“عاصفة القرن”.. كيف أظهرت عجز واشنطن عن مواجهة التغير المناخي؟

“عاصفة القرن”.. كيف أظهرت عجز واشنطن عن مواجهة التغير المناخي؟

ضربت الأسبوع الماضي عاصفة ثلجية قسماً كبيراً من الولايات المتحدة الأمريكية، وانخفضت درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر في 48 ولاية، ما تسبب في وفاة 60 شخصاً.

ونتج عن تلك العاصفة، التي أدت إلى إغلاق طرق رئيسية عدة، انعدام في الرؤية وانقطاع في الكهرباء عن آلاف المنازل. كما أُلغيت أكثر من 15 ألف رحلة جوية أمريكية في الأيام الأخيرة، وفقاً لموقع تتبّع حركة الطيران “فلايت أوير”. وأظهرت العاصفة الشتوية القوية، مدى عجز أعظم قوة في العالم عن مواجهة التغير المناخي.

يقول خبراء الأرصاد الجوية إن سبب تسميتها “عاصفة القرن” يعود إلى الدوامة القطبية، وهي كتلة هواء باردة انتقلت من القطب الشمالي، جنوباً إلى كندا والولايات المتحدة، وهي حالة ” تحدث مرة واحدة في كل جيل”. وأوضحوا أنه خلال العام الماضي لم يصل ضوء الشمس إلى المنطقة، ما تسبب في شدة برودة الهواء.

يذكر أن الإعصار الذي حدث في أواخر سبتمبر/أيلول بمدينة “إيان” جنوب شرقي الولايات المتحدة واستمر عدة أيام خلّف أكثر من 100 قتيلاً، وهو واحد من أعنف الأعاصير في التاريخ الأمريكي الحديث. وسقطت الغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا في فلوريدا، وهي الولاية الأكثر تضرراً من الإعصار المدمر.

أصبح الرابط بين تغير المناخ والطقس المتطرف جلياً في الكوكب، ففي الصيف تصل الحرارة إلى درجة احتراق الغابات والأشجار من تلقاء نفسها، وفي الشتاء تصل البرودة إلى حد العثور على جثث مجمَدة، كما حدث في مدينة بافالو بولاية نيويورك منذ أيام.

على صعيد آخر، تظهر تغيرات أكثر تعقيداً، كما حدث في ديسمبر/كانون الأول من تساقط للثلج في الكويت، والتي تعد واحدة من أكثر الدول ارتفاعاً في درجة الحرارة، في ظاهرة نادرة لم يشهدها البلد منذ عقدَين، وفقاً لخبراء الأرصاد الجوية.

وهنا يبرز السؤال عن جهود الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التغير المناخي ومدى جدواها حتى الآن، خاصة مع غياب التوقعات الدقيقة فيما سيحدث مستقبلاً على الصعيد المناخي.

أبرز الجهود

أعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بلاده إلى اتفاقية باريس، فور وصوله إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2020، بعد أن انسحب منها الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب .

وطرح بايدن خطة أقرها الكونغرس الأمريكي بهدف مكافحة تغير المناخ وتحسين كفاءة الإنفاق الاجتماعي، تتضمن استثمارات تزيد عن أكثر من 430 مليار دولار، من بينها 370 ملياراً تتعلق بالمناخ والطاقة النظيفة.

وتهدف الخطة إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 40 % بحلول 2030 ، وهو أكبر جهد تبذله الولايات المتحدة في هذا المجال.

كما أعلنت واشنطن خلال قمة مع دول جنوب شرق آسيا، في مايو/أيار 2022، أنها ستخصص 40 مليون دولار للاستثمار في الطاقة النظيفة في المناطق المعرضة لتغير المناخ، وقالت إنها تعمل مع القطاع الخاص لجمع ما يصل إلى ملياري دولار.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شارك الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة المناخ “كوب 27” التي عُقدت على المستوى الرئاسي في مدينة شرم الشيخ المصرية. وأكد بايدن وقتها أن الأزمة المناخية “تهدد الحياة على الكوكب وتتعلق بأمن البشر والأمن الاقتصادي والقومي”، متعهداً بتحقيق أهداف الولايات المتحدة في خفض الانبعاثات الضارة بحلول عام 2030.

واختتم مؤتمر المناخ بالاتفاق على تسوية بشأن مساعدة البلدان الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ، لكنه فشل في وضع طموحات جديدة للحد من انبعاثات الغازات.

وتعهد بايدن بالمساهمة بمبلغ 11,4 مليار دولار في آلية سنوية لتقديم مئة مليار دولار من الدول الغنية لنظيرتها النامية للانتقال إلى مصادر طاقة متجددة وتعزيز مقاومتها للتغير المناخي.

عجز وتدهور

رغم جهود الولايات المتحدة والدول الأخرى المنضمة إلى الاتفاقيات المختلفة المتعلقة بالمناخ، إلا أن التغير المناخي يمس الجميع ويهدد بمستقبل أكثر قتامة على هذا الصعيد ويُظهر مدى عجز واشنطن عن حماية نفسها، فضلاً عن مساعدة الآخرين.

خلال العقود الأربعة الماضية، شهدت الولايات المتحدة خسائر تقدر بـ7.7 مليار دولار سنوياً، نتيجةً للكوارث. لكن منذ عام 2017، قفز المتوسط إلى ما يقرب من 18 مليار دولار كل عام، حسبما نشرت صحيفة واشنطن بوست.

وحسب تحليل أجرته منظمة الأبحاث المناخية غير الربحية أنه من العام 2017 إلى 2021، شهدت البلاد كارثة بمليار دولار كل 18 يوماً في المتوسط، مقارنة بـ82 يوماً بين هذه الأحداث في الثمانينيات.

وقال آدم سميث، خبير اقتصادي وعالم في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في لقائه واشنطن بوست: “إن الدروس التي تعلمناها من أحداث الطقس المتطرفة والمكررة والمكلفة جداً أيضاً، يجب أن تكون واضحة الآن في عديد من المناطق”، واستكمل: “لا سبب لتوقع العودة إلى خط مستقيم مرة أخرى في موضوع المناخ”.

وبجانب الخسائر الاقتصادية التي تتسبب فيها الفيضانات والحرائق والعواصف وموجات الحر، فهي أيضاً تدمر الطبيعة والحياة البرية، وتقلب سبل العيش رأسا على عقب، وتودي بأرواح الناس، وتترك بعضهم بلا مأوى.

ويعد الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، حسب الأمم المتحدة. إذ يمثل أكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، ونحو 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وترتفع درجة حرارة العالم في الوقت الحالي بشكل أسرع من أي وقت مضى في التاريخ المسجل، لوجود تلك الغازات في الغلاف الجوي للأرض، فهي تؤدي إلى حبس حرارة الشمس، ما يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ.

وبمرور الوقت، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تَغيُّرات في أنماط الطقس واضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد. وهو ما يشكل مخاطر عديدة على البشر وجميع أشكال الحياة الأخرى على الأرض.

ما القادم؟

يقول غاري يوهي أستاذ الاقتصاد والدراسات البيئية في جامعة “ويسليان” الأمريكية “من الآن فصاعداً، كل ما نعرفه هو أن الأحداث المناخية المعاكسة ستزداد من حيث تواترها وتأثيرها، ولا يمكننا حساب المخاطر القادمة”.

وأوضح في مقال نشرته مجلة نيوزويك: “سيكون القادم على صعيد المناخ أسوأ مما يمكننا التنبؤ به بناءً على البيانات الموجودة فقط، وأن الضرر على الحياة البشرية سيكون أمراً لا يمكن تصوره”.

كما توقع يوهي تهديدات أكبر بسبب تغير المناخ، مثل الزيادات في حرائق الغابات والجفاف الشديد، مؤكداً “أن نقص المياه وزيادة التلوث واندلاع حرائق الغابات في جميع أنحاء الغرب، أمور سوف تتكثف في المستقبل”.

وأضاف: “رغم كل ذلك وكما رأينا في الولايات المتحدة ، ومع اقتراب عام 2022 من نهايته، لم يجر تأسيس وضع طبيعي جديد يتناسب مع التغيرات المناخية”.

وأكد يوهي أن الأوضاع “لن تعود لطبيعتها مرة أخرى في أي وقت قريب، وستستمر الأمور في التدهور ما لم يتحرك المسؤولون، وإذا لم نأخذ في الاعتبار إمكانية التطرف المناخي، فإننا جميعاً نتجاهل مسؤوليتنا في مواجهة التغير النشط المناخ”.

وفي 20 يوليو/تموز 2022، قال جريج فاليير، كبير استراتيجيِّي السياسة الأمريكية في AGF Investments: ” مات آلاف في الأسابيع القليلة الماضية بسبب الحرارة غير المسبوقة في معظم أنحاء العالم، ولا كثير مما يمكن أن تفعله واشنطن تجاه ذلك”.

وتابع: “يتدافع قادة العالم للحصول على مزيد من الوقود الأحفوري، مثل الصين والهند، وهما مستهلكان ضخمان للفحم”.

وحسب رأي فاليير: “الطاقة النووية يجب أن تلعب دوراً في الحد من انبعاثات الكربون، لكنها سامة سياسياً وبيئياً”.

وبيّن أن التوقعات العالمية ليست مشجعة، في وقت تواجه أوروبا الغربية شتاءً بارداً طويلاً بسبب عدم تلقيها الغاز الروسي. كما أشار إلى تأثر شحنات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بمشكلات البنية التحتية في ألمانيا ودول أوروبية أخرى.

واستكمل: “إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس في عجلة من أمره للتفاوض بشأن إنهاء الحرب الأوكرانية، الأمر الذي سيواصل الضغط التصاعدي على تضخم الطاقة”. وتابع: “ستزداد حدة طلب الوقود الأحفوري مع اقتراب فصل الشتاء، لذا ستستمر أزمة تغير المناخ”.

(تي ار تي)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: