صلاة من أجل ترامب.. أسرار الدعم الإنجيلي للرئيس “غير المتدين”

صلاة من أجل ترامب.. أسرار الدعم الإنجيلي للرئيس “غير المتدين”

القس الإنجيلي أندرو برانسون (يمين) يصلي من أجل ترامب

في مؤتمر سنوي ينظمه ناشطون مسيحيون في الولايات المتحدة، وضع قس يده على كتف الرئيس دونالد ترامب وأخذ يدعو له: “أسأل الرب أن يمنح الرئيس ترامب معرفة غيبية ليعلم من هو أهل للثقة ومن ليس كذلك، وليفضح الرب ويبطل خطط كل أولئك الذين يريدون سوءا بالرئيس ترامب وبهذا البلد”.

ومضى قائلا “أبانا الرب أرى أن لك قلبا رؤوفا بالرئيس ترامب، أسألك أن تقربه منك”.

لم يكن هذا الداعي سوى القس الإنجيلي أندرو برانسون الذي يفتخر ترامب بأنه تمكن من إعادته إلى الوطن بعد أن كان سجينا في تركيا على ذمة قضية تتعلق بالانقلاب الفاشل هناك عام 2016.

وكان هذا مشهدا من مشاهد الحفاوة والتأييد الذي يحظى به ترامب في أوساط المسيحيين الإنجيليين الذين كانوا قوة رئيسية وراء صعوده المثير إلى السلطة عام 2016.

وخلال ذلك المؤتمر الذي يسمى “قمة ناخبي القيم” (Values Voter Summit) والذي عُقد في العاصمة واشنطن، ألقى ترامب خطابا في 12 أكتوبر/تشرين الأول جدد فيه عهوده لهذه الفئة الناخبة التي يُعتقد أنها تحمل مفتاحا من مفاتيح فوزه بولاية ثانية.

وراح ترامب يتحدث عن القيم المسيحية الأميركية وعن ضرورة الاتحاد في جولة جديدة لهزيمة “الاشتراكيين واليسار المتطرف”، وقال إن هؤلاء “يرفضون مبادئ آبائنا المؤسسين، المبادئ التي حفظها إعلان الاستقلال وتنص على أن حقوقنا تأتي من خالقنا”.

وأضاف “يشن اليسار المتطرف على كل جبهة حربا على القيم التي يتشاركها كل الموجودين في هذه القاعة. يحاولون إسكات ومعاقبة خطاب المسيحيين والمؤمنين من كل الملل… يحاولون استخدام المحاكم لإعادة كتابة القوانين وتقويض الديمقراطية”.

ومضى قائلا “سنقف معا في وجه الاشتراكيين وسنحقق انتصارات هائلة من أجل العائلة والإيمان والحرية تماما كالانتصار الذي حققناه في 2016”.

ترامب المسيحي
وقد ظهر ترامب في ذلك المؤتمر -وفي محافل أخرى مماثلة- بمظهر المسيحي البروتستانتي المحافظ الذي يعتز بانتمائه الديني، خلافا لإطلالاته الأخرى وسيرته التي لا يتحمس لها المسيحيون المحافظون عموما، فقد تزوج عدة مرات، وانخرط في حياة الإعلام والفن والترفيه ونظم مسابقات لملكات الجمال، قبل أن يصل إلى الرئاسة.

ومع صعوده إلى المنصب توالت عليه الاتهامات والدعاوى القضائية التي تصوره كرجل له علاقات خارج نطاق الزواج، ومتهم بالتحرش والإساءات الجنسية.

وقد تسبب ذلك في حرج للمجتمع البروتستانتي الإنجيلي ووضعه في أزمة أخلاقية، إذ هو يميل في أغلبه إلى خوض غمار السياسة لدفع برامجه وأفكاره، فلا يجد لذلك سبيلا سوى تبني وتأييد هذه الشخصية صاحبة “السلوك غير المسيحي” وفقا للمنتقدين. ومع ذلك، فقد كان الخيار هو دعم الرئيس حتى النهاية.

أما ترامب، فهو يستفيد كثيرا من دعم هذه الطائفة التي تعد كتلة تصويتية رئيسية في الولايات المتحدة، وتتمتع بعلاقات مميزة مع إسرائيل. ولذلك فقد حرص على تحقيق أهداف يسعى إليها الإنجيليون، حتى بالرغم من انشغاله بمعارك سياسية أخرى.

حصان طروادة
وقد أشارت الكاتبة ميشيل غولدبرغ إلى هذه المعطيات حين كتبت في صحيفة نيويورك تايمز في يناير/كانون الثاني 2017 أن ترامب “غير المتدين” هو “حصان طروادة لليمين المسيحي” الذي يريد السيطرة على السياسة الأميركية.

ولهذا اليمين المسيحي كثير من الشواغل المحلية، لكنه في ناحية السياسة الخارجية يضع نصب عينيه دعم إسرائيل وتقويض أي حراك داخل المجتمعات العربية والإسلامية قد يمثل تهديدا لها بشكل أو بآخر.

وكان الإنجيليون البيض -باتفاق التحليلات السياسية والإحصاءات- قوة رئيسية وراء فوز ترامب في انتخابات 2016، وبحسب التقديرات، فقد صوت 81% من مجموع الإنجيليين الأميركيين لصالحه. ويمثل الإنجيليون قرابة ربع السكان الذين يحق لهم التصويت في الولايات المتحدة.

وبينما تتجه البلاد نحو انتخابات رئاسية جديدة في العام المقبل، تتجه الأنظار مجددا إلى الإنجيليين، وتتداول وسائل الإعلام الأميركية تقييمات لقوتهم التصويتية واتجاهاتها المحتملة، وما إذا كانت العلاقة لا تزال متينة بينهم وبين ترامب.

تقول بعض التقارير إن هناك “صراع أجيال” في أوساط الإنجيليين البيض، وإن الناخبين الشبان منهم -خلافا للكبار- ليسوا متحمسين لإعادة انتخاب ترامب، بعدما رأوه من سياسات وخطابات متعصبة و”غير مسيحية” تجاه اللاجئين والمهاجرين وفئات أخرى مستضعفة.

لكن التقييم الرائج يشير إلى أن التأييد الإنجيلي لترامب ما زال قويا لا يلين، ولا سيما بعد أن حقق الرئيس عددا من الأهداف والمطالب التي سعى إليها الإنجيليون.

فقد عين الرئيس قاضيين محافظين في المحكمة العليا (مرجحا بذلك كفة المحافظين –خمسة قضاة- على الليبراليين –أربعة قضاة- في المحكمة)، كما عين عشرات من المحافظين أيضا (حوالي 150 قاضيا) في القضاء الفدرالي، وهي تعيينات مدى الحياة لا يجوز إلغاؤها.

وفي ضوء هذا الوفاء من جانب ترامب للقواعد الإنجيلية، تنبئ بعض الإحصاءات بنتائج إيجابية للرئيس. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة رويترز بالاشتراك مع مؤسسة إبسوس في سبتمبر/أيلول الماضي أن 70% من الإنجيليين البيض يشعرون بالرضا عن أداء ترامب.

العلاقة على ما يرام
بالرغم من بعض الانتقادات الإنجيلية لترامب التي ارتبطت بقرارات محددة مثل قراره الأخير سحب القوات الأميركية من شمال سوريا -إذ رأوا أن ذلك ربما يعرض حياة المسيحيين الذين يسكنون تلك المنطقة للخطر- فإن ذلك لم يزعزع على ما يبدو هذه القاعدة الصلبة التي يركن إليها.

وظهر هذا جليا في مؤتمر “قمة ناخبي القيم” الذي نظمه الناشطون المسيحيون حيث كانت صيحات التأييد والاستحسان لأداء ترامب عالية بما يكفي لإرسال هذه الرسالة.

ورأى الحاضرون أن ترامب قائد صالح يحاصره الديمقراطيون المصممون على إسقاطه، وقال تيم تشافينز -أحد مؤيدي ترامب المشاركين في المؤتمر- “إنه ليس إنسانا كاملا، لكنه يمثل قيمي الأخلاقية بأكثر مما يمثلها أولئك الذين يظهرون له الكراهية”.

واجب الإنجيليين
وثمة رموز في المجتمع الإنجيلي تتداعى لدعم ترامب ونصرته قبل الانتخابات، ولا سيما في هذا التوقيت الذي يواجه فيه الرئيس محاولات حثيثة من قبل الديمقراطيين لإخضاعه لمحاكمة برلمانية ومن ثم عزله.

ومن بين هؤلاء الرموز، رالف ريد مؤسس “تحالف الإيمان والحرية” الذي يرى أن من “الواجب الأخلاقي” على الأميركيين الإنجيليين أن يدعموا الرئيس بحماس، وفقا لموقع بوليتيكو الأميركي.

ويقول الموقع إن ريد يروج لهذه الرؤية في كتاب من المتوقع أن يصدر في أبريل/نيسان المقبل بعنوان “للرب والوطن: الحجج المسيحية لدعم ترامب”.

وأشار الموقع إلى أن العنوان الأصلي للكتاب كان “دعوها للرب وترامب” اقتباسا من العبارة الشهيرة في “الكتاب المقدس” التي تقول “دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله”، ولم يتضح سبب تغيير العنوان.

ومن بين الداعمين المتحمسين لترامب أيضا القس فرانكلين غراهام نجل الداعية المسيحي بيلي غراهام. وقد نظم فرانكلين خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري جولة في عدد من المدن الأميركية في إطار جولة بدأها عام 2016 سماها “القرار أميركا”، امتزجت فيها الرسائل السياسية بالدينية.

وعبر غراهام خلال المهرجانات الخطابية التي أقيمت في الجولة عن تأييده لترامب في وجه إجراءات التحقيق التي أطلقها الديمقراطيون في مجلس النواب للوصول إلى المحاكمة البرلمانية والعزل. وكرر غراهام الحجج التي يسوقها ترامب للدفاع عن نفسه.

وقالت وكالة أسوشيتد برس إن الإقبال الكبير على مهرجانات غراهام يظهر دائرة الانتشار الواسعة للرسالة الإنجيلية في ولاية كارولينا الشمالية التي تتأرجح أحيانا بين الجمهوريين والديمقراطيين.

من هم الإنجيليون؟
كلمة “إنجيلي” هي الترجمة العربية الشائعة لمصطلح “إيفانجيليكل” (Evangelical)، ويُقصد بها في الولايات المتحدة تلك الطوائف المسيحية البروتستانتية التي تميزت عن التيار العام للبروتستانت التقليديين بعدد من المعتقدات “التجديدية”.

ومن عقائدهم الإيمان بمفهوم “الولادة الثانية” أو ولادة الروح التي تحدث للمسيحي ليكون إنسانا جديدا صالحا، وكذلك الإيمان بأن “الكتاب المقدس” وحده هو كلمة الرب المنزهة عن أي خطأ.

لا يوجد إحصاء دقيق للإنجيليين في الولايات المتحدة، وهو ما قد يرجع إلى تنوع التسميات التي يتخذونها لأنفسهم وإلى تعدد فرقهم وكنائسهم، لكنهم على الأرجح يشكلون أكبر كتلة مسيحية في البلاد، ويليهم الكاثوليك، ثم البروتستانت التقليديون (غير الإنجيليين).

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: