عربيات: “الصيام الإلكتروني” بداية الطريق لعلاج إدمان أبنائنا على وسائل التكنولوجيا

عربيات: “الصيام الإلكتروني” بداية الطريق لعلاج إدمان أبنائنا على وسائل التكنولوجيا

أكدت أنّ الاستهلاك ليس ماديًا فقط بل تعداه للاستهلاك الروحي والفكري

عمّان – رائد صبيح

أكدت الخبيرة التربوية بشرى عربيات في تصريحاتها لـ “البوصلة” أنّ عددًا من السلوكيات الخاطئة التي تؤثر بشكلٍ سلبيٍ جدًا على صحة أبنائنا الطلبة وعلى المجتمع بأكمله جسديًا وعقليًا مرتبطة بـ”الإدمان” على الأجهزة الإلكترونية ولأوقاتٍ طويلةٍ، مشددةً على ضرورة أن يقرع التربويون الجرس لإنقاذ جيلٍ بأكمله عبر إطلاق عملية “صيامٍ رقميٍ” بشكلٍ متدرج.

وقالت عربيات: “إنّ أبناءنا يتعرضون ومنذ سنوات إلى عاصفةٍ تكنولوجية غير منضبطة، كان لها نتائج عكسيَّة على التحصيل الدِّراسيّ، وعلى أسلوب حياتهم بشكلٍ عام، فتراهم غير ملتزمين بأوقات للدراسة وأخرى للنوم، مما كان له آثارٌ سلبية على كثير من الأمور المتعلِّقة بمستقبلهم والصحَّة الجسدية والعقلية لديهم، ولو بقي الحال كما هو عليه، لانحدر مستوى التفكير إلى مستوياتٍ أدنى مما هو عليه الآن”.

المستشارة بشرى عربيات: إذا بقي الحال على ما هو عليه سينحدر مستوى تفكير الطلاب أكثر

واستدركت، “لذلك علينا كتربويين أن نقرعَ الجرس، لتنبيه أولياء الأمور والمعلمين والمعلمات، والمربِّين كلٌ في موقعه للبدء بتطبيق ما يسمَّى بالصِّيام الرَّقَمي، وينبغي أن تكون البداية من عند هؤلاء قبل التأثير على الطلبة والأبناء، ذلك لأنَّ فاقد الشيء لا يُعطيه”.

وأضافت عربيات: “يبقى السؤال، كيف يمكن أن تتم عملية الصيام الرقمي؟ لا شك أن البداية لن تكون سهلة لمن أدمن استخدام الأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها، لكنها ليست مستحيلة، لأنَّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة،  ولا بدَّ أن نبدأ من أجل إنقاذ جيلٍ بأكمله، بل أجيال”.

توصي العديد من الدراسات الحديثة بأقل من ساعة يوميًا لاستخدام الأطفال للأجهزة اللوحية

بداية الصيام الإلكتروني

وقالت عربيات: أقترح أن تكون البداية في عدم إستخدام الهاتف النقَّال أثناء قيادة السيارات، والذي كان وما زال سبباً رئيسياً في كثيرٍ من الحوادث المرورية التي أودت بحياة الكثير من الناس، وأتساءل هنا كيف كان هؤلاء يعيشون قبل وجود الهاتف الخلوي؟؟ لأن استخدام الهاتف أثناء القيادة ليس فقط للإتصال، ولكن لإرسال رسائل نصِّية أيضاً أصبح أمرٌ مستفزّ، ومقلق في ذات الوقت! تراهم يستخدمون الهاتف الخلوي ومعهم أطفال في السيارات، وانتقلت العدوى إلى بعض سائقي الحافلات المدرسية! فتراهم سُكارى وما هم بسُكارى!

وأضافت أنّ “الشيء بالشيء يُذكر، من يضع كلبه على مقود السيارة! تُرى من يقود السيارة؟ الكلب أم السائق؟ سواءً كان شابًا أو فتاة! مشاهد يندى لها الجبين، ويجب الضرب عليها بيدٍ من حديد من خلال تفعيل قوانين حازمة صارمة، تحمي المجتمع من استهتار هذه الفئة اللامسؤولة”.

من المدرسة للبيت للمجتمع

وأشارت إلى مشاهد مؤسفة كذلك في المدارس بهذا الصدد، “حيث ترى الأستاذ والمعلمة، كلاهما يستخدمُ الهاتف الخلوي داخل الحصص، سواءً للرد أو إجراء إتصال، أو إرسال رسائل، هذا المشهد لا يليق بالتربية ولا بالتعليم، ليس هذا فحسب بل سيكون سبباً رئيسياً في نقل العدوى السلبية في عدم إحترام الوقت، وعدم إحترام الآخرين! لذلك لا بد أن تعمل إدارات المدارس الحكومية والخاصة على متابعة هذه السلوكيات ومنعها، وتغليظ العقوبات على كل من يتصرف هذه التصرفات!”.

وتابعت عربيات بالقول: “ومن جانب آخر، أقترح التركيز على الأنشطة الرياضية والفكرية والترفيهية بحيث يتم تفريغ طاقات الطلبة في أمور مفيدة بعيدة عن الأجهزة الذَكيَّة، التي عملت على إنتاج جيلٍ لا يستخدم عقله إلا نادراً! فهل من مستمع؟”.

عربيات: بداية الصيام الإلكتروني ليست سهلة ولكنّها ليست مستحيلة فطريق الألف الميل يبدأ بخطوة

وحول تعامل الأسرة داخل البيت بما يتعلق بالأجهزة الرقمية، فقالت: أقترح تحديد أوقات استخدامهم واستخدام أبنائهم للأجهزة الذكية، بحيث يتم توزيع الوقت ما بين الدراسة والجلوس معهم للحوار، وأن تكون هذه أولويات، وعدم توفير النت أربع وعشرين ساعة، فهذا دمارٌ شامل، والتأكيد على أهمية عدم استخدام الهاتف الخلوي وغيره من الأجهزة قبل النوم بساعتين على الأقل للآباء والأبناء.

واستدركت بالقول: “ذلك لأنه من المعلوم علميَّاً أن العقل البشريّ ينام نصف عدد ساعات النوم في حال استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم مباشرة! كما ينبغي على أولياء الأمور تحفيز أبنائهم على المشاركة في الأنشطة البدنيَّة المختلفة، وعدم الإطمئنان في حالة مكوث الشباب أو الفتيات ساعات طويلة يستخدمون الأجهزة الإلكترونية، ذلك لأن هناك الكثير من السُّموم الفكرية التي يتعرضُ لها الأطفال والمراهقين والشباب على حدٍّ سواء!”.

وختمت عربيات حديثها بالقول: لقد آن الأوان أن نلتفتَ إلى أبنائنا وطلبتنا وجميع أفراد المجتمع، فالإستهلاك لم يعد مادِّيَّاً فقط بل إنه تعدَّى الحدود، فأصبح استهلاكاً للفكر والطاقة والروح، هذا النمط الإستهلاكي سوف يكون سبباً رئيسياً في تراجع التحصيل العلمي والفكري والإجتماعي، ولن يكون هناك تواصل بين أفراد الأسرة، سوى التواصل الإفتراضي، الأمرُ الذي سيدفع بالشباب والفتيات إلى أمورٍ لا تُحمَد عُقباها، لقد قرأنا وسمعنا مؤخراً عن فتيات وشباب غادروا منازل ذويهم، هذه السلوكيات غريبة على مجتمعنا، إذ لم نكن نسمع عن هذه الأمور من قبل، وأكرر لستُ ضد التكنولوجيا، ولكن الأمر لا يحتمل السكوت!

مخاطر صحية ونفسية وسلوكية وتربوية واجتماعية وتعليمية يقف وراءها الإدمان الرقمي

دراساتٌ حديثة تحذر

يذكر أنّ العديد من الدراسات الحديثة تشير إلى أن الإفراط والإدمان للوسائط الرقمية لها آثار وعواقب ضارة جسدية ونفسية واجتماعية وعصبية. كما تشير الدراسات إلى أن المدة والمحتوى والاستخدام بعد الظلام ونوع الوسائط هي عوامل لها تأثيرها بمستوى الضرر.

وتؤكد الدراسات على عدة أنواع أساسية من الآثار الناتجة عن علاقة الطفل بالتكنولوجيا، تتمثل في الآثار النفسية والعقلية، والآثار الجسدية، والآثار السلوكية والتربوية والتعليمية، فضلاً عن الآثار الاجتماعية.

وتقسم المؤثرات المسببة حسب نوع المؤثر إلى نوعين رئيسيين من المؤثرات من خلال جلوس الطفل أما شاشات أجهرة التكنولوجيا مثل الجوالات والأجهزة اللوحية (التابلت) والكمبيوترات وأجهزة التلفاز، تأثير ناتج عن الوقت أمام الشاشة، وتأثير ناتج عن أنواع المحتوى.

وتوصي العديد من المنظمات الصحية الدولية مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ومنظمة الصحة العالمية بحد يومي أقل من ساعة واحدة من وقت الشاشة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و 4 سنوات. ولكن وبسبب الطبيعة الترابطية لمعظم الأبحاث الموجودة والمشهد سريع التطور للتكنولوجيا، فلا تزال تأثيرات مشاهدة الشاشة الممتدة غير واضحة وغير حاسمة.

الأضرار الجسدية والنفسية والاجتماعية للإدمان الرقمي خطير جدًا على الأطفال والمجتمع بأكمله

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: