مهنا الحبيل
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

فلسفة العنف الأخلاقي في عالم اليوم

مهنا الحبيل
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

يقوم استحضار رؤية فرانز فانون في المسار الأخير للبشرية على سؤاله: من يردع قوة الشر عن العالم، وما هي قوة الشر المركزية فيه؟ حين نعود إلى تقييم واقع الكون الأرضي، ومستقبل الكوكب، نجد أن الهيمنة السياسية والسُخرة الاقتصادية والنظام الربوي ليست كموقف ديني، بل عبر تقدير المآل العملي لتقييم مصالح الشعوب، وحصر ضحاياهم، وحين ننظر إلى موازين البيئة واختلال حقوق الطبيعة الخلّاقة فيها.

وحين نراجع الحملة العالمية التي تقودها القوة الغربية المركزية عبر مجلس الأمن وحلف الناتو، وغيرهما من منظمات، لتدمير الأسرة الفطرية وفرض الجندر عليها وتجارة الدواء والعلاج، والقوى الكبرى المسيطرة على الإعلام التقليدي، والسوشيال ميديا، وما تروّجه كلّ لحظة لهدم كل أساس إنساني.

وحين نُحصي سوق أسلحة الدمار الشامل، والحروب بالوكالة، وحركة الهجرة الضخمة، من عالم الجنوب المحروم إلى الشمال، فإنّ كلّ الإحصاءات تقدّم دلالةً لفانون بأثر رجعي، حيث كان لدى السؤال الآخر من ينقذ هذا العالم، من المآل الذي وصل إليه اليوم، وهل نلقي سلاح العنف الأخلاقي لمواعظ الغرب المنافق؟ نحتاج هنا أن نُعقّب على فانون، بأن العالَم الشيوعي الآخر الذي أيّده في حياته لم يكن يحمل بذرة إنقاذ، ربما كانت ميزته لأهمية التدافع بين كِلتا القوتين الإمبرياليتين، الأميركية الأوروبية الغربية والروسية الغربية أيضاً، في إرثهما الاجتماعي المشترك.

أما التعقيب الآخر فهو أن شرعية العنف ضد المدنيين في الإسلام لا توافق نظرية أسامة بن لادن الذي اتفق مع فانون، غير أن تفريط المسلمين ببناء قوتهم الذاتية، وتفعيل أدوات الردع، في صدّ قوة القهر العالمية أخلّ بميزان القوة الخيرية التي تواجه الشر العالمي.

حملت مرافعات فرانز فانون بقوة ليس على مصالح الغرب اللوجستية والاستراتيجية وحسب، لكن على رفض هياكل الحكومات (الوطنية) التابعة للسياقات الاستعمارية، فسقف فانون للمواجهة كان مفتوحاً، فهذه الحكومات ومشاريعها في فكره هي برنامج مضلّل، لتأمين الذات الوجودية الاستعمارية بغطاء وطني باسم البلاد (المستقلة).

يتّضح هنا تأثر فانون بحملة الروح الثورية الحمراء التي هيمنت على العالم الجنوبي، غير أن الحرب المفتوحة للرايات اليسارية الماركسية لم تحقق معادلة توازن وتقدّم حضاري، يُعيد البرنامج الثوري في نهضة مدنية تقدمية، في الزراعة والتجارة والمهنية والتعليم، تُقوّض سلطة التوحش للعالم الحديث. ولقد كان بعض الفشل في نماذج مروّعة تحوّل فيها الماركسيون ذاتهم إلى حفنة قمعية، أطلقت السلطة في أيد عسكرية فاسدة، كادت تُعلن ذاتها آلهة بين الشعوب.

وفشلت الفكرة الإلحادية التي جاملها فانون، رغم أن روح الجهاد الجزائرية كانت تشكّك فيها في ضميره، وتحوّلت اليوم بعض قوى اليسار إلى استثمار آخر لصالح (قيم) العالم الحديث، فتعزّزت سلطته الوحشية على الناس. ولو كان فانون حياً بيننا لربما تغيّرت نظرته، وأدرك أن معركة المقاومة الفلسفية لا سبيل لنجاحها في إنقاذ العالم إلّا عبر إرادة روح مختلفة عن المادوية الشرسة التي تهيمن على هذه الأرض.

لقد استطرد فانون في تفكيك صور الاستتباع للغرب، في أفريقيا، وأصرّ على معركة الخلاص الكبرى، وهي فكرة لا تزال ضرورتها تتردّد، غير أن السبيل إلى التحالف الإنساني سقط في غمرة الحروب الأخرى، وظلت مبادئ عدم الانحياز ضئيلة في المواقف العملية. ومع ذلك كله، فإن ما استند إليه فانون من أن كارثة الحداثة سوف تجثم على هذا العالم البريء، وتقتلع روحه وتهدم أي إطار للعدالة الاجتماعية والسياسية، صحيحٌ تماماً. ولذلك تعود فلسفة فانون بقوة، وها هي دعاوى الحوار العالمي، وحتى حوارات الأديان ومنصّات التفاهم الدولي، تُحوّل إلى ذرائع لصالح القوة الكولونيالية، وأن البعث الواعي لخطورتها لا سبيل له لمقاومتها، فهل كان العنف الأخلاقي ضرورة؟

في حالات محدّدة، يمكننا قبول ذلك، حين ننظر إلى المشهد والمآل، وتبعات الحال للشعب المغدور الممتحن، لكننا لا يمكن أن نطلقها كقاعدة مفتوحة، فإعادة تدوير ما كان يعتبر قوات “الجهاد العالمي” تم اختراق شبكات عديدة منه، وحتى توظيف “داعش” وإسقاطه “القاعدة”، وما تبقى من مبادئ أسامة بن لادن، يدخل في هذا السياق المخابراتي. ولذلك، نعود إلى طبيعة التشكّل الفكري لمبادئ النضال العالمي، وأهمية تحريرها بأرضيةٍ عميقةٍ في وعي الفِكرة المقاومة، ومرجعيتها القيمية الإنسانية، ودعم ميثاق التحالف فيها، مع مدّ الجسور لكل مساحةٍ متاحةٍ للتجارب الناجحة، خارج القوة الكولونيالية، فهو الخيار الأسلم المتاح. لكن روح فانون التي عانقت الشعب الجزائري، واستقلّ ضميرها عن الميزات الفرنسية، اصطفّت بكل قوة مع الشعب الجريح، فهو نموذج خيري عظيم ممتد التأثير إلى هذا الزمن، كما أن حضور فانون في إعلام جبهة التحرير الوطني، وما قدّمه كطبيب نفسي ومراقب لمسرح المواجهة، عرض صورة تشريحية مهمة لأزمة الفرد المضطهد المقاوم، والضغوط النفسية والاجتماعية الهائلة التي تواجهها الجبهات الوطنية، ثم السؤال الكبير الذي لا يُغيّر من أهمية معادلة النصر الرئيسية: أين ذهب حلم الجزائر منذ الاستقلال؟ وهل انطلقت رحلة النهضة والقوة ونجح الفرز الوطني، في تحييد الروح الفرنسية، والاستتباع لها، أم أن نظرية مالك بن نبي في القابلية للاستعمار، لها حظها على الأرض الوطنية، في التاريخ السياسي، فتمكّنت من قطع الطريق على حلول مشكلات النهضة؟

لقد حاول فانون ربط أفريقيا بعضها ببعض، وربطها حتى بالمشرق، في معركة التحرّر الكبرى، غير أن البضاعة الفكرية التي دسّها السوفييت في حقائب المناضلين كانت فاسدة، فسهُل اختراقهم وسقط حلم الحرية والتقدّم المختلف عن المركزية الإنسانوية الغربية. مع ذلك كله، دعوة فانون إلى الوحدة الجنوبية للعالم الحر جديرة بالاهتمام، ومنظاره في تمزيق المجهر الأعور قضية مبدأ لذلك الزمن، وحتى آخر ساعة في تاريخ الأرض.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts