “جار أردني”.
لهذا، ثمة من يتصور في عمان اليوم بأن خطاب الثوابت الوطنية تحت ستار التكيف والمصالح الاقتصادية المرتبطة اليوم بتفاهمات النقب ومثيلاتها سيعني في النهاية المجازفة أيضاً بدور الأردن وهوامشه وبإثارة فوضى إقليمية قد يتأثر فيها الداخل الأردني يمكن أن تؤثر على المصالح العليا للدولة الأردنية وليس فقط على الهوية الوطنية الأردنية.
وقد عبر الشيخ طراد الفايز، في اجتماع أمام “القدس العربي” عن قناعته الوطنية بأن الشعب الأردني جاهز للجوع تضامناً مع قيادته إذا ما حافظت الحكومة على خطاب الثوابت وصمدت في الموقف المعلن، في الوقت الذي يستذكر فيه كثيرون في مجالساتهم الآن تمكن المملكة من الصبر والاحتمال والعبور في “سوابق تاريخية” حديثة عندما رفعت في عهد الراحلين الملك حسين بن طلال والرئيس صدام حسين “الفيتو” ضد استهداف العراق في حرب حفر الباطن، بينما كانت البوارج الأمريكية “تفتش وتحاصر في العقبة”.

هنا حصراً رصدت “القدس العربي” عشرات المرات التي يستذكر فيها الأردنيون قدراتهم على “الصمود من أجل المبدأ” في مساحة التوحد بين موقفي الشعب والقيادة السياسية مع تكرار المطالبات بـ “رفض” ترتيبات وتفاهمات النسخة الثانية من صفقة القرن، كما وصفها رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.

بمعنى آخر، ما يلمح له بيان الشخصيات المشار إليه هو التأشير على أن استسهال الحديث عن تسويات على حساب المبادئ الجوهرية والثوابت الأردنية ينبغي أن يبقى في إطار المحاذير الوطنية والعميقة، والتي لا يمكن البقاء في حالة مسترسلة عملياً تقلص من أهميتها. وهنا الإشارة ملموسة إلى أن وجود تيار ليبرالي- براغماتي أو “لوبي” مؤمن لأغراض حماية مصالح البلاد بالبقاء تماماً في حضن الأمريكيين وخططهم مهما كانت في عمق بعض مؤسسات القرار الأردنية، بما في ذلك وزارة الخارجية وبعض المواقع الإدارية الاستشارية. ذلك “تموقع بيروقراطي” يحاول إنكار وجود آفاق من وزن مختلف لموقف شعبي يمكن أن يؤدي إلى إثارة خلاف وتجاذب مع الموقف الرسمي بصورة غير مسبوقة لأن الكتل الفاعلة اليوم، سواء المتحركة لأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية في الأردن، أو تلك الصامتة للأسباب تاريخية ووطنية معنية بالاستقرار العام- يمكنها أن تجتمع عند الخطر في منطقة “الدفاع عن الهويتين الوطنيتين” على ضفاف نهر الأردن إذا ما كان التطبيع مع اليمين الإسرائيلي ثم التكيف سيثيران الهواجس.
تلك مجازفة تصبح “غير مسبوقة” بمعادلات التوازن في عمق المجتمع الأردني إذا ما رافقتها “الاستجابة” تحت ستار “التكتيك” لما يسمى بخطة القمة الأمنية الأمريكية لتفعيل “التهدئة”.

“التهدئة” لأغراض حل معضلة إسرائيل الأمنية في فلسطين المحتلة ينبغي ألا تؤدي لعكسها في الداخل الأردني.. هنا حصراً مربط الفرس في مخاوف مرحلة ما بعد “النقب 2″؛ بدلالة أن قيادات وطنية أردنية وقعت بكثافة على البيان الذي يتمنى على القيادة السياسية للبلاد البقاء في مستوى رفضوي لترتيبات مؤتمرات النقب والاقتصاد الإقليمي على حساب الثوابت؛ بمعنى تصليب الجبهة الداخلية والبقاء في الاشتباك والممانعة، ولا يمكن إخفاء مجسات الاستشعار التي تفيد بكل اللهجات العملية بأن في الشارع الأردني اليوم تياراً نخبوياً واجتماعياً عريضاً يرفض التورط والكمين، ويتمنى أن لا تختبر مواقفه في إطار تناقض ما بين الموقفين الرسمي والشعبي.
لكن الانفلات ممكن إذا ما وصلت الأمور في الملف الفلسطيني إلى مستوى التفجير والتفخيخ، وهي رسالة حذر من الوصول إليها عملياً أكثر من 20 مختصاً وخبيراً شاركوا في ورشة عمل مغلقة مثيرة في تفاصيلها، بعنوان سيناريو المخرج للأردن في مواجهة سيناريو التفجير الفلسطيني الإسرائيلي في البحر الميت مؤخراً.

الشارع صلب والتيار الشعبي الذي يعارض التورط في التفاهمات الاقتصادية لا بل يرتاب فيها ويخشى من أن تكون مقدمة للتأثير على الهويتين الوطنيتين الأردنية والفلسطينية معاً، الأمر الذي يحيل الأردن مجدداً إلى لعبة الديموغرافيا ومشكلاتها والجغرافيا وتعقيداتها، كما يحيله إلى ظاهرة استعادة ما حصل على شواطئ العقبة يوماً ولو من جزئية البحث عن “سابقة” تقبل المجازفة المحسوبة قليلاً.

القدس العربي

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: